موهبة فنية استثنائية تمتع بها الفنان المصري الراحل كرم مطاوع، الذي تمر اليوم ذكرى ميلاده، حيث بزغت لديه علامات حب الفن مبكرًا منذ الصغر، بدأها برغبة في تقليد من حوله من الشخصيات، لكنه لم يتوقف كثيرًا عند هذه المرحلة، بعد أن طوّر الموهبة بالدراسة في المعهد العالي للفنون المسرحية، قبل أن يلتحق ببعثات لدراسة الفن في دول أوروبا، فكان حب الفن محركًا له، وهو ما وجد فيه ذاته وحقق من خلاله اسمه وغايته، بعد أن ترك دراسة الحقوق للتفرغ للفن.
ما بين التمثيل والإخراج والتدريس والعمل الإداري كمسئول عن إدارة عدد من المسارح، تنقل كرم مطاوع خلال مشوار الفني الثري، حيث أهلته شخصيته القوية أن يجيد العمل باقتدار في هذه الأدوار المتنوعة، ولم يقتصر الأمر على مصر فحسب، لكنه تخطى الحدود ليصل الجزائر، وأثرى الحركة المسرحية هناك، وتخرّج على يده طلبة قدموا إسهامات كثيرة للمسرح في بلدهم.
كان لكرم مطاوع علامات مضيئة في مجال المسرح، حيث يعتبره الكثيرون مجدد ومؤسس المسرح الحديث، فكانت أول انطلاقة له في عالم الفن من خلال مسرحية "الفرافير"، التي أخرجها، ليقطع جزءًا كبيرًا من مشوار حياته مركزًا في العمل على خشبة المسرح، سواء في الإخراج أو التمثيل.
كان من أهم المسرحيات التي أخرجها كرم مطاوع هي "شهر زاد" للراحل توفيق الحكيم، التي لعبت بطولتها الفنانة سناء جميل، ويقول عنها في أحد لقاءاته التليفزيونية: "هذه المسرحية من أهم الأعمال التي أخرجتها، وقلت وقتها لتوفيق الحكيم أنك تنظر لشهر زاد بعينين مختلفتين ومتضادتين، فهناك ازدواجية في الرؤية والأحاسيس، خلقت بداخل توفيق الحكيم هذه الجدلية وكيف نتعامل مع شهريار الذي يرى في المرأة أنها أقل منه، وفي نفس الوقت ند للرجل، فقال لي إذا قلت هذا الكلام أو فسرت هذه الرؤية في مسرحيتك ستتعرض للهجوم، وبالفعل كتبت هذا الكلام في كتيب المسرحية، وهاجمني أنيس منصور، وقال لي أنت مخرج فقط، مالك ومال الكتابة والنقد".
تعاون كرم مطاوع مع كبار النجوم من بينهم الفنان الراحل محمود عبد العزيز في مسرحية "727"، وأخرج مطاوع هذه المسرحية، كما شارك بالتمثيل مع كبار النجوم، مثل الفنان عادل إمام في فيلم " المنسي"، الذي يعد آخر أفلامه، ليقول عن عادل إمام في لقاء تليفزيوني أجراه مع الإعلامي الراحل مفيد فوزي، خلال كواليس الفيلم: "عادل إمام ينتمي إلى نوعية المدرسة التلقائية فهو يتمتع بفطرة فنية لا يستطيع إنسان أن يحدد لها معالم، وهي تخلق بينه وبين المتلقي قصور محسوسة، فهو قادر على الوصول للناس من خلال الإشعاع الفني بتلقائية وفطرة سليمة وسوية للتواصل مع الآخرين".
قدّم كرم مطاوع عددًا من المسلسلات، مثل "أرابيسك"، الذي حقق شهرة واسعة بالعالم العربي، و"بلاغ للنائب العام" و"الطريق إلى القدس" و"لا تطفئ الشمس"، وكان آخر ما قدمه مسلسل "الحفار" و"الصبر في الملاحات".
قدرة الفنان كرم مطاوع على تجسيد الشخصيات بإتقان كان مثار إعجاب وتقدير من النقاد والجمهور، لذا ليس غريبا أن تُخلّد هذه الشخصيات اسمه إلى الآن، والتي كان من أبرزها، شخصية سيد درويش التي جسدها في فيلم حمل الاسم نفسه "سيد درويش" أمام الفنانة هند رستم، إلى جانب شخصيات أخرى كانت من وحي خيال كاتبها مثل شخصية أسعد ياقوت رجل الأعمال الفاسد في فيلم "المنسي" مع عادل إمام ويسرا، وشخصية الدكتور برهان صدقي في مسلسل "أرابيسك"، وغيرها الكثير من الشخصيات في التليفزيون والسينما، التي ستظل خالدة في وجدان الجمهور.
كان كرم مطاوع يرى أن الفن لا يرتبط بسن محدد، حيث يقول في أحد لقاءاته التليفزيونية: "حدود عطاء الممثل لا يرتبط بسن أو زمن معين، بل يكون لديه مخزون كبير من العطاء".
حصد كرم مطاوع إشادات من الجمهور ليس في مصر فقط، بل على مستوى الوطن العربي، كما حصل على وسام الفنون من الدرجة الأولى، ورغم رحيله في 9 ديسمبر عام 1996 عن عمر ناهز 63 عامًا، لكنه ما زال خالدًا بأعماله، وبقطعة من روحه فهو والد الفنانة حنان مطاوع، التي ورثت عنه الموهبة وحب الفن، وأيضًا زوجته الفنانة القديرة سهير المرشدي، التي لا يزال عطاؤها الفني متجددًا.