"قررنا الدفاع عن السلام ووضع حد لنظام بونجو".. بهذه العبارة خرج مجموعة من العسكريين تضم أكثر من 10 ضباط على التلفزيون الوطني بالجابون، صباح 30 أغسطس 2023، بعد ساعات قليلة من فوز الرئيس علي بونجو، بولاية ثالثة بنسبة تزيد على 64% من الأصوات، لإعلان إلغاء نتائج الانتخابات الرئاسية التي انطلقت في 26 أغسطس الجاري، وحل جميع مؤسسات الدولة والإطاحة بنظام "آل بونجو"، الذي سيطر على الدولة الواقعة بوسط إفريقيا أكثر من نصف قرن، ومساء اليوم ذاته، تم تعيين الجنرال برايس كلوتير أوليجي نجيما، رئيسًا للمجلس الانتقالي في الجابون، وإعلان حظر التجوال بالبلاد وإغلاق جميع الحدود حتى إشعار آخر، الأمر الذي أثار ردود فعل واسعة على الصعيدين الإقليمي والدولي، محذرة من مخاطر عمليات الاستيلاء على السلطة بدول وسط وغرب إفريقيا.
توقيت الأزمة
وتأتي أحداث الجابون الدولة الواقعة وسط غرب إفريقيا، بالتزامن مع جملة من التطورات، يمكن إبرازها على النحو التالي:
(*) الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في الجابون: إن عملية الاستيلاء على السلطة في ليبرفيل، جاء بعد ساعات قليلة من إعلان المركز الانتخابي بالجابون عن فوز الرئيس علي بونجو أونديمبا، البالغ من العمر 64 عامًا ويحكم البلاد منذ 2009 بولاية ثالثة بنسبة 64.27% من الأصوات، بينما حصل منافسه مرشح المعارضة "ألبرت أوندو أوسا" على 30.77% من الأصوات بهذه الانتخابات التي تنافس عليها 19 مرشحًا بينهم امرأتان، وبدأت الحملة الانتخابية الرئاسية، 11 أغسطس الجاري، بينما حملة الانتخابات التشريعية، 16 من الشهر نفسه، وانطلق الماراثون الرئاسي والبرلماني بالجابون، 26 أغسطس الجاري، إذ توجه 850 ألف مواطن جابوني لصناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم، التي أسفرت عن فوز "بونجو" وسط دعم من أنصاره ورفض عارم من قبل قوى المعارضة التي اتهمته بـ"تزوير ممنهج" للانتخابات، ولذلك أعلن المتحدث باسم الحكومة الجابونية، 27 أغسطس الجاري، قطع الإنترنت وفرض حظر تجوال ليلي جراء مخاوف أمنية عقب الإعلان عن نتائج الانتخابات.
(*) الاحتفاء بالعيد الوطني للجابون: سبق عملية الإطاحة بنظام "بونجو"، احتفال الدولة الواقعة غرب وسط إفريقيا، 17 أغسطس الجاري، بالعيد الوطني الذي يوافق الذكرى الـ63 لاستقلال البلاد وانتهاء الاستعمار الفرنسي، وخلال عملية الاحتفال شددت القوات بالجابون من استعداداتهم الأمنية بجميع أنحاء البلاد، خاصة أن الاحتفال بالعيد الوطني هذه المرة اكتسب مكانة خاصة، إذ جاء قبل أيام قليلة من انطلاق مارثون الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، فقد هنأت دول عدة "بونجو" بذكرى الاستقلال، مُعربة عن تطلعها لتعزيز علاقات التعاون مع الجابون من أبرزهم المغرب، واللافت للنظر أن ذكرى العيد الوطني لم يلق أي احتفالات شعبية داخل البلاد على عكس المعتاد.
(*) الإطاحة برئيس النيجر: تأتي أحداث "الجابون" بعد قرابة شهر على عملية الإطاحة برئيس النيجر محمد بازوم، 26 يوليو الماضي، واستيلاء مجلس انتقالي على السلطة، وأثارت الأحداث بالنيجر ردود فعل عارمة إذ رفضتها عدة دول ومنظمات إقليمية ودولية، مطالبة المجلس الانتقالي بإعادة النظام الدستوري والإفراج عن "بازوم".
كما هددت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا "الإيكواس" بالتدخل العسكري في النيجر، حال لم يتراجع قادة المجلس الانتقالي عن عملية الإطاحة برئيس البلاد، وعليه، فإن عملية الاستيلاء على السلطة في الجابون تعد (الثامنة) في وسط وغرب إفريقيا منذ عام 2020، إذ جرت محاولات تنحية الرؤساء في (النيجر، مالي، بوركينا فاسو، وغينيا بيساو).
(*) فشل محاولة عزل الرئيس "بونجو" عام 2019: إن عملية الإطاحة برئيس الجابون لم تكن الأولى، إذ وقعت محاولة أخرى فاشلة في 7 يناير 2019، نفذها مجموعة من العسكريين، استغلوا وقتها غياب "بونجو" وسفره للعلاج بالخارج بعد إصابته بـ"جلطة دماغية" في 2018، غاب على إثرها عدة أشهر عن الظهور، وبينما كان "بونجو" يقضي فترة نقاهة في المغرب، حاولت المجموعة الاستيلاء على السلطة لرؤيتهم أن "بونجو" بات غير قادر على إدارة البلاد، لكن تم التصدي لهذه المحاولة التي تعد الأولى بتاريخ الجابون، وأعلن جي بيرتران مابانجو، المتحدث باسم الحكومة الجابونية وقتها، في بيان استعادة السيطرة على البلاد، وإحباط مساعي مجموعة من "المتمردين" للاستيلاء على السلطة وتوقيف قائد المجموعة التي كانت وراءها، وانتشار قوات الأمن بالعاصمة ليبرفيل.
أسباب الأزمة:
وفي ضوء التطورات سالفة الذكر، يمكن القول إن الأسباب التي دفعت للإطاحة بنظام الرئيس "بونجو" يرجع إلى جملة من الأسباب، يمكن إيضاحها كما يلي:
(&) اتساع دائرة رفض قوة المعارضة لشخصنة السلطة: إن إصرار الرئيس "بونجو" على خوض مارثون الانتخابات الرئاسية هذا العام يعد من أبرز الدوافع للإطاحة به، إذ تم تحذيره من الترشح ومع تشكيك الأصوات باحتمالية خوضه للسباق الانتخابي من عدمه، فقد خرج "بونجو" مطلع يوليو الماضي، لتأكيد ترشحه، وهو الأمر الذي أثار رفضًا عارمًا واحتجاجات من قبل قوى المعارضة التي اعتبرت أن ذلك يأتي في إطار ما أطلقوا عليه "شخصنة السلطة" أو "سلطة السلالة"، إذ إن والده الرئيس السابق "عمر بونجو" قد حكم الجابون لمدة 42 عامًا منذ (1967- 2009)، وبعدها تولى نجله "علي بونجو" حكم البلاد.
وفي كل مرة كان يخوض السباق الرئاسي كانت البلاد تشهد احتجاجات ولكن يتم قمعها، ففي انتخابات أغسطس 2016، فاز "بونجو" بولاية ثانية بنسبة 49.80% من الأصوات، ووقتها احتجت المعارضة الجابونية واتهموا بونجو بتزوير الانتخابات وخرجت مظاهرات بالبلاد ولكن تصدت لها قوات الأمن، وفاز "بونجو" في انتخابات أغسطس 2009 بنسبة 41.79 % من الأصوات ليحكم البلاد، ووقتها اشتعلت موجة من الغضب وقام المحتجين بإشعال النيران في مبنى القنصلية الفرنسية ومكتب شركة النفط الفرنسية "توتال"، متهمين فرنسا بالمساعدة في التلاعب بالانتخابات، نظرًا لأن "عائلة بونجو" حليف فرنسا بوسط إفريقيا.
(&) غياب عملية الشفافية في الانتخابات الرئاسية: إن الأسباب التي عجلت بعملة الإطاحة بالرئيس بونجو، بعد الإعلان مباشرة عن نتيجة الانتخابات، هو ضعف عملية الرقابة على الانتخابات الرئاسية 2023، جراء منع وسائل الإعلام الأجنبية والمراقبين الإفريقيين والأوروبيين من تغطية العملية الانتخابية، وكانت هذه المرة الأولى بتاريخ الجابون التي يتغيب فيها مراقبو الانتخابات الدوليين، ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل قطعت الحكومة الجابونية جميع خدمات الإنترنت عن البلاد وفرضت حظر التجوال إبان عملية الاقتراع، وهو ما دفع قوى المعارضة للتشكيك في مصداقية عملية التصويت وطالبوا "بونجو" و"الحزب الديمقراطي التقدمي" الحاكم، بالاعتراف بالهزيمة ونقل السلطة، وقبل اتجاه النظام لقمع المعارضين كما يحدث دومًا، خرج العسكريون وأعلنوا وضع "بونجو" قيد الإقامة الجبرية وإلغاء نتيجة الانتخابات.
(&) إقرار برلمان الجابون تغييرات قانونية ودستورية: أقر برلمان الجابون في أبريل الماضي أي قبل أربعة أشهر من انطلاق عملية الانتخابات الرئاسية، عدة تعديلات دستورية، بموجبها تم "تقليص ولاية الرئيس من 7 إلى 5 سنوات، وإنهاء العمل بجولتي التصويت، وضرورة اختيار المرشح الرئاسي أو البرلماني من الحزب السياسي الحاكم" (الحزب الديمقراطي الجابوني (الحاكم) يتمتع بأغلبية كبيرة بمجلسي الشيوخ والنواب)، وهذه التغييرات قوبلت برفض عارم من قبل قوى المعارضة التي اعتبرتها وسيلة لتسهيل عملية "إعادة انتخاب الرئيس بونجو"، لرؤيتهم أن التعديل الخاص باختيار المرشح من الحزب سينجم عنه أزمة كبيرة إذ كان الفائز النهائي شخص غير مرشح من الحزب الحاكم، فضلًا عن تسهيل عملية تزوير الانتخابات مرة واحدة بعد اقتصار عملية التصويت على جولة واحدة، إضافة إلى أن تقليص ولاية الرئيس لن يغير من استمرار "بونجو" في حكم البلاد، نظرًا لأنه في 2003، تم إجراء تعديل بالدستور، نص على "إلغاء القيود المفروضة على فترات الولاية بمعنى عدم وجود حد أقصى لعدد فترات الرئاسة"، وهذا التعديل كان لضمان بقاء "بونجو" في منصب الرئيس مدى الحياة.
(&) استشراء فساد السلطة الحاكمة: رغم أن الجابون من الدول الإفريقية الغنية بالمنجنيز والثروات النفطية، فهي عضو بمنظمة "أوبك" كما أنها تنتج يوميًا 181 ألف برميل من النفط، وتعد من أكثر دول القارة الإفريقية ثراءً، فوفقًا لبيانات صادرة عن البنك الدولي عام 2022، فإن "حجم الناتج الإجمالي المحلي للفرد الواحد بالجابون يبلغ 8.820 دولار، وعدد سكانها نحو 2.3 مليون نسمة ويعيش فرد واحد من أصل كل ثلاثة تحت خط الفقر" ، ويرجع ذلك لفشل سلطات ليبرفيل في تنويع مصادر الدخل الذي يعتمد بشكل رئيسي على المحروقات، فضلًا عن استشراء فساد "عائلة بونجو" وقيام النظام الحاكم بالحصول على عائدات النفط بدلًا من إنفاقها على الفقراء، وهو السبب الذي ذكره المجلس الانتقالي خلال بيانه على التلفزيون الوطني، إذ اتهم تسعة من أبناء "بونجو" في 2010، بالكسب غير المشروع لشرائهم عقارات في فرنسا بأموال عامة قيل إنها مختلسة من الجابون، إضافة إلى أن المجلس اعتقل مساء 30 أغسطس الجاري، "نور الدين بونجو" نجل الرئيس، ومجموعة من الموظفين بمؤسسات الدولة، بتهم متعلقة بالخيانة والفساد وتزوير توقيع الرئيس، وشددوا على ضرورة فتح تحقيق واسع في هذه القضايا.
ردود الفعل
إضافة لما تقدم، فإن عملية الإطاحة بالرئيس "بونجو" قد نجم عنها ردود فعل على المستويات كافة، كما يلي:
(#) على الصعيد المحلي: فور إعلان السلطة الانتقالية بالجابون عن الإطاحة بنظام الرئيس "بونجو" خرجت مظاهرات عارمة إلى الشوارع للترحيب بهذا القرار، وحمل المواطنين الذي انتشروا بمختلف مناطق الجابون بأعلام البلاد والصور المؤيدة للمجلس الانتقالي، وإلقاء التحية للعربات العسكرية المنتشرة بشوارع البلاد، كما قاموا بتمزيق وتشويه صور الرئيس "بونجو" الموجودة بشوارع العاصمة ليبرفيل، وفقًا لمقاطع الفيديو التي نُشرت على منصات التواصل الاجتماعي، وعلى الجانب الآخر، خرج الرئيس علي بونجو في فيديو، قال فيه إنه قيد الإقامة الجبرية مع أسرته، وطالب حلفاءه بدعمه والاعتراض على ما يحدث داخل البلاد ومواجهة من قاموا باعتقاله.
(#) على الصعيد الإفريقي: تعددت ردود الفعل الإفريقية على أحداث الجابون، إذ أكد رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي موسى فقيه، بأن ما حدث بالجابون يعد "انتهاكًا صارخ للقانون وسياسة الاتحاد الإفريقي" ومطالبًا بضرورة إعادة النظام الدستوري، كما قرر مجلس السلم والأمن الإفريقي التابع للاتحاد الإفريقي، عقد اجتماع طارئ، لبحث الأوضاع في الجابون، 31 أغسطس، نددت المجموعة الاقتصادية لدول وسط إفريقيا "إيكاس"، بالاستيلاء على السلطة بالقوة لحل الخلافات السياسية بالجابون، مطالبة بـ"عودة النظام الدستوري سريعًا" للدولة الواقعة وسط إفريقيا، كما أعرب عدد من دول القارة الإفريقية، أبرزهم مصر ونيجيريا، عن قلقهم لما يحدث بالجابون، إذ دعت الخارجية المصرية في بيان لها "جميع الأطراف بالجابون لإعلاء المصلحة الوطنية حفاظًا على أمن واستقرار وسلامة البلاد، وطالبت أعضاء الجالية المصرية بالجابون بتوخي أقصى درجات الحيطة والحذر، وتجنب مناطق التوتر الأمني".
(#) على الصعيدين الأوروبي والأمريكي: جاء أول رد من قبل المنسق الأعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، الذي أكد أن "تطورات الأوضاع بالجابون ستؤدي إلى مزيد من عدم الاستقرار بغرب إفريقيا وتمثل مشكلة كبيرة لأوروبا"، ومعلنًا في الوقت ذاته عن عدم وجود خطة لإجلاء مواطني الاتحاد الأوروبي من الجابون.
ومن جهتها، دعت واشنطن رعاياها بالجابون لمغادرة البلاد في أقرب وقت ممكن بسبب التحديات الأمنية، كما أن الرئيس الأمريكي "جو بايدن" أدان الإطاحة ببونجو، لكنه في الوقت ذاته أكد دعم بلاده لشعب الجابون، ودعت منظمة الأمم المتحدة، الأطراف بالدولة الإفريقية لضبط النفس والانخراط في محادثات لحل الأزمة، وجاء الموقف الفرنسي متحفظ، إذ كشف أوليفييه فيران، المتحدث باسم الحكومة الفرنسية، عن رفض بلاده لما يحدث بالجابون، وتدعو لضرورة احترام نتيجة الانتخابات، كما أعلنت شركة التعدين الفرنسية "إراميت" (تعمل بمجال إنتاج المنجنيز في الجابون) تعليق جميع عملياتها هناك، لكنها أعلنت في اليوم التالي 31 أغسطس، الاستئناف التدريجي لأنشطتها بالجابون، بدءًا من 1 سبتمبر 2023.
(#) الموقفان الروسي والصيني: أفادت ماريا زاخاروفا، المتحدثة باسم الخارجية الروسية، بمراقبة بلادها لما يحدث داخل الجابون وتتطلع لاستقرار الأوضاع هناك في أقرب وقت، فضلًا عن دعوة وانج ون بين، المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، "الأطراف بالجابون لحل الخلافات سلميًا عبر الحوار، واستعادة النظام في أقرب وقت ممكن وضمان أمن الرئيس "بونجو".
تداعيات محتملة
بالإضافة إلى ما تقدم، يمكن القول إن الأحداث التي شهدتها الجابون في حال تفاقمها سينجم عنها جملة من التداعيات، من بينها الآتي:
(1) التأثير على سوق الطاقة العالمية: إن الأحداث التي تشهدها الجابون ستلقي بظلالها على الصعيد العالمي، خاصة أن العالم يحاول في الوقت الراهن تكثيف جهوده من أجل مواجهة الاضطراب في سوق النفط العالمية الناجم عن الحرب الروسية الأوكرانية التي لم تضع أوزارها، وعليه، فإن الجابون كما ذكرنا سلفًا، عضو بـ"أوبك" ومن أهم الدول المنتجة للنفط بين خمس دول في إفريقيا جنوب الصحراء وتعرف بأنها "عملاق النفط الإفريقي"، فإنه من المتوقع أن يتأثر سوق النفط بأي أزمات أو اضطرابات في الدول المنتجة للنفط، وهو ما سيلقي بظلاله على معدلات الإنتاج بهذا البلد وأيضًا الأسعار، وعليه، فإن ثمة تداعيات اقتصادية ستنجم عن أزمة الجابون في حال تطورت الأوضاع بهذا البلد الغني بالثروات النفطية.
(2) مخاطر على دول وسط إفريقيا: عقب عملية الاستيلاء على السلطة بالجابون، ومن قبلها النيجر، فقد أثار ذلك تخوفات عدة داخل بلدان القارة الإفريقية خاصة الواقعة بالوسط والغرب، إذ إن هناك تكهنات بتمدد عملية الإطاحة بالرؤساء لدول أخرى بوسط إفريقيا (الكاميرون، تشاد، إفريقيا الوسطى، الكونغو الديمقراطية، وغينيا الاستوائية)، خاصة تلك التي تعاني من عملية الجمود السياسي ومتأخرة في عمليات التحول الديمقراطي، والهشاشة السياسية والأمنية وتراجع بأوضاعها الاقتصادية، وعليه، فإن أي محاولة للتمرد على السلطة في أي من هذه البلدان خلال الفترة المقبلة، سيؤدي إلى تفاقم أوضاع عدم الاستقرار بالقارة وهو ما قد يسهم في جعلها "بيئة خصبة" للجماعات الإرهابية.
(3) مأزق للنفوذ الفرنسي داخل إفريقيا: تعد فرنسا من أبرز البلدان الأوروبية التي ستتأثر بأزمة الجابون، فرغم أن هذه الدولة الإفريقية استقلت عنها، إلا أن سنوات ما بعد استقلال أكدت بأن الجابون لا تزال تحت السيطرة الفرنسية، ضمن سياسية Francafrique"" "إفريقيا الفرنسية"، التي نجم عنها ترسيخ "نظام حكم عائلي" تتحكم فيه ويدين بالولاء لها، فقد كان هناك مقولة للرئيس السابق "عمر بونجو" يقول فيها: "للجابونيين وطنًا هو الجابون، وصديقًا هو فرنسا"، فضلًا عن وجود عدد من الشركات الفرنسية العاملة بمختلف المجالات، وقد كشفت بعض وسائل الإعلام الإفريقية، بأن باريس تحصل على 25% من ثروات الجابون، إضافة لوجود قاعدة عسكرية فرنسية داخل الدولة الإفريقية "معسكر ديجول" تضم ما بين (400 - 500 جندي)، وعليه فقد تؤثر أحداث الجابون على الوجود الفرنسي داخل مختلف بلدان القارة الإفريقية خاصة بعدما خسرت حليفها في النيجر، وقبلها مالي.
(4) فرصة للتمدد الروسي والصيني بإفريقيا: أحداث الجابون والنيجر، تكشف بأن الدول الواقعة غرب ووسط إفريقيا، قد سئمت من الإنهاء الشكلي للاستعمار الفرنسي، ومحاولات باريس العودة بأي وسيلة لدول القارة سواء عن طريق التواجد العسكري أو الاقتصادي، ولذلك بدأت بلدان القارة السمراء تتصدى لهذه المحاولات الفرنسية، ولكنها في الوقت ذاته، تبدي انفتاحها على التوسع الروسي كما شهدنا في أحداث النيجر، إذ خرجت مظاهرات مؤيدة ورافعة للأعلام الروسية، ومن جهة، السماح بالتمدد الصيني كما هو الواقع بالجابون التي شهدت أخيرًا تصاعدًا لنفوذ الصين، فوفقًا لتقرير المجلة الأمريكية المتخصصة بشؤون منطقة آسيا والمحيط الهادئ "The Diplomat" في 24 أبريل الماضي، تعد الصين أكبر شريك تجاري للجابون، إذ صدرت لها سلعًا بقيمة 4 مليارات دولار في عام 2022، كما تبلغ حصة النفط التي تصدرها الجابون للصين 60.8%، فضلًا عن النشاط الزراعي لبعض الشركات الصينية بالجابون.
تأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن الأوضاع التي شهدتها الجابون الواقعة وسط إفريقيا ستلقي بظلالها على مختلف بلدان العالم، إذ تسعى بعض الدول خاصة التي لديها مصالح داخل الجابون بتكثيف جهودها من أجل احتواء هذه الأزمة، إما بإعادة "بونجو" إلى السلطة وهو أمر مستبعد إلى حد ما جراء الرفض الشعبي العارم، أو القبول بالوضع الراهن وتعزيز التعاون مع النظام الجديد بالجابون، الذي قد يتجه خلال الفترة المقبلة إلى الإعلان عن حكومة جديدة على غرار ما حدث بالنيجر، لتثبيت شرعيته بالبلاد، أو الدعوة لانتخابات جديدة. إضافة لذلك، فقد تدفع أحداث الجابون، المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا "الإيكواس" للتأني في التعامل مع أزمة النيجر وعدم التسرع في اللجوء للخيار العسكري.