الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

رؤية إفريقية.. قراءة في قمة دول جوار السودان

  • مشاركة :
post-title
قمة دول جوار السودان

القاهرة الإخبارية - نورا فايد

رحب مجلس السيادة السوداني وقوات الدعم السريع، بالمخرجات الناتجة عن قمة "دول جوار السودان" التي انطلقت أعمالها في العاصمة المصرية القاهرة في 13 يوليو 2023، ووجه طرفا الصراع بالسودان، شكرًا خاصًا إلى الدولة المصرية ورئيسها "عبد الفتاح السيسي" لاستضافة هذه القمة الهامة، الرامية لاستعادة الأمن والاستقرار بالأراضي السودانية ومساعدة الشعب السوداني لتجاوز هذه المحنة، كما وجها شكرًا خاصًا لدول الجوار لدعمها الهدف ذاته.

وفي هذا الإطار، فقد أفاد مجلس السيادة في بيان له، أن القوات المسلحة السودانية حريصة على العمل مع جميع الأطراف الساعية لوقف الحرب وإعادة الأمن إلى البلاد، ومستعدة أيضًا لوقف العمليات العسكرية بشكل فوري إذا توقفت قوات الدعم السريع عن مهاجمة الأحياء السكنية والمرافق الحكومية وقطع الطرق، وملتزمة بإقامة "حوار سياسي" فور توقف الحرب، يسهم في "تشكيل حكومة مدنية" تعمل على تهيئة البلاد لإجراء انتخابات يشارك بها جميع السودانيين، ومن جهة أخرى، فقد دعت "الدعم السريع" في بيانها، لتكامل جميع الجهود الإقليمية والدولية وتوحيد جميع المبادرات المطروحة لسرعة الوصول لحل شامل للأزمة السودانية، كما أكدت قوات الدعم استعدادها للتعامل مع جميع الفاعلين على الصعيدين الداخلي والخارجي لحل الأزمة واستعادة المسار المدني الديمقراطي لرفع المعاناة عن شعبنا.

وفي ضوء ذلك، سيسلط هذا التحليل الضوء على دلالات توقيت انعقاد هذه القمة، وقراءة أبرز مخرجات كلمات المشاركين بها على مستوى القادة الرؤساء ورؤساء الوزراء وقادة المنظمات الإفريقية والعربية، وردود الفعل حولها، وتوضيح تداعياتها على الأزمة السودانية، وذلك على النحو التالي:

توقيت القمة

تجدر الإشارة إلى أن فعاليات قمة دول جوار السودان، انطلقت بالعاصمة المصرية القاهرة، بحضور الرئيس عبد الفتاح السيسي، ظهر اليوم 13 يوليو 2023، وذلك في إطار الجهود التي تقودها الدولة المصرية منذ اندلاع الصراع بمناطق متفرقة بمختلف أنحاء السودان في أبريل الماضي، بين قوات الجيش السوداني والدعم السريع، والذي خلّف مئات القتلى وآلاف الجرحى؛ وهو ما دفع بعدد من الدول على الصعيدين الإقليمي والدولي لحث طرفي الصراع في السودان على التهدئة والحوار ووقف شامل ومستدام لإطلاق النار، وكانت مصر من أوائل الدول التي بذلت جهودًا عدة لحل هذه الأزمة منذ الساعات الأولى من انطلاقها، ركزت على الحوار مع دول المنطقة لصياغة موقف موحد لحل هذه الأزمة التي سيؤثر استمرارها بالسلب ليس فقط على مختلف دول القارة الإفريقية ولكن على العالم أجمع.

وتأتي استضافة مصر لقمة دول جوار السودان (مصر وليبيا وإريتريا وتشاد وجمهورية إفريقيا الوسطى وإثيوبيا وجنوب السودان)؛ من منطلق الرؤية المصرية الرامية إلى تعزيز التعاون مع دول الجوار بما يضمن الحد من التداعيات السلبية لاستمرار هذا النزاع على دول الجوار المُباشر للسودان، ووضع الآليات الفاعلة لحلحة الأزمة السودانية التي دخلت شهرها الثالث، بصورة سلمية بما يسهم في حقن دماء الشعب السوداني والحفاظ على الدولة السودانية ومقدراتها، وذلك بالتنسيق مع الجهود الإقليمية والدولية لتسوية تلك الأزمة، وفقًا لما أعلنته الرئاسة المصرية في بيان لها.

وتأتي هذه القمة بعد فشل جميع الجهود الإقليمية والدولية التي سبقتها لإقناع أطراف النزاع بوقف إطلاق النار وتسوية الأزمة، كما أنها جاءت بالتزامن مع تحذير منظمة الأمم المتحدة من أن السودان على وشك "حرب أهلية" يمكن أن تزعزع الأمن والاستقرار بالمنطقة برمتها.

أهداف القمة

(*) مستوى تمثيل المشاركين في قمة دول جوار السودان: من أبرز الملامح التي شهدتها تلك القمة التي انعقدت ليوم واحد، هو مستوى تمثيل المشاركين بها، نظرًا لكونها أقيمت على مستوى رؤساء جمهورية بلدان الجوار السوداني، وهو أعلى تمثيل للقمة التي ضمت، الرئيس المصري "عبد الفتاح السيسي"، الرئيس الإريتري "أسياس أفورقي"، ورئيس تشاد "محمد إدريس ديبي"، ورئيس جنوب السودان "سلفا كير" ورئيس المجلس الرئاسي الليبي "محمد المنفي"، ورئيس جمهورية إفريقيا الوسطى "فاوستين تواديرا"، ورئيس وزراء إثيوبيا "آبي أحمد"، هذا بالإضافة إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية "أحمد أبو الغيط"، ورئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي "موسى فقي محمد"، ومن ناحية أخرى، فإن السودان تشارك بهذه القمة من خلال وفد يترأسه، نائب رئيس مجلس السيادة السوداني "مالك عقار".

قمة دول جوار السودان

(*) رؤية مصرية لحل الأزمة السودانية: افتتح الرئيس "السيسي" هذه القمة، بإعلانه عن تصور لبلاده لخروج السودان من هذه الأزمة، وقد جاء ذلك في أربع نقاط رئيسية، الأولى، نصت على مطالبة طرفي الصراع بوقف أعمال التصعيد والبدء في إبرام مفاوضات جادة تهدف لوقف إطلاق النار، والثانية، بدعوة الأطراف السودانية لتسهيل دخول جميع المساعدات الإنسانية للشعب السوداني للتخفيف من وطأة هذه الأزمة وذلك بتدشين ممرات آمنة توفر الحماية اللازمة لقوافل المساعدات ولموظفي الإغاثة الدولية، والثالثة، ركزت على دعوة مختلف الأطراف السودانية لعقد حوار يضم مختلف القوى السياسية والمدنية، ويركز بشكل خاص على بدء عملية سياسية شاملة، يكن هدفها الرئيس تلبية تطلعات الشعب السوداني في حصوله على الأمن والاستقرار، أما النقطة الرابعة والأخيرة فقد ركزت على تشكيل "آلية اتصال" منبثقة عن هذا المؤتمر، يشارك أطرافها بشكل مباشر مع طرفي الأزمة، ويقوم عملها على وضع حل شامل للأزمة السودانية.

الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي" خلال كلمته بقمة دول جوار السودان

(*) التأثيرات الأمنية والاقتصادية للصراع السوداني: إن كلمات قادة دول الجوار السوداني بهذه القمة، سلطت الضوء على إبراز حجم التداعيات السلبية لاستمرار الأزمة السودانية خاصة على الصعيدين الأمني والاقتصادي والإنساني، وهو ما أكده الرئيس "السيسي" بالإعلان عن استضافة دول الجوار لمئات الآلاف من اللاجئين السودانيين التي شاركتها "مواردها المحدودة"، وتجدر الإشارة أنه من الناحية الاقتصادية، فإن تلك الأزمة أثرت على الغذاء والمحروقات، وعلى عملية التنمية الاقتصادية بمختلف الدول الإفريقية، ومن الناحية الأمنية، فقد ساهمت الاشتباكات السودانية في تزايد جرائم تجارة الأسلحة غير المشروعة، كما اعتبرتها بعض التنظيمات الإرهابية فرصة للتغلغل بدول القارة الإفريقية، مستغلة في الوقت ذاته، الأوضاع الاقتصادية والمعيشية السيئة للنازحين وتقم بتجنيدهم في صفوفها وهو ما يشكل خطرًا على الدول المستضيفة للاجئين.

ومن الناحية الإنسانية، فقد دفعت تلك الأزمة، السودانيين إلى اللجوء وترك بلاده، وهو ما شكل عبئًا على دول الجوار خاصة التي تعاني من أزمات اقتصادية، فوفقًا للإحصائيات الأخيرة الصادرة عن الأمم المتحدة، فقد تسبب النزاع السوداني في نزوح أكثر من 3 ملايين شخص، مشيرة إلى أن هذا العدد في تزايد مستمر، وفي ضوء ذلك، فقد أعلن رئيس جمهورية إفريقيا الوسطى، في كلمته أن بلاده منذ بدء الأزمة السودانية وحتى الوقت الحالي، استضافت 14 ألف لاجئ سوداني، كما أكد رئيس تشاد أن موجة اللجوء السودانية مثلت عبئًا ثقيلًا على موارد بلاده، وهذا الأمر دفع بعض رؤساء القادة في كلماتهم لحث الوكالات الإنسانية الإقليمية والدولية على استمرار تقديم الدعم للاجئين السودانيين، من أجل دعم دول الجوار التي تواجه الأعباء الإنسانية والأمنية الكبيرة للأزمة السودانية.

(*) رفض التدخلات الخارجية في الأزمة السودانية: شدد أبرز القادة المشاركين بهذه القمة في كلماتهم على رفض وجود أية تدخلات خارجية تعقد مسار الأزمة السودانية، وحثوا طرفي النزاع على عدم الوقوع فيما أسموه بـ "فخ التدخلات الخارجية"، وأكدوا أن حل الأزمة السودانية ينبغي أن يكون "سودانيًا خالصًا" دون أي تدخل خارجي، أي نابع من رغبة الشعب السوداني والدولة السودانية في حل سلمي لهذه الأزمة، وينبع هذا الرفض ما تسببت فيه التدخلات الخارجية في تعقيد عدد من الأزمات ووصولها إلى "طريق مسدود" سواء على الصعيدين الإقليمي والدولي، وتجدر الإشارة أن هذا الأمر لطالما أعلنت الحكومة السودانية رفضها له، مشددة على أنها ستعتبر أية قوات أجنبية في البلاد "قوات معتدية".

(*) استمرار التعاون بين دول الجوار لمساندة السودان: أكد رؤساء دول الجوار السوداني، على ضرورة تعزيز التعاون المشترك فيما بينهم لدعم الشعب السوداني من جهة، واستمرار حث طرفي النزاع في الأزمة على تنسيق الجهود فيما بينهم للتوصل لتسوية سياسية للأوضاع الجارية، بجانب تنسيق جهودهم مع المؤسسات الإقليمية ودول الجوار والعمل في "مسار اوحد"، يكن هدفه الرئيس التوصل بشكل عاجل للأزمة السودانية، وهو ما أكده الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، في كلمته، قائلا، "إن قمة دول جوار السودان المنعقد في القاهرة فرصة جيدة للعمل الجماعي بين دول جوار السودان لدعم الشعب السوداني"، كما أكد رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، أن المؤسسة الإفريقية مستعدة للقيام بدوره في التعاون مع دول الجوار لحل هذه الأزمة.

(*) دعم جهود السعودية في حل الأزمة السودانية: ركزت كلمات بعض قادة القمة على توجيه الشكر للمملكة العربية السعودية لدورها في حل الأزمة السودانية في الأيام الأولى لاندلاع النزاع، من خلال "مبادرة جدة" واستضافتها لطرفي الصراع، وإقناعهما بوقف إطلاق النار في البلاد، كما طالب الأمين العام لجامعة الدول العربية "أبو الغيط" في كلمته، قادة دول الجوار، بدعم "مسار جدة" الساعي لتحقيق شروط وقف النار الشامل والمستدام بما يسمح باستئناف العملية الانتقالية.

ردود الفعل

من الجدير بالذكر أن إعلان مصر عن استضافتها لقمة دول جوار السودان، قوبل بترحيب كبير على الصعيدين العربي والغربي، كالتالي:

(&) ترحيب سوادني: أصدرت الحكومة السودانية بيانًا أعلنت فيه عن دعمها لقمة دول الجوار، كما عقد نائب رئيس مجلس السيادة السوداني "مالك عقار" والوفد المرافق له قبل ساعات من انطلاق القمة، مباحثات مع الرئيس المصري "عبد الفتاح السيسي"، أكد خلالها "عقار" تقدير بلاده لجميع الجهود التي تقوم بها مصر من أجل التوصل لحل لتسوية الأزمة الراهنة، مشيدًا في الوقت ذاته، بدور مصر في تسهيل عملية وصول المساعدات الإنسانية وتقديم جميع وسائل الدعم للسودانيين سواء داخل البلاد أو باستضافتهم لهم في الأراضي المصرية.

(&) ترحيب عربي واسع: قد حظيت مخرجات قمة دول جوار السودان، بترحيب واسع على الصعيد العربي، إذ أعلنت البحرين في بيان لوزارة الخارجية البحرينية عن دعمها لنتائج قمة دول الجوار، ودعت طرفي الصراع للالتزام بوقف إطلاق النار وإنهاء الحرب وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية، واحترام أمن وسيادة السودان، كما أن وزارة الخارجية الكويتية رحبت أيضًا باستضافة مصر لهذه القمة، وأعربت الدولة الخليجية عن تطلعها لاستجابة الأطراف المتحاربة لمخرجات هذه القمة بما يضمن إنهاء الصراع وتسوية الأزمة بصورة سلمية، وأخيرًا، فقد رحب الأردن في بيان لوزارة الخارجية الأردنية، بالبيان الختامي لقمة دول الجوار، وأشارت الوزارة إلى تأكيد الرئيس المصري "السيسي" على ضرورة الحفاظ على السودان ومؤسساتها ومنع تفككها.

(&) دعم فرنسي: من أبرز ردود الفعل الغربية على هذه القمة، تأكيد سفير فرنسا بالقاهرة "مارك باريتي" خلال مؤتمر صحفي له في 12 يوليو الجاري، على أهمية قمة دول الجوار، معربا عن أمله في أن تسهم تلك القمة في حلحلة الأزمة السودانية، وفي الوقت ذاته، أشاد الدبلوماسي الفرنسي باستضافة مصر للكثير من اللاجئين السودانيين على أراضيها فضلًا عن تسهيلها لعملية عبور بعض الفرنسيين الذين كانوا بالسودان وقت اندلاع الأزمة.

مخرجات القمة

إضافة لما تقدم، فقد كشف الرئيس المصري، في ختام أعمال القمة، على توافق قادة دول الجوار السوداني في البيان الختامي على ثماني نقاط رئيسية، تهدف في مجملها إلى ضرورة توفير الحماية اللازمة للدولة السودانية ومؤسساتها ومقدراتها، فضلًا عن توفير الحماية اللازمة للشعب السوداني، والتعامل بجدية مع التبعات الإنسانية للأزمة الراهنة، وتسهيل وصول جميع المساعدات الإنسانية إلى السودانيين بالتنسيق مع الدول والمنظمات الدولية والوكالات الإنسانية المعنية بالأزمة.

إضافة لما تقدم، فقد نصت أبرز مخرجات تلك القمة على "تشكيل آليه وزارية بشأن الأزمة السودانية على مستوى وزراء خارجية دول الجوار، تعقد اجتماعها الأول في جمهورية تشاد"، وهذه الآلية هدفها الرئيس، التواصل بشكل مباشر مع طرفي الأزمة، والتنسيق معهم، بهدف التوصل في نهاية الأمر لحل شامل للأزمة الراهنة.

تأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن استضافة مصر لقمة دول جوار السودان، والترحيب الذي حظيت به تلك القمة، يعطي مؤشرًا على اهتمام دول القارة الإفريقية بحل الصراع السوداني في أسرع وقت ممكن، وعدم إعطاء الفرصة لأية محاولات خارجية قد تطيل أمد تلك الأزمة، التي سيؤثر استمرارها سلبا على مختلف دول القارة خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية السيئة التي يعاني منها مختلف دول العالم جراء الحرب الروسية الأوكرانية، فضلًا عن أن تلك القمة تؤكد حرص القيادة المصرية على احتواء الصراع بالسودان وإحلال الأمن والاستقرار بالخرطوم التي تجمعها علاقات تاريخية بمختلف المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية مع القاهرة.