"من رحم المعاناة يولد الأمل".. هذا ما ينطبق على وضع السينما السودانية حاليًّا، فأجيال الفن المختلفة تعافر من أجل إبقاء قصصهم وفَنهم عاليًا، رغم الظروف الصعبة والأحوال الاقتصادية المتعثرة في السودان، لينجح جيل جديد من صُنّاع السينما في السودان في تحدي الظروف، وتقديم أكثر من تجربة فنية ساطعة في سماء المهرجانات الدولية، تحصد إشادات وجوائز وتنقل حكايات السودان إلى الجمهور بمختلف أنواعه.
تحقق ذلك مع أفلام "ستموت في العشرين، الحديث عن الأشجار، الست"، ومؤخرًا فيلم "السد" الذي عرض ضمن فعاليات الدورة 44 لمهرجان القاهرة السينمائي التي انقضت قبل أيام، وحصد جائزة أفضل ممثل، ولكن ينقص تلك التجارب أن يشاهدها الجمهور السوداني.
احتياج للسينما بالسودان
يؤكد المخرج السوداني سليمان إبراهيم، لموقع "القاهرة الإخبارية": "جيلنا لا يزعم أن السينما تخطو على أيدينا، فجيلنا تخرج في السبعينيات من القرن الماضي، وواصلنا طريق آخرين في وحدة أفلام السودان، حتى جاء الثلاثون عامًا المظلم، التي أُغلقت فيها دور العرض السينمائي، وأصبحت لا توجد مشاهدة أو إنتاج للأعمال".
ويشير إلى أن القضية الأساسية التي يسعون إليها، هي فتح دور العرض السينمائية في السودان، إذ يقول: "كان لدينا 16 دار عرض، وبها نحو ألفي مقعد، وكُنّا نعرض كثيرًا من الأعمال السينمائية، وكانت ممارسة يومية ترفيهية، حيث تذهب الأسر للسينما ويستمتعون، ويصحب هذا نشاط ثقافي كبير، ولكن كل هذا توقف".
وتابع سليمان قائلًا: "إنتاج فيلم يعني عرضه في السينما، ولكن حتى الآن الأفلام السودانية التي أنتجت مثل الحديث عن الأشجار، والست، وغيرها لم تجد حظها مع الجمهور السوداني، فالأولوية بالنسبة لنا هي المشاهدة السينمائية".
ونوَّه: "المُلاحظ أن الأفلام السودانية التي نالت جوائز عالمية، يكون تمويلها غير سوداني، ونقول إنه من الرائع أن نفتش ونبحث عن إمكانية لإخراج أعمالنا، ولكن ينقصنا سينما حقيقية، وأن يكون للدولة دور في البنية التحتية، لأنه لا توجد استوديوهات لتنفيذ أفلام، وعليها أن ترعى فتح دور عرض سينمائية.
ويختتم سليمان إبراهيم حديثه قائلًا: "المخرجون يجاهدون حتى يقدموا أفلامًا، ويبحثون عن أي إمكانيات لإخراجها، ومشاركتها في محافل دولية، وهذا انتصار، سواء حصلوا على جوائز أم لا، ونأمل في أن ننجز المسألة الأهم، وهي أن تكون السينما حاضرة في السودان".
مستقبل السينما
رغم سعادة المخرج السوداني صهيب الباري، مخرج فيلم "الحديث عن الأشجار"، بفوز فيلم "السد" بجائزة أحسن ممثل في مهرجان القاهرة السينمائي، لكنه يرى أن الوضع السينمائي في السودان لا يزال صعبًا، إذ يقول لموقع "القاهرة الإخبارية": "الحديث عن مستقبل واضح للسينما السودانية، صعب في ظل الوضع السيئ والغامض في السودان حاليًا".
نهضة كبيرة
السودان مليء بالقصص والحكايات، لذلك انجذب المخرج اللبناني علي شري لأن يقدم للعالم قصة عامل بمصنع للطوب، جاب بها العالم، حيث شارك في مهرجان كان السينمائي، ومؤخرًا في مهرجان القاهرة السينمائي.
ويؤكد "شري" أن السينما السودانية تشهد نهضة كبيرة، فالمخرجون يعافرون لأن يصنعوا أفلامًا مهمة في ظروف إنتاجية صعبة، ويقول: "هناك نهضة واضحة، وأحببت أن أكون جزءًا مما يحدث حاليًا بالسودان".
وهو الأمر نفسه الذي يؤكده "ماهر" بطل فيلم "السد"، فعلى الرغم من أن هذه هي تجربته الأولى في السينما والوقوف أمام الكاميرا، فإنه يرى أن لديه مسؤولية كبيرة في نقل قصص السودان وحياة الناس إلى العالم، حيث يقول: "هناك معاناة واضحة لأن يخرج فيلم إلى النور، فظروف التصوير في السودان صعبة، ولا توجد ستوديوهات، ولكن أحببت التمثيل، وسأكمل المشوار في هذا الطريق، وسأحاول أن أكون جزءًا، ولو صغيرًا من نهضة السينما السودانية".