لا يزال صنّاع الأفلام السودانية يتحدون الظروف لإبقاء قصصهم وفنهم عاليًا، وعلى الرغم مما تعانيه صناعة السينما في السودان من أزمات متلاحقة تتعلق بغياب دور العرض، ولجوء المبدعين إلى التمويل المشترك لأفلامهم التي تروي قصصًا من الواقع السوداني، إلا أن الأعباء زادت وتعقدت الظروف بعد أن واجهتهم تحديات جديدة متمثلة في انطلاق شرارة الصراع في بلادهم التي أثرت بدورها على غياب الإبداع.
عدم استقرار الوضع الفني عمومًا والسينمائي خاصة في السودان لم يكن مبررًا لمبدعيه أن يقفوا مكتوفي الأيدي، وألا يتحركوا لتصدير إبداعهم خارج الحدود ليراه العالم، لذا قرروا أن يحلّقوا حاملين هموم وقصص لا تنتهي من واقعهم الملئ بالإبداع ليسجلوا نجاحات متتالية في المحافل الدولية بأعمال حظيت بقبول عالمي واسع.
ومع استمرار الصراع في الشوارع السودانية، يحتفل المبدعون السودانيون اليوم بعرض أول فيلم سوداني بمهرجان كان السينمائي في دورته الـ76 التي تستمر حتى 27 مايو الجاري، وهو فيلم "وداعًا جوليا" الذي ينافس في قسم نظرة ما، ويحمل توقيع المخرج السوداني محمد كردفاني، الذي تولى تأليف العمل أيضًا، في تجربته الأولى لفيلم روائي طويل، إذ سبق أن سجّل حضوره في المشهد السينمائي بأفلام قصيرة مثل "سجن الكجر"، "ذهب ولم يعد" و"نيركوك" ليعود بقصة واقعية جديدة تحمل اسم "وداعًا جوليا" شارك في بطولته الممثلة المسرحية إيمان يوسف، وعارضة الأزياء سيران رياك، ونزار جمعة وقير دويني، ويشارك في إنتاجه المخرج السوداني أمجد أبو العلا، وتنطلق أحداثه في قلب السودان إذ تجمع الأحداث بين الشمال والجنوب في قصة درامية قبل وبعد الانفصال.
السودان في المشهد السينمائي
رغم المحنة الكبيرة التي يمر بها السودان، فإن الحضور الثقافي والفني في المحافل الدولية المختلفة يُثلج صدور السودانيين من الجمهور والصنّاع ويكون مصدر بهجة لهم، هكذا يرى المخرج السوداني سليمان إبراهيم، إذ يقول لموقع "القاهرة الإخبارية": "مشاركة الجيل الجديد في المحافل الدولية أمر مهم، وخاصة فيلم "وداعًا جوليا" لمخرجه محمد كردفاني، وبعيدًا عن فوز تلك الأفلام بجوائز أم لا، لكن مجرد قبولها يمثّل مكسبًا كبيرًا وإعادة السودان في المشهد السينمائي".
الأرشيف السوداني
"نهضة سينمائية" هذا ما يحلم به صنّاع السينما السودانية، وألا يقتصر الاعتماد على التمويل الخارجي فحسب، بحيث يصبح على أرض السودان استوديوهات وشركات إنتاج سينمائي، ويقول سليمان: "كل الأخبار المفرحة تظل متوارية أمام المهام الكبيرة التي نحلم بها، وما يشغلنا اليوم هو تأسيس البنية الأساسية من استوديوهات ومعدات واستنهاض القطاع الخاص للمشاركة في الإنتاج السينمائي".
يعود "سليمان" بالزمن للخلف وما فقدته السينما السودانية، ويقول: "تم تحطيم المؤسسات السينمائية ومن بينها وحدة أفلام السودان، التي تحتفظ بالأرشيف السينمائي والوثائقي والصحف السينمائية منذ أواخر الأربعينيات، ونعمل حاليًا على ألا نفقد هذا إلى الأبد، كما أن مؤسسة الدولة للسينما التي تأسست عام 1970 وقسم السينما الذي تأسس عام 1973، كل هذه المؤسسات لم تعد موجودة، لكن في الوقت نفسه هناك نشاط لجماعات شبابية متفرقة بات همها الأول إنتاج أعمال للنهوض بالسينما وبدأوا يسردون قصصهم، ونأمل أن تنقشع تلك السحابة الداكنة من سماء السودان ونستعيد مؤسساتنا الثقافية، وينشأ هذا التعاون مع الدول العربية، خاصة مصر فهي الأقرب لنا ثقافة وتعاونًا، فمصر فتحت المعهد العالي للسينما لعدد من الشباب الذين تركوا بصمتهم في العمل الشبابي للسودان والإنتاج المشترك مهم، مثلما فتح الباب لتبادل الخبرات أمر في غاية الأهمية".
واقع مؤلم
يتمنى المخرج صهيب الباري، الحائز على جائزة مجلة "فارايتي" الأمريكية كأفضل موهبة عربية في 2019، التوفيق لكل المخرجين والمبدعين، لكنه أكد لموقع "القاهرة الإخبارية" أنه يتمنى أن يتسم السينمائيون والموزعون والصحافة السينمائية بالمسؤولية والحساسية كي لا تكون مآسي الناس ومعاناتهم محض موضوعات أفلام، وألا يحال الواقع المؤلم لملايين السودانيين إلى أداة للترويج والدعاية.
خطوات مُعطلة
يؤكد الناقد المصري أحمد شوقي لموقع "القاهرة الإخبارية" أنه لا يوجد ما يسمى بالسينما السودانية، بل هناك أفلام سودانية يصنعها المقيمون خارج السودان ويعبّروا من خلالها عن حياتهم ووطنهم.
ويضيف: "خطوات النهضة بالسينما السودانية متعطلة بسبب الواقع السياسي ومن المتوقع أن يكون هناك تعطيل أكبر، لكن هذا لن يمنع المبدعين السودانيين أن يكافحوا للوجود في المحافل الدولية بأعمالهم، وأعتقد أننا سنرى كل عام فيلمًا جديدًا لأن هناك شبابًا موهوبًا يريد التعبير عن أوضاعه".