شهدت علاقة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بحلف شمال الأطلسي تقلبات كبيرة خلال فترة رئاسته، فقد كان لترامب تاريخ طويل من التشكيك بأهمية ودور الناتو، إلا أنه اضطر في الوقت نفسه للتراجع عن بعض مواقفه العدائية تجاه الحلف تحت وطأة الضغوط الداخلية. وفي ظل ترشح ترامب مُجددًا للرئاسة العام المقبل، يحاول الكونجرس الأمريكي الحد من سلطته، عبر تمرير قانون يضع قيودًا على قدرته على اتخاذ قرار بانسحاب أمريكا من التحالف بشكل مُنفرد، إذ مررت لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأمريكي، والتي يسيطر عليها الحزب الجمهوري بأغلبية ضئيلة، مشروع قانون يقيد صلاحيات الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب تجاه حلف شمال الأطلسي "الناتو" في حال أعيد انتخابه العام المقبل.
وبحسب ما أشارت مجلة "نيوزويك" الأمريكية، فقد تضمن مشروع القانون تدبيرًا ثنائيًا قدمه من الحزب كل من السناتور الجمهوري، ماركو روبيو، ونظيره الديمقراطي تيم كاين، يمنع أي رئيس من الانسحاب من الناتو بشكل أُحادي دون موافقة مجلس الشيوخ أو تشريع من الكونجرس.
ويُلقي هذا التدبير بثقله في استراتيجية ترامب الخارجية، التي ادّعت طويلًا أن الناتو عبء على الموارد الأمريكية.
وتأسس حلف شمال الأطلسي بعد الحرب العالمية الثانية؛ ردًا على التهديد السوفيتي، مع وعد باعتبار أي هجوم مسلح على أي من الدول الأعضاء الـ31 "هجومًا ضدهم جميعًا".
تاريخ ترامب مع الناتو
وتُشير المجلة الأمريكية إلى أنه طوال عقود قبل ترشحه للرئاسة، شكّك ترامب في غرض وكفاءة الناتو، مُشيرًا في كتابه عام 2000 "أمريكا التي نستحقها" إلى أن "الصراعات الأوروبية لا تستحق الأرواح الأمريكية، وأن الانسحاب من أوروبا سيوفر على هذا البلد ملايين الدولارات سنويًا". ووصف التحالف بـ"القديم" و"غير العادل اقتصاديًا" تجاه الولايات المتحدة، خلال حملته الرئاسية عام 2016.
وكرئيس، هدد مرارًا بانسحاب الولايات المتحدة من التحالف، بما في ذلك أشهرها في قمة الناتو عام 2018، عندما قال إن الدول الأعضاء يجب أن تزيد من الإنفاق الدفاعي؛ لتخفيف العبء عن الولايات المتحدة أو ستذهب أمريكا بمفردها.
وظهرت عدائيته المفتوحة تجاه التحالف مرة أخرى العام الماضي، عندما وصف الناتو بـ "النمر الورقي" في أعقاب الحرب الروسية على أوكرانيا.
انسحاب ترامب من التحالف
وقالت أكثر من نصف دزينة من الدبلوماسيين الأوروبيين الحاليين والسابقين، إن هناك قلقًا مُتزايدًا في حكوماتهم الوطنية من أن ولاية ترامب الثانية، ستؤدي إلى انسحاب أمريكي ونهاية كاملة للناتو.
وقبل سباق 2024 الرئاسي، قال ترامب، المرشح المفضل بشكل ساحق لدى الحزب الجمهوري، القليل عن خططه بشأن الناتو، إذ كشفت مجلة رولينج ستون الأمريكية في أكتوبر الماضي، أن الرئيس الأمريكي السابق ناقش سرًا سحب الولايات المتحدة من الناتو ما لم تلب مطالبه، فيما أبدى رفضه تعيين "محبي الناتو" في مناصب وزارية كبرى.
وتُشير نيوزويك إلى وجود شطر في برنامج ترامب الانتخابي المنشور على موقع الحملة على الإنترنت، ينص على ما يلي: "يتعين علينا إنهاء العملية التي بدأناها في ظل إدارتي لإعادة تقييم هدف الناتو ومهمة الناتو بشكل أساسي".
بين مدافع ومعارض
لكن حلفاء ترامب المؤيدين لحلف شمال الأطلسي، مثل السيناتور الجمهوري، ليندسي جراهام، أصروا على أنه "لن يفعل ذلك".
وأشار "جراهام"، بحسب الصحيفة، إلى أن "ما سيفعله هو أنه سيجعل الناس يدفعون أكثر، وأعتقد أن هذا سيكون خبرًا مرحبًا به للكثير من الناس".
ورحّب السناتور "كاين"، الذي قاد التدبير الثنائي للحزب في الكونجرس، بإقراره في مجلس الشيوخ، قائلًا إن الفصل يؤكد الدعم الأمريكي لهذا التحالف الحاسم بالنسبة لأمننا القومي.
كما رحب السناتور روبيو بإقرار التدبير، قائلًا إن مجلس الشيوخ يجب أن يحافظ على الإشراف على ما إذا كانت أمتنا ستنسحب من الناتو أم لا، ويجب أن نتأكد من أننا نحمي مصالحنا الوطنية.
ويأتي إقرار هذا القانون في وقت تشهد فيه علاقات واشنطن مع حلفائها توترًا غير مسبوق، خاصة بعد الحرب الروسية الأوكرانية وامتناع ترامب عن إدانتها.
ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة، لا تزال خطط ترامب تجاه الناتو غامضة، إلا أن المجلة تُشير إلى أن تمرير هذا القانون سيحد بلا شك من قدرته على اتخاذ قرارات أُحادية الجانب تجاه الحلف، ما يعكس تصميم الكونجرس على الحفاظ على التحالف الأطلسي.