"من يملك الأصول يملك الفروع"، جملة تلخص رؤية الفنان الراحل كرم مطاوع لموهبة الممثل القادم من خشبة المسرح نحو السينما والتليفزيون، ومدى ما قد تصل إليه، إذ جاء الفنان الكبير من بوابة "أبو الفنون" ليحقق شهرة وقبولًا كبيرًا لدى جمهور الشاشتين الصغيرة والكبيرة.
الفنان كرم مطاوع الذي رحل عن عالمنا عام 1996 في مثل هذا اليوم 9 ديسمبر، اشتُهر بأدائه الراقي ذي الطابع الخاص، فهو حاصل على بكالوريوس المسرح من المعهد العالي للدراما عام 1955، بعد أن انتهى من دراسته بكلية الحقوق، لكنه اختار الاتجاه إلى الفن لإشباع موهبته، وبالفعل جاءته الفرص المتتالية في عام واحد فقط.
4 فرص وجد كرم مطاوع نفسه يقتحمها دون خوف، جميعها في عام 1964، حيث كان يقف على خشبة مسرح الأوبرا ليجسد دور هاملت في المسرحية التي تحمل نفس الاسم، وأيضًا كان يذهب إلى الاستوديوهات لتصوير دوره في مسلسل "لا تطفئ الشمس" مع مكتشف النجوم المخرج نور الدمرداش، وفي الوقت نفسه يجسد دور سيد درويش في الفيلم الشهير الذي أخرجه أحمد بدرخان، وعلى المسرح كان يخوض تجربة أخرى مخرجًا لعرض بعنوان "الفرافير" بطولة عبد الرحمن أبو زهرة، وسهير البابلي، وتوفيق الدقن، وعبد السلام محمد.
بدايات تعلق كرم مطاوع بالفن كانت من خلال المسرح، وساعد على ارتباطه به دراسته في المعهد العالي للدراما، لذا فهو يعد أحد أبرز الممثلين المسرحيين في مصر والوطن العربي وليس ذلك فقط، إذ إن إسهاماته المسرحية تنوعت بين التمثيل والإخراج، وساعد كثيرًا على تطوير فن الأداء، وأحدث صورة في فن الإخراج المسرحي، كما يقول عنه الراحل نور الشريف في أحد البرامج التليفزيونية، الذي أشار أيضًا إلى أنه تعلم الكثير من مجرد مشاهدة هذه الأعمال ولم يسعفه الحظ للعمل معه، ووصفه بأنه أحد العلامات البارزة في فن الإخراج المسرحي.
في سجل كرم مطاوع المخرج أكثر من 20 عملًا مسرحيًا، منها "الحسين ثائرًا"، "ياسين وبهية"، "عودة الأرض"، "إيزيس"، وقبل رحيله بعام واحد كان يخرج "ديوان البقر" التي شارك في بطولتها عبد الرحمن أبو زهرة، لتكون البداية والنهاية مع نفس الممثل الذي شاركه في العرض المسرحي "الفرافير".
اللافت للنظر أن تجربة كرم مطاوع الفنية لم تشهد أي عمل إخراجي بعيدًا عن المسرح، واكتفى بالتمثيل فقط في السينما والتليفزيون، كما لم يطرق أبوابًا أخرى سوى في مرة واحدة شارك في سيناريو وحوار فيلم "مطاوع وبهية" الصادر عام 1984.
الأداء التمثيلي
تميز أداء كرم مطاوع التمثيلي بالقوة التي اكتسبها من خشبة المسرح ودراسته، إذ كان يرى أنه يجب على الممثل أن يمتلك قوة الأداء، يطوع درجتها حسب الوسيط الفني، حسبما صرح في أحد حواراته التليفزيونية، قائلًا: "من يمتلك الكثير يستطيع اختزال المطلوب طبقًا لتقنيات الحقل الذي يتعامل فيه سواءً سينما أو مسرح أو إذاعة أو تليفزيون، لكن قبل ذلك يجب أن يتمتع بالقبول، والأخيرة هبة من عند الله".
كما كان يؤمن الفنان الراحل بأن الفنان يجب ألا يقف عند الموهبة فقط، بل يجب أن تتداخل العديد من العناصر في تكوينه، منها التدريب، والتثقيف الذي يشمل شقين أولهما معلومات عن صالون المهنة كتدريب الصوت والتنفس وتعبيرات الجسد، وثانيهما الاطلاع على علوم أخرى متاخمة للفن منها علم النفس، والتاريخ، والعلم المجتمعي، فكل ذلك يغزو الممثل ليستطيع تأدية الأدوار المختلفة.
هذه الرؤية أو المنهج الذي اتبعه كرم مطاوع، ساعده على تجسيد شخصيات مختلفة، خلقت حضورًا كبيرًا بين الجمهور، منها دور رجل الأعمال المستغل أسعد ياقوت في فيلم "المنسي" –التجربة الوحيدة مع عادل إمام- ودور برهان صدقي في المسلسل البارز "أرابيسك: أيام حسن النعماني"، وأيضًا شخصياته في مسلسلات "الصمت"، و"امرأة وثلاثة وجوه"، ودوره الكوميدي في مسلسل "ناس ولاد ناس"، مجسدًا شخصية عبد المنعم الأنفوشي.
إلى جانب إسهامات كرم مطاوع الفنية، تولى العديد من المناصب والمهام الإدارية، منها رئيس المركز القومي للسينما، ومدير المسرح القومى، ورئيس البيت الفني للمسرح.
ويبدو أن الأصول في المهنة التي كان يشدد كرم مطاوع على ضرورة أن يمتلكها الفنان، ورّثها للفنانة حنان مطاوع ابنته من الفنانة سهير المرشدي، والتي تعلمت الكثير على يديه، بل أوصاها بضرورة الالتحاق بمعهد الفنون المسرحية من أجل صقل موهبتها، والإصرار على مواصلة طريقها مهما كانت العقبات.