تشكل المطربة اللبنانية فيروز، التي نحتفل اليوم بذكرى يوم ميلادها، رمزًا فنيًا خاصًا له ملامحه التي تنفرد بها، وتجربة فنية تمتد لأكثر من 70 عامًا، إذ بدأت الغناء وقت أن كانت طفلة لم تتجاوز الـ6 سنوات، إذ أسرها وقتها أصوات بعض المطربين العرب، ومنهم السيدة أم كلثوم وأسمهان وموسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب، الذين كانت تستمع لأصواتهم عبر جهاز مذياع "راديو" جيرانها وفي الطرقات، إذ لم تكن أسرة النجمة اللبنانية تمتلك هذا الجهاز.
انطلاقة فيروز الفنية الحقيقية، جاءت عام 1952 لتبهر جمهورها في لبنان بصوتها، لكن لم يدرك الكثير وقتها أن هذا الصوت سيصبح رمزًا لبنانيًا مؤثرًا في جيلها والأجيال المقبلة، إذ غنت فيروز للحب بمختلف أنواعه، وفي كل مرة تشدو فيها يجد المستمع العربي نفسه مأخوذًا إلى عالم آخر ترسمه حنجرة المطربة اللبنانية، فعندما تغني للوطن "بحبك يا لبنان يا وطني"، كلمات وألحان الأخوين رحباني، يجد المرء نفسه واقعًا في حب البلد العربي، لدرجة أن هذه الأغنية يجد فيها معظم المطربين والفنانين ضالتهم، عندما يريدون التعبير عن حبهم للبنان أو دعمهم له، مثلما فعلت المطربة لطيفة مؤخرًا عندما غنتها دعمًا لأهل البلد، عقب تفجيرات أغسطس 2020.
ويحفل سجل فيروز الغنائي، بالعديد من الأعمال التي تغنت فيها بحب بلدها، ومنها "وطني"، "ردني إلى بلادي"، "جسر العودة"، و"احكيلي"، وغيرها من الأغاني، وتخطت النجمة اللبنانية حدود بلدها، لتغني للعديد من الأوطان العربية ومنها مصر، إذ شدت بـ "مصر عادت شمسك الذهب"، لتأثر بها قلوب المصريين بشكل عام، وتستحوذ على قلوب أهل الإسكندرية بأغنية "شط إسكندرية"، وقدمت لسوريا أغنية "إلى دمشق"، ولم يكن لها أن تنسى القضية الفلسطينية إذ غنت "زهرة المدائن" لنسمعها مرارًا مع كل تطور في القضية الفلسطينية أو حدث مهم في القدس.
كما غنت للوطن والقضية الفلسطينية، قدمت "جارة القمر" أغنيات عاطفية مميزة، تستدعي دموع الفراق، في "أمس انتهينا"، "حبوا بعضن"، "بعدو الحبايب"، "كيفك أنت"، "بعدك على بالي"، و"أنا عندي حنين"، وتملأ الكون بهجة بأغاني "سهر الليالي"، وتعطي للحبيب أملًا بـ "عندي ثقة فيك"، و"بكرة وأنت جاي"، إذ أنها تفرض شخصيتها الغنائية على كل ما تقدمه؛ لنتقبل منها كل المشاعر، وتجدها رفيقتك في كل ما تمر به، وهو ما تحدث عنه الموسيقار اللبناني الراحل حليم الرومي واصفا صوتها بأنه غير محدود، وتتمتع بقدرة مذهلة على أداء مختلف ألوان الغناء.
وكما كانت أغانيها رمزًا لقضايا وطنية وعربية وأيضا نستدعيها إلى الذاكرة مع مشاعر الحب والفراق، نجد أنها الوحيدة في الوطن العربي التي جعلت صوتها يقفز إلى الأذهان مع قدوم كل فصل شتاء ولياليه الباردة، لتكون رمزًا لها أيضا ومنها "رجعت الشتوية"، "شتي يا دنيا"، "بليل وشتي"، و"حبيتك بالصيف حبيبتك بالشتا".
أذهل صوت فيروز الفريد العديد من الموسيقيين الكبار في الوطن العربي، لدرجة أن الموسيقار المصري محمد عبد الوهاب وصفها بالمعجزة اللبنانية، وشبه صوتها بخيوط الحرير، فيما قال عنها الشاعر نزار قباني إنها رسالة حب من كوكب آخر، وربما يفسر كل ذلك لماذا تعد فيروز حالة فنية خاصة وصوت لبنان الذي يعبر عن كل قضايا الوطن العربي، وصوت حب يعبر عن مشاعر المحبين.