تنتمي مدرسة النجم المصري الكبير سعد أردش إلى الاهتمام بالقيمة والدقة، والتأثير، ليصبح اسم هذا العملاق الذي تحل اليوم ذكرى وفاته، مرجعية عربية للمسرح المصري والعربي بكل أجياله، محققًا تاريخًا فنيًا كبيرًا على كل المستويات، ومشواره حافل بالإنجازات، فكل خطوة كان يطوّعها من أجل أن يصنع داخله فنانًا حقيقيًا، قادرًا على أن يُخرج ويمثّل بالجدارة نفسها، فبدأ هاويًا وانتهى مشواره رائدًا من رواد المسرح.
سعد عبد الرحمن أردش.. ابن مدينة فارسكور بمحافظة دمياط.. ولد عام 1924، بدأ حياته عاملًا في السكة الحديد، ثم ألتحق بكلية الحقوق رغم عشقه الكبير لعالم الفن منذ الصغر، ويحكي عن تلك الفترة قائلًا في أحد لقاءاته: "التحقت بكلية الحقوق لشعوري بأن الدراسة التخصصية ليست كافية لفنان جيد، والحقوق منحتني فرصة للدراسة الإنسانية، واستفدت كثيرًا منها، وتعمدت أن أدخل هذا المجال، ووقتها طلب مني سكرتير نقابة المحامين أن أقيّد في النقابة، لكن رفضت وأخبرته أنني سأكون ممثلًا".
وتتبعاً لحلمه داخل كلية الحقوق أسس سعد أردش فرقة مسرحية مكونة من الممثل والمخرج المصري كرم مطاوع، وأيضًا الممثل المصري منير التوني، ومجموعة كبيرة من الأسماء التي برزت بعد ذلك في الفن المصري والعربي وأثرت به، وانطلق في تقديم عروضه كهاوٍ هو وفرقته حتى تخرجه عام 1955.
بعد تخرج سعد أردش، أراد أن يوسّع حلمه ويؤسس فرقة مسرحية كبيرة، فذهب إلى أستاذه وأحد رواد المسرح المصري زكي طليمات وطلب منه أن يساعده في تأسيس فرقة مسرحية، لكنه اعتذر عن الأمر وأبلغه أن الميزانية لا تسمح بتلك المغامرة، فلم ييأس وقرر تأسيس المسرح الحر، وذهب لمسؤولي مسرح الأوبرا ليطلب منهم أن يقدم مسرحياته على مسارحهم لكن الطلب قوبل بالرفض، وبعد عام تغير الأحوال، عاد وفرقته إلى المسرح ليصنع منه مجدًا يظل باقيًا إلى الآن.
قدّم "سعد" مسرحية تحمل اسم "بيت الدمية"، كان بطلها الفنان المصري الراحل محمود ياسين في أول ظهور له، لتكون تلك المسرحية انطلاقته الحقيقية في هذا العالم، ويحقق نجاحًا بفرقته الحرة التي أسسها.
طموح "سعد" قاده لأن يذهب إلى إيطاليا في بعثة ليتعلم الإخراج، لكن تظهر أمامه عقبة صعبة، فالدراسة كلها باللغة الإيطالية، ليرسب في اختبار قبوله بالجامعة ويطلب منه دكتور جامعي أن يتعلم اللغة ويعود مرة أخرى إلى الاختبارات في العام المقبل، وبالفعل تحدى نفسه وكان يذاكر اللغة الإيطالية لمدة 18 ساعة يوميًا بجانب دراسته على يد دكتورة جامعية كبيرة، وعاد في الموعد مرة أخرى ونجح في الاختبارات وأكمل مشوار تعلمه للإخراج في إيطاليا.
سعد أردش الذي قدّم مسرحيات "السبنسة، بير السلم، المسامير، دايرة الطباشير القوقازية، النار والزيتون، هاللو شلبي"، وغيرها، تعرّف على زوجته الفنانة التشكيلية في تلك البعثة وتزوجا هناك وقاما بتوثيق العقد في القنصلية المصرية، حسبما روى في أحد اللقاءات التلفزيونية، وأنجب منها ثلاثة أولاد هالة وفريدة ومحمد.
أولاد "سعد" لم يتعلقوا بالفن مثله وفضلوا الابتعاد، ومالوا للفنون التشكيلية ودراسة الهندسة، وذلك بعدما لمسوا الجهد الكبير الذ يمر به والدهم في بروفات مسرحياته، حتى إن ابنته قالت له: "عملكم دموي وشاق".
وصل سعد أردش للعديد من المناصب، فأصبح أستاذًا ورئيسًا لقسم التمثيل والإخراج بالمعهد العالي للفنون المسرحية، وأول مدير لمهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي 1986، وقدّم العديد من الأعمال المهمة على مستوى السينما والدراما بجانب الإنجاز الذي حققه في المسرح، ومن بين تلك الأعمال مسلسلات "المال والبنون، الأخوة زنانيري، الموج والصخر، أبلة منيرة، العقاب، الانتقام"، أما في السينما فقدم "درب المهابيل، موعد مع إبليس، شيطان الصحراء، الأسطى حسن" وغيرها.
في عام 2008 في مثل هذا اليوم انطوت صفحة سعد أردش لكن تاريخه الفني الكبير ما زال مرجعًا لكل من أحب فن المسرح، وما زالت أعماله باقية في قلوب كل من أحبه.