طفلة صغيرة أحبت الموسيقى الكلاسيكية من خلال والديها، تعلقت بهذا العالم الساحر وحلمت بأن تصبح من رواده، لكنها لم تكن تعرف من أين تبدأ الطريق؟.. تجارب عدة خاضتها السوبرانو المصرية نيفين علوبة، بدأتها بالغناء وتعلمت دروس البيانو حتى قادها القدر للقاء أولجا يسى والدة عازف البيانو العالمي رمزي يسى، التي آمنت بموهبتها ونصحت أهلها أن يرسلوها لتدرس الغناء، وقد كان.
بدأت نيفين علوبة مشوارها، ونجحت أن تصنع مجدًا استحقت عليه السوبرانو العالمية الحصول أخيرًا على وسام الفنون والآداب بدرجة "فارس" من وزارة الثقافة الفرنسية؛ نظرًا لما قدمته للمشهد الموسيقي المصري والعالمي.
خطوة مهمة
تصف نيفين علوبة منحا الوسام بـ"المهمة" لأنها تُذكّر الجمهور بما قدمته في حياتها، إذ تقول: "فخورة بما حدث لأن التقدير أمر رائع لأي فنان، وإحساسي بأن الناس تهتم بما أقدمه وتقدّره أمر مهم بالنسبة لي وهذا هو التأثير الأساسي الذي أبحث عنه دائمًا، خاصة أن مثل هذه الجائزة سبقني في الحصول عليها الفنانة اللبنانية ماجدة الرومي، والأديب المصري العالمي الراحل نجيب محفوظ والعديد من الأسماء المهمة، وحينما يوضع أسمي بجانب هؤلاء الكبار أشعر بالفخر كما أنني أول مغنية أوبرا تُكرم بهذه الطريقة وهذا يميزني ويضعني في قائمة المصريين الجادين الذين أفادوا بلادهم".
نيفين علوبة التي تعتبر أول سوبرانو مصرية تغني على مسرح دار الأوبرا المصرية عند افتتاحها عام 1988، كانت دائمًا تشعر بمسؤولية كبيرة على عاتقها، وتقول: "تمثيل مصر في الخارج ليس أمرًا سهلًا، ويجب أن نكون على قدر المسؤولية التي وضعت على عاتقنا، فأنا كنت موجودة في أكثر من احتفالية مهمة في اليونسكو واليونان وأمريكا، وكان هذا من أصعب الأوقات التي تمر عليّ".
مشوار طويل
وجود الدكتورة سمحة الخولي، عميدة المعهد العالي للموسيقى "الكونسرفتوار"، في حياة "علوبة" كان له تأثير كبير، توضحه قائلة: "ساعدتني كثيرًا ومنحتني الفرصة وأنا طالبة لأن أمثل مصر في الخارج، ووجهتني لأن أحصل على منحة من الحكومة الألمانية، حينما كنت خريجة المعهد قسم بيانو وليس كمغنية، ولكن بدأت هذا المشوار في ألمانيا، وكانت خير السند، وأهلي أيضًا الذين آمنوا بموهبتي ودعموني كثيرًا".
رحلة نيفين علوبة في هذا المجال لم تكن مفروشة بالورد، إذ واجهت الكثير من التحديات، وتحكي قائلة: "حينما دخلت مجال الأوبرا كان المصريون العاملون في هذا المجال قليلين، والبعض كان ينظر لي كأنني أفعل شيئًا غريبًا، لكني أصررت على حلمي وتغلّبت على المعوقات واللغة وتخرجت بمرتبة شرف وحصلت على الدكتوراه، رغم أن المجال الدراسي في ألمانيا ليس سهلًا، لعدة أسباب أهمها أن مجال التنافس هناك كبير، لأن الطلاب يأتون من كل مكان في العالم من أجل أن يتعلموا الموسيقى الكلاسيكية، وكنت دائمًا أضع الأمر أمام عيني وآمنت بموهبتي أمام المنافسة العالمية".
تكمل "علوبة" سرد التحديات التي واجهتها وتقول: "أول سنتين في المنحة إلى ألمانيا لم يكن الأمر صعبًا، لكنني اضطررت بعد ذلك للعمل في السكرتارية والمكتبة للحصول على دخل يساعدني في مشواري، حتى جاء لي عمل كمغنية بجانب دراستي وكان هذا يساعدني كثيرًا".
خلال مشوار "السوبرانو المصرية" المليء بالصعوبات كانت هناك بعض الانتصارات التي حمّستها وهوّنت عليها تعب الطريق، إذ تقول: "أول وظيفة غنائية أوبرالية حصلت عليها كانت في ألمانيا، وهذه أولى خطوات النجاح وبعد ذلك دعتني د. رتيبة الحفني بصفتها أول رئيس لدار الأوبرا المصرية للاشتراك في افتتاح الأوبرا، وهذا تكريم كبير لي، وغنيت مع الأوركسترا السيمفوني".
أول فرقة بالأوبرا
الغناء الأوبرالي لا يحظى بجماهيرية كبيرة، وتُرجع نيفين علوبة أسباب ذلك إلى عدم وجود وعي موسيقي في المدارس، وتقول: "نحتاج أن يكون هناك مسرح موسيقي، الذي اختفى بسبب تكلفته المرتفعة، خاصة أن الجمهور يحب أن يجد تلك النوعية من الموسيقى والغناء باستمرار لكى يزيد وعيه بهذا اللون، وحينما عدت من ألمانيا مع بعض الزملاء أسسنا أول فرقة دار أوبرا، وكنا نترجم الأوبرات العالمية ونغنيها باللغة المصرية، وكان الجمهور سعيدًا جدًا بذلك، لكن لم تعد تلك النشاطات متاحة الآن رغم ما لدينا من كفاءات كبيرة في هذا المجال، مثل تلميذتي فرح الديباني وغيرها الكثيرين الذين رفعوا اسم بلدهم في الخارج".
تؤكد "علوبة" في النهاية أنها راضية بما وصلت إليه في مشوارها، موضحة أنها أسست حاليًا أكاديمية للغناء ويدرّس معها طلابها القدامى، وتتمنى أن يكون هناك اهتمام بدعم الشباب الموهوب في هذا المجال ليعيشوا بفنهم.