تنوعت الوساطات الدولية والإقليمية منذ اندلاع الاشتباكات بين الجيش السوداني بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وميليشيا الدعم السريع المتمردة بقيادة محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي"، في الـ15 من إبريل 2023، وذلك بهدف التهدئة ووقف القتال الدائر الذي أدى إلى تدمير بعض مؤسسات البنية التحتية السودانية من قِبل ميليشيا الدعم المتمردة، بالإضافة إلى قيامها بعمليات سرقة ونهب تسببت في ترك بعض المواطنين لمنازلهم.
وساطات متعددة:
تعددت الوساطات والجهود التي طرحت لوقف الاشتباكات بين الجيش وميليشيا الدعم السريع المتمردة، ويمكن الإشارة إلى أبرز تلك الوساطات وهي:
(*) وساطة مصر وجنوب السودان: عقب اندلاع الاشتباكات، طالبت مصر بالتوقف فورًا عن إطلاق النار وتغليب المصلحة العامة والحفاظ على أمن البلاد. وفى اليوم التالي لاندلاع الاشتباكات في 16 إبريل 2023، ووفقًا للمتحدث الرسمي للرئاسة المصرية وجّه كل من الرئيس عبد الفتاح السيسي ورئيس جنوب السودان سلفاكير خلال اتصال هاتفي بينهما نداءً للوقف الفوري لإطلاق النار في السودان، مناشدين بالتهدئة، وتغليب صوت الحكمة والحوار السلمي، وإعلاء المصلحة العليا للشعب السوداني، كما أعرب الرئيسان عن استعداد مصر وجنوب السودان للقيام بالوساطة، معتبرين أن تصاعد العنف لن يؤدى إلا إلى مزيد من تدهور الوضع، بما قد يخرج عن السيطرة، مؤكدين أن ترسيخ الأمن والاستقرار، هو الركيزة الضامنة لاستكمال المسار الانتقالي السياسي، وتحقيق البناء والتنمية في السودان.
(*) وساطة مصرية سعودية: دعت مصر والسعودية إلى عقد اجتماع طارئ على مستوى المندوبين الدائمين بجامعة الدول العربية لمناقشة الوضع في السودان، ووفقًا للسفير أحمد أبوزيد، المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية، بأن الاجتماع جاء تأسيسًا على الفقرة 5 ب من المادة الخامسة من النظام الداخلي لمجلس الجامعة، التي تنص على إمكانية انعقاد المجلس عند الضرورة في دورة غير عادية بناء على طلب دولتين من الأعضاء، موضحًا أن التطورات المتلاحقة والخطيرة في السودان تقتضى عقد هذا الاجتماع للتشاور والتنسيق بين الدول العربية لبحث سُبل نزع فتيل الأزمة الراهنة، والعمل على استعادة الاستقرار إلى دولة السودان الشقيقة في أسرع وقت. وتلبيةً لتلك الدعوة انعقد مجلس جامعة الدول العربية على مستوى المندوبين الدائمين في 16 أبريل 2023، وطالب في بيان له بضرورة الوقف الفوري لجميع الاشتباكات المسلحة في السودان حقنًا للدماء، وحفاظًا على أمن وسلامة المدنيين ووحدة أراضي البلاد وسيادتها، وأبدى استعداده للتدخل من أجل المعاونة في إنهاء الأزمة.
(*) وساطة مصرية إماراتية: وفقًا لبيان المتحدث الرسمي لرئاسة الجمهورية المصرية أجرى الرئيس عبد الفتاح السيسي في 20 إبريل اتصالًا هاتفيًا مع الشيخ محمد بن زايد رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، وتطرق الاتصال إلى الجهود الحثيثة للبلدين لتهدئة الأوضاع في السودان الشقيق، ووقف التصعيد والعودة للحوار واستعاد المسار السياسي، في ضوء دعم مصر والإمارات للشعب السوداني الشقيق في جهوده لتحقيق تطلعاته نحو تعزيز الأمن والاستقرار والتنمية في البلاد.
(*) وساطة الإيقاد: تسعى الهيئة الحكومية لتنمية شرق إفريقيا "إيقاد" (IGAD) لتعزيز دور الوساطة لتسوية الصراعات الإفريقية ومنها الصراع السوداني الحالي. وتضم الهيئة في عضويتها كل من جيبوتي وإثيوبيا وكينيا والصومال والسودان وأوغندا، وإريتريا وجنوب السودان، التي بدأت عملها لمعالجة أزمات الجفاف بمنطقة شرق إفريقيا والقرن الإفريقي وامتد ليشمل قضايا السلام والأمن والتعاون الاقتصادي، وقد عرضت الإيقاد ممثلة في رؤساء كينيا وجنوب السودان وجيبوتي للتوسط في وقف إطلاق النار، وتجديد الهدنة بين الجانبين لمدة 72 ساعة. وتقوم المبادرة على استقبال مندوبين لطرفي الصراع في جوبا لطرح تفاصيل المبادرة وآلية تنفيذها.
(*) وساطة مجلس السلم والأمن الإفريقي: عقد مجلس السلم والأمن الإفريقي التابع للاتحاد الإفريقي جلسة لمناقشة الأزمة السودانية في 16 إبريل 2023، وقرر المجلس إرسال بعثة ميدانية للسودان للتواصل مع القوات المسلحة، وميليشيا الدعم السريع المتمردة، ورفض المجلس في بيان له أي تدخل خارجي من شأنه تعقيد الأوضاع في السودان، ودعا المجلس طرفي الصراع في السودان إلى الوقف الفوري لإطلاق النار دون شروط، بما يحقق المصلحة العليا للسودان وشعبه تفاديًا لمزيد من إراقة الدماء وإلحاق الأذى بالمدنيين الأبرياء، ومطالبًا القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، بتبني حل سلمي وحوار شامل على وجه السرعة، لحل خلافاتهما كوسيلة لتعزيز الاستقرار واحترام رغبات شعب السودان في استعادة الديمقراطية وسيادة القانون.
(*) وساطة الأمين العام للأمم المتحدة: أشار السفير ماجد عبد الفتاح، رئيس بعثة جامعة الدول العربية بالأمم المتحدة، في مقابلة خاصة مع قناة "القاهرة الإخبارية" في 17 إبريل 2023 إلى عدم طرفي الاشتباك على عرض الوساطة التي قدمها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش من أجل التوصل إلى حل سلمي لوقف القتال الدائر في السودان. لافتًا إلى أن الحكومة السودانية أصدرت بيانًا تؤكد فيه عدم رغبتها في طرح الوضع الراهن بالخرطوم في الأمم المتحدة، لأنها ترى أن هذا يعد تدخلًا في الشؤون الداخلية للبلاد. وتماشيًا مع ذلك حث الاتحاد الإفريقي الطرفين المتحاربين على تبني حل سلمي وحوار شامل لحل خلافاتهما، معربًا عن رفضه الشديد لأي تدخل خارجي يمكن أن يعقد الوضع في السودان.
(*) الوساطة الأمريكية: أعلن الجيش السوداني وميليشيا الدعم السريع المتمردة عن هدنة جديدة لمدة 72 ساعة بوساطة أمريكية، التي بدأت مع منتصف ليلة الرابع والعشرين من أبريل الجاري، بعد أن أعلنت واشنطن نجاح مفاوضات مكثفة مع طرفي الأزمة، وبرر الجيش موافقته على الهدنة في بيان له للتخفيف على المواطنين ولدواعٍ إنسانية بشرط التزام الطرف الثاني بها، فيما أعلنت ميليشيا الدعم السريع في بيان لها استعدادها للتعاون والتنسيق وتقديم التسهيلات كافة التي تمكن الجاليات والبعثات من مغادرة السودان بسلام.
(*) الوساطة الإسرائيلية: أعلنت وزارة الخارجية الإسرائيلية في بيان لها في 24 إبريل 2023 أن إسرائيل عرضت استضافة مفاوضات بين الجيش السوداني وميليشيا الدعم السريع المتمردة وسط الاشتباكات الجارية في السودان على أمل التفاوض على وقف لإطلاق النار.
تحديات ماثلة:
برغم تنوع الوساطات لوقف الاشتباك بين الجيش وميليشيا الدعم السريع المتمردة، إلا أن تلك الوساطات تواجه العديد من التحديات التي تعوق تنفيذها على أرض الواقع: أولها أن غالبية الوساطات التي طرحت كانت أقرب إلى المناشدات التي تدعو الجيش وميليشيا الدعم السريع المتمردة إلى ضبط النفس واللجوء للحوار وتجنيب السودان مخاطر الانزلاق في فوضى قد تعقد المشهد الإقليمي برمته، وهو ما حذّر منه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش بأن أعمال العنف المتواصلة في السودان قد تمتد إلى كامل المنطقة أو أبعد منها. غير أن وساطة الإيقاد التي طرحت مبادرة متكاملة تعد هي الأبرز ما بين كل الوساطات التي تم الإعلان عنها.
وثانيها: أن جهود الوساطة، لا سيما الغربية وفى مقدمتها جهود الولايات المتحدة الأمريكية، تمحورت حول إعلان هدنة تم تجديدها بهدف استكمال إجلاء الرعايا الغربيين، وفتح ممرات إنسانية وتسهيل حركة المواطنين وتمكينهم من قضاء احتياجاتهم والوصول إلى المستشفيات والمناطق الآمنة، وإجلاء البعثات الدبلوماسية. وبرغم إعلان الولايات المتحدة العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين وأصحاب المصلحة المدنيين السودانيين، لتثبيت هدنة دائمة من خلال إنشاء لجنة للإشراف على التفاوض، وتنفيذ وقف دائم للأعمال العدائية، وتنظيم الترتيبات الإنسانية في السودان إلا أن تسارع وتيرة إجلاء الرعايا والدبلوماسيين الغربيين يشير بعكس ذلك بما يضع السودان على مفترق حقيقي جعل كل الاتجاهات تتوقع الأسوأ لما هو قادم.
وثالثها: يرتبط بالاختلافات الجذرية بين رؤية الطرفين في كيفية تسوية الصراع بينهما، فالفريق عبد الفتاح البرهان يرى أن الدعم السريع هي قوات متمردة على الدولة، فضلًا عن التحفظ على ممارسة حميدتي لأدوار بعيدًا عن الدولة السودانية ومؤسساتها في زياراته الخارجية لدول أو استقبال ممثليها، في حين يرى محمد حمدان دقلو أن الجيش هو من أطلق الرصاصة الأولى، ويطالبه بالعودة إلى ثكناته.
مجمل القول إن السودان يحتاج لوساطة ناجزة تسهم في وقف الاشتباكات والعودة إلى المسار الانتقالي السياسي، الذي اتفقت عليه الأطراف السودانية، بما يتطلب دعم مبادرة واحدة لتحقيق الوساطة الفاعلة بين طرفي الصراع، ولن يتأتى ذلك إلا من خلال تكاتف الجهود الإقليمية والدولية، لإنجاح وساطة إقليمية قد تكون إفريقية أو عربية بعد رفض السودان تدويل أزمته، وتوفير السياق المواتى لإقناع الطرفين المتصارعين بالحوار السلمي المباشر بينهما وتقديم ضمانات كافية لوقف أعمال العنف المتبادل بينهما، وتقريب وجهات النظر بشأن القضايا الخلافية، بما ينعكس على استعادة الاستقرار والحد من موجات النزوح في دول الجوار، وبما يحفظ أيضًا وحدة السودان وسلامته الإقليمية.