لا زالت الأحداث الدائرة في النيجر الدولة الواقعة غرب إفريقيا، تلقي بظلالها على دول منطقة الساحل خاصة بعد فشل القوى والمنظمات الإقليمية والدولية حتى الآن في وضع حد لهذه الأزمة ودفع المجلس العسكري في النيجر للتراجع وإعادة الرئيس "محمد بازوم" إلى السلطة؛ وهو ما ساهم في وجود ارتدادات باتت تظهر في الدول المجاورة للنيجر، يأتي على رأسها "تشاد" الجارة الشرقية للنيجر، إذ نلحظ وجود نشاط في الوقت الراهن تشنه جماعات المعارضة التشادية المتمردة خاصة جبهة التغيير والوفاق المعروفة اختصارًا بـ"فاكت" على الجيش التشادي.
وتجدر الإشارة أن تشاد كانت من أوائل الدول الإفريقية التي عارضت بشدة إعلان المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا "الإيكواس" عن مساعيها للتدخل عسكريا في النيجر إذ فشلت الحلول الدبلوماسية، ويعد السبب الرئيس في ذلك، هو تخوف السلطة الحاكمة في إنجامينا من استغلال المعارضة التشادية المسلحة لهذه الأزمة باستهداف البلاد، خاصة "فاكت" التي يقودها "مهدي على محمد" والتي قادت تمردًا مطلع أبريل 2021، ومتواجدة بشمال البلاد وتحديدًا بالقرب من الحدود الليبية.
وفي ضوء ذلك، يمكن التطرق إلى التحركات وردود الفعل التشادية حول أزمة النيجر سواء من خلال الجماعات المعارضة أو من السلطة الحاكمة بقيادة الرئيس التشادي "محمد إدريس ديبي"، ثم إيضاح تأثير استمرار أزمة النيجر على الأوضاع في إنجامينا.
تحركات تشادية
شهدت تشاد بعد أيام قليلة من اندلاع أزمة النيجر في 26 يوليو الماضي بقيام مجموعة من المجلس العسكري في النيجر بالإطاحة برئيس البلاد "محمد بازوم"، عدة تحركات سواء من قبل السلطة أو المعارضة المسلحة، يمكن إيضاحها على النحو التالي:
(*) وساطة السلطة التشادية لحل أزمة النيجر: انطلق أول تحرك من قبل إنجامينا في 30 يوليو الماضي أي بعد أربعة أيام من اندلاع أزمة النيجر، في محاولة للتوصل لإيجاد مخرج لهذه الأزمة، حيث توجه رئيس تشاد "محمد إدريس ديبي" (تولي مهام رئيس الجمهورية في أبريل 2021 بعد مقتل والده "إدريس ديبي" على يد حركة "فاكت") إلى العاصمة نيامي والتقي برئيس المجلس العسكري بالنيجر "تشياني" وبعض قادة المجلس العسكري ورئيس النيجر "محمد بازوم"، ورغم عدم الإفصاح عن فحوي محادثات "ديبي" في النيجر، إلا أن وزير الإعلام التشادي "عزيز محمد صالح"، قال، إنها "مبادرة تشادية، والرئيس "ديبي" ليس لديه تفويض خاص من المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا"، وفي هذا الإطار، فإن توجه الرئيس التشادي إلى النيجر بعد إعلان "الإيكواس" فرض عقوبات اقتصادية على نيامي، يعكس رغبة ملحة للسلطة التشادية في محاولة احتواء الأوضاع بالنيجر وعدم تفاقمها، إذ لا تحتمل إنجامينا أي تدهور جديد بالدول المجاورة، خاصة مع استمرار الحرب السودانية وانعدام الاستقرار بالأراضي الليبية.
(*) استهداف قوات الجيش التشادي بشمال البلاد: مع استمرار تأزم الأزمة في النيجر، بدأت الجماعات والفصائل التشادية المسلحة استغلال ذلك، في محاولة منها لإحداث فراغ أمني بمنطقة الساحل لتحقيق أهدافها بالسيطرة على البلاد ومواردها، ورغم قرار وقف إطلاق النار المعلن في 2021، فإن فصيلا مسلحا يدعى "مجلس القيادة العسكرية لإنقاذ الجمهورية" (جماعة متمردة تشادية)، نصب كمين في 10 أغسطس الجاري، لقوات الجيش التشادي المتمركزة في منطقة كوري بوغدي الواقعة على الحدود بين تشاد وليبيا والغنية بالمعادن وخاصة مناجم الذهب، وأفادت الجماعة المسلحة في بيان على صفحتها بموقع "فيسبوك" أن هذا الهجوم نجم عنه إلحاق خسائر في الأرواح والعتاد بالقوات التشادية.
(*) إعلان "فاكت" إلغاء قرار وقف إطلاق النار: يبدو أن جبهة التغيير والوفاق "فاكت" التي قادت تمردًا ضد السلطة التشادية في أبريل 2021 وتتخذ من جنوب ليبيا موطئ قدم لها مستغلة عدم استقرار الأوضاع بهذه المنطقة؛ أدركت أن هذا هو الوقت المناسب كي تحاول الظهور مجددًا على الساحة، خاصة أنها من حركات المعارضة المسلحة التي رفضت المشاركة في "الحوار الوطني الشامل" الذي دعا إليه الرئيس "محمد إدريس ديبي"، وعقد في 20 أغسطس 2022، ونص على ضرورة التزام جماعات المعارضة المدنية والمسلحة بما جاء في الحوار الذي استضافته العاصمة القطرية الدوحة في 8 أغسطس 2022، والذي بموجبه تم التوصل لقرار وقف إطلاق النار، ونص على "عدم شن المجلس العسكري التشادي أي عمل عسكري ضد الحركات التي وقعت على الاتفاق والعفو عن الجماعات المتمردة خارج البلاد بل وتأمين عودتهم للبلاد إذ أردوا".
وفي ضوء ذلك، فقد قصف الجيش التشادي في 20 أغسطس الجاري، مواقع لـ"فاكت" داخل الأراضي الليبية نجم عنه مقتل 4 من مسلحيها فضلًا عن تدمير عدد من مخازن الأسلحة التابعة لها، وهو ما دفع "فاكت" لإعلان إلغاء وقف إطلاق النار، قائلة في بيان لها، "أعلن المجلس العسكري الحاكم.. لتوه الحرب علينا، لذلك، تعلن الجبهة إنهاء وقف إطلاق النار من جانب واحد الذي أعلنته في أبريل 2021 وتؤكد للمجلس العسكري أن رد فعلها سيكون سريعًا وغير مقيد".
تأثيرات محتملة
في ضوء التحركات سالفة الذكر، يمكن القول إن عجز الدول والمنظمات الإقليمية والدولية حتى الآن في التوصل لحل لأزمة النيجر، سينجم عنه جملة من التداعيات بالدول المجاورة للنيجر وخاصة تشاد، يمكن توضيحها كما يلي:
(&) تصاعد القتال بين الجيش التشادي والجماعات المسلحة: من المتوقع أن تشهد الفترة القادمة عودة لأعمال القتال بين القوات التشادية وجماعات المعارضة المسلحة خاصة التابعة لـ"فاكت" وهو ما أكدته هذه الجماعة في بيانها، ويرجع ذلك لرفضها سيطرة نجل الرئيس التشادي السابق على السلطة في البلاد، وعليه، فإنها قد تتخذ من أحداث النيجر ذريعة كي تشن هجمات إرهابية تمكنها من توسيع نفوذها على الحدود الليبية التشادية في ظل انشغال دول القارة الإفريقية بمحاولة إيجاد حل للأزمة الدائرة في النيجر، خاصة أن "فاكت" ترفض إعلان رئيس تشاد "محمد إدريس ديبي" بتمديد الفترة الانتقالية وإرجاء الانتخابات الرئاسية في البلاد لمدة عامين، بحيث يتم انعقادها في أكتوبر 2023، مع منح الفرصة لـ"ديبي" الذي يتولى أيضًا منصب قائد القوات المسلحة، للترشح لانتخابات الرئاسة إبان إجراؤها، وهو الأمر الذي قد يدفع مسلحي "فاكت" لمحاولة اغتيال رئيس تشاد الحالي كما فعلوا في السابق مع والده، وهذه قد تكون محاولة من قبل تلك الجماعة، لدفع "إدريس ديبي" لإجراء محادثات سلام معها والإعفاء عن سجنائها.
(&) تحالف المعارضة التشادية مع التنظيمات الإرهابية: قد تستغل الفصائل المسلحة في تشاد، أوضاع عدم الاستقرار والاضطراب التي تشهدها دول غرب إفريقيا، وتلميح "الإيكواس" بالتدخل العسكري في نيامي، لإعادة تنظيم صفوفها وذلك بالتعاون مع تنظيمات إرهابية سواء تابعة لـتنظيم "داعش" أو "القاعدة"، وحركات انفصالية مسلحة أخرى تمكنها من مواجهة القوات التشادية، وهو ما قد يؤدي إلى زيادة الأعمال الإرهابية بدول غرب إفريقيا الغنية بالثروات والمعادن، وفي الوقت ذاته، قد تؤدي ذلك لارتفاع القتال بين التنظيمات الإرهابية والقوات التشادية إلى زيادة عمليات الهجرة واللجوء وهو ما سيؤثر بلا شك على الدول المجاورة التي تعاني في الأساس من اقتصادات متدهورة.
(&) اتجاه فرنسي نحو الأراضي التشادية: إن شن المعارضة التشادية أعمال قتالية ضد الجيش التشادي أو تحالفها مع تنظيمات إرهابية؛ سيضع السلطة الحاكمة في إنجامينا أمام مأزق شديد، يدفعها إما لإعادة التفاوض مع هذه الجماعات، أو بالسماح لقوى خارجية بالتدخل لمساندتهم ودعمها لمواجهة هذه التنظيمات الإرهابية، خاصة أن الفترة الأخيرة، برزت بعض التكهنات التي تفيد بأن فرنسا تسعى لنقل جنودها من النيجر إلى الأراضي التشادية، وذلك بعدما أعلن المجلس العسكري بالنيجر قطع العلاقات مع فرنسا ومطالبتهم بالخروج من البلاد.
تأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن تشاد ليس من مصلحتها تفاقم الأزمة في النيجر، لما لها من تداعيات سلبية عليها بل وعلى جميع الدول المجاورة لنيامي، وبشكل أخص الدول التي تشهد حالة من الصراع وعدم الاستقرار، مثل ليبيا، وعليه، فمن الضروري تكثيف جميع بلدن ومنظمات غرب إفريقيا لجهودها من أجل عدم تصاعد الأوضاع في النيجر، وتغليب "الدبلوماسية" كخيار رئيسي لحل أزمات القارة الإفريقية، وتكثيف تعاون قواتهم المسلحة من أجل التصدي للحركات الإرهابية التي تستغل الأزمات لتعزيز نفوذها.