الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

إبراهيم شداد: السودان خارج مساحة الفن السينمائي (حوار)

  • مشاركة :
post-title
السوداني إبراهيم شداد

القاهرة الإخبارية - محمد عبد المنعم

ـ بذلنا جهدًا كبيرًا من أجل إنتاج أفلام سودانية
ـ أزمة صناعة الأفلام السودانية هي التمويل.. والأصعب أهواء الممولين
ـ لدي فيلم يتم ترميمه في ألمانيا.. وأرشيف الأفلام السوداني تحت القصف

حرص المخرج السوداني إبراهيم شداد على صقل موهبته السينمائية بالدراسة، فدرس الإخراج السينمائي فى الكلية الألمانية لفنون السينما والتلفزيون عام 1964، لنقل خبراته إلى الأجيال الجديدة، إذ درس في أكاديمية متخصصة لمدة خمس سنوات، كل هذا وهو يحمل هم السينما السودانية في قلبه هو وكل المحبين من جيله لهذا العالم، لذا قرر مواجهة الصعاب وصناعة أفلام بأقل الإمكانيات والميزانيات السودانية حتى يكون للسودان إنتاجه الخالص.

كما عمل بالمسرح والتلفزيون وكتب وأخرج، وظل حالمًا أن ينقل للعالم ما يشعر به من خلال السينما، فقدم العديد من التجارب السينمائية المهمة كان آخرها "الحديث عن الأشجار" للمخرج صهيب الباري، الذي حصل من خلاله على العديد من الجوائز منها جائزة أفضل فيلم وثائقي، وجائزة اختيار الجمهور من مهرجان برلين السينمائي الدولي الـ69.

ورغم الأوضاع الصعبة والصراعات في السودان التي أحبطت العديد من صنّاع السينما، إلا أن "شداد" لا يزال يحمل أمله داخله رغم المصاعب، وفي خطوة نحو إعلام العالم بالسودان وإنتاجها السينمائي قرر مهرجان الجونة السينمائي عرض مجموعة من الأفلام المرممة في دورته السادسة التي تقام الشهر المقبل، وكان للمخرج إبراهيم شداد ثلاثة أعمال منها هي "الحبل" إنتاج 1985، "حفلة صيد" إنتاج 1964، و"جمل" إنتاج 1981.

وحول هذه الأعمال تحدث إبراهيم شداد لموقع "القاهرة الإخبارية"، كاشفًا أوضاع السينما في السودان ومصير الأرشيف السوداني، وهل هناك أعمال أخرى له سيتم ترميمها قريبًا، وآخر المستجدات حول سينما الجيران، التي اعتادوا أن يقيموها في المدن الكبرى بالمدينة، ومصيرها بعد الصراعات الدائرة هناك.

نسخ أصلية

الحصول على النسخ الأصلية للأفلام المرممة لم يكن سهلًا، إذ يوضح "شداد" قائلًا: "تلك الأعمال أنتجت قبل صناعة الديجيتال التي سهّلت الحفظ والانتشار، إذ ليس من السهل الحصول على النسخة الأصلية، خاصة أننا بشكل مادي لم نكن قادرين على إنتاج نسخ كثيرة في وقتها، وأغلب الأفلام ربما أنتجنا  منها نسختين، إلى جانب أنه يتم تداول عرضها في أزمنة كثيرة وأماكن عدة، وحقيقة أن مؤسسة "أرسنال" قامت بمجهود ضخم للحصول على تلك الأعمال السالب منها والموجب لتقوم بترميمها".

تحضير الأفلام التي تم ترميمها حاليًا في زمنها كان له شكل مختلف، خاصة أنك في بلد ليس به بنية تحتية أو محترفين بالدرجة، فالأمر يأخذ منحنى آخر وهو؛ كيف يتم توفير الميزانية الخاصة بالعمل؟.. ويقول "شداد": "نبدأ على الفور في العمل من أجل صرف الميزانية ويتم ذلك في عُجالة شديدة وبعدها نحضر للفيلم أثناء تصويرنا له".

ظروف غير احترافية

سألنا "شداد" عن المختلف في الأعمال الثلاثة التي تم ترميمها فقال: "فيلم "رحلة صيد" تم إنتاجه في ظروفه احترافية، لكن طاقم العمل كان أغلبه غير محترف، بعكس فيلم "جمل وحبل" الذي تم إنتاجه تحت ظروف غير احترافية ولكن بطاقم عمل محترف، وكنت أقوم بعمل أشياء بعيدة عن الإخراج، وذلك من أجل مجابهة الظروف، والحقيقة أن كل التجارب كانت صعبة بالنسبة لي".

مواقف صعبة

يكشف المخرج السوداني عن أصعب المواقف التي قابلته خلال تصوير تلك الأعمال ويقول: "بالنسبة لي الصعوبة تكون قبل بداية عمل الفيلم، لكن في "جمل وحبل" لازمتني الصعوبات خلال التصوير، خاصة أن الأول بطله جمل والثاني بطله حمار، فكان لا بد من التعامل معهما خلال التصوير، وهذا ليس أمرًا سهلًا، رغم تجاربي السابقة في العمل مع الحيوانات، فقدمت من قبل فيلم "القطط والمجانين"، وآخر بعنوان "كريت" وهو اسم ماعز، وجنة الحيوان وإنسان، ولعبت في تلك الأفلام الحيوانات أدوارًا مهمة، وركزت على تلك النوعية لأن بها تحديًا وقلقًا، وأذكر مرة عند ما كنت في عرض خاص وقلت لمدير الصالة بشكل فكاهي هل بإمكاني إحضار الحمار لمشاهدة دوره؟.. فرد: "ليس لدى الكرسي المناسب له".

إنتاج السودان

وعن الأفلام التي تم إنتاجها من السودان قال: "بذلنا مجهودًا كبيرًا من أجل إنتاج أعمال سودانية، وتم الأمر بمعدات متواضعة وميزانيات شحيحة جدًا وبمجهود فئة قليلة من السينمائيين، وعلى سبيل المثال فيلم "جمل" كنا نقول إن فكرته تدور حول توثيق التراث من أجل الحصول على تصاريح لعمل الفيلم؛ لأن الأمر ليس سهلًا".

احتفاء عالمي

وعلّق" شداد" على الاحتفاء العالمي الكبير بالفيلم السوداني وقال: "هذا أمر يسعدني، مع أنني أرى في بعض منه احتفاءً بالسودان وتعاطفًا بسبب فاجعته الأليمة، مع تحفظي على مفهوم الفيلم السوداني كمصطلح، فكيف يمكننا تحديد جنسية الفيلم؟.. والسودان غير معني بتلك الأعمال رغم أن بها شيئًا يخصهم ولم يشاهدوها، وربما هي غير معنية بهم".

الممولون الأجانب

وحول مدى تأثير الصراعات في السودان حاليًا على أفكار الأفلام في الفترة المقبلة قال: "السينما في السودان غير موجودة.. سواء إنتاجًا أو عرضًا، فالإنتاج نادر وليس هناك نسخ منه تتيح لنا التكهن بما سيأتي إلى جانب ما تمليه علينا الأوضاع الاجتماعية و خلافه، فكل تلك العوامل غائبة عن المشهد السينمائي والمشكلة الأساسية في صناعة الأفلام هي التمويل، وصار الأصعب حاليًا هو أهواء الممولين الأجانب، والموضوعات التي يرون أنها ضرورة للتمويل، وربما البعض يتفاعل مع الأحداث الجارية ويركبون الموجة".

الأرشيف السينمائي

يحكي "شداد" عن تاريخ الأرشيف السينمائي السوداني ويقول: "أول تصوير سينمائي في السودان كان عام 1898، وأول عرض سينمائي كان 1907، ولكن إنتاج الأفلام الرسمي بدأ 1951 واستمر الإنتاج في القطاعين العام والخاص حتى 1989، فقد تم غلق جميع الشركات والإدارات المنتجة السينمائية وفقدنا كمًا هائلًا من الأفلام، وبعدها بدأت عملية بسيطة لتحويل الأفلام إلى التقنية الرقمية تحت إشراف الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، والكارثة أن مباني الهيئة في منطقة حرب ويقال إن بعضًا من مبانيها دمرت، وقد يتم تدمير الأرشيف برمته".

يؤكد "شداد" أن لديه مجموعة من الأفلام يمكن ترميمها بجانب ما تم ترميمه، لكن في حالة واحدة هي العثور عليها، فنحن لا نستطيع الحصول عليها، وهناك فيلم واحد الآن موجود لدى مؤسسة "أرسنال" الألمانية التي تعمل على ترميم الأفلام القديمة، ولا تزال تبحث عن الفيلم السالب (النيجاتيف) له حتى تستطيع ترميمه بطريقة صحيحة.

السودان خارج مساحة الفن السينمائي

وعن خطته لأفلام جديدة بعد النجاح الكبير الذي حققه فيلمه "الحديث عن الأشجار" قال: "دائمًا هناك خطط لأفلام جديدة، لكن ميزانيات التمويل والإنتاج تقف حائلًا، والسودان خارج مساحة الفن السينمائي، إضافة لذلك ابتلينا نحن عواجيز السينما بتوجهات الممولين، لأنهم يريدون شابًا بمواضيع طازجة، وعلينا نحن الموت سريعًا بحكم أن العالم اليوم صغير".

سينما الجيران

السينمائيون السودانيون قطعوا عهدًا على أنفسهم باستمرار الفنون السينمائية وتقديمها للجمهور بهدف إتاحة فرصة لمشاهدة الثقافات المختلفة من البلدان المجاورة، وكانت "أيام السينما الإفريقية" أو "سينما الجيران" كما أطلقوا عليها أخيرًا، نقطة نور مضيئة في ظل العقبات التي لاحقت السينمائيين السودانيين، إذ اعتاد الجمهور السوداني في 12 أكتوبر من كل عام أن يجتمع في المدن الكبرى ببلدهم للتعرف، عن قرب، على ثقافة إفريقيا، ومع اقتراب الموعد السنوي لهذا الحدث السينمائي المهم، واستمرار الصراع على الأراضي السودانية، طُرح التساؤل حول إمكانية أن يشهد هذا العام خروج تلك النقطة المضيئة إلى العالم من جديد، وسألنا "شداد" عن آخر ما وصلت إليه سينما الجيران فقال: "نعمل جاهدين حاليًا على استمرار الفاعلية في السودان وقطعنا شوطًا كبيرًا في التحضير مع العديد من المنظمات".

وسوم :