يزخر تاريخ الفن المصري والعربي بالعديد من الفنانات اللائي نجحن في أن يضعن بصمتهن الخاصة في عالم الفن؛ ليصبحن أيقونة، لكل منهن شكل ومذاق فني مُختلف، والأمثلة على ذلك عديدة، ومن بين هؤلاء الفنانات كانت الفنانة المصرية عبلة كامل، التي نجحت في صنع حالة فنية وشكل متفرد بعيدًا عمّا شهدته الساحة الفنية من قبل، ولعل هذا التميز والاختلاف كان أحد أسرار نجاحها وتعلّق الجمهور في الوطن العربي بكل ما تقدمه من أعمال فنية.
في سجل الفنانة المصرية عبلة كامل حضور لافت في كل لون قدمته، سواء الكوميدي أو التراجيدي أو الاجتماعي؛ لتؤكد على قدرتها الهائلة في التنوع وتجسيد الأدوار المُختلفة، ويرجع ذلك إلى مشاركتها في أعمال فنية لمخرجين ينتمون لمدارس مُختلفة، بداية من تجربة المخرج يوسف شاهين، والذي وقع اختياره عليها حينما قدمت عرضًا مع فرقة الهواة في الجامعة، لتظهر في فيلم "وداعًا بونابارت"، وتجربة المخرج يسري نصر الله في "مرسيدس" إنتاج 1993، مرورًا بـ"قشر البندق" للمخرج خيري بشارة، و"سارق الفرح" للمخرج داود عبد السيد، و"عرق البلح" مع رضوان الكاشف، و"ليالي الحلمية" و"الشهد والدموع" مع إسماعيل عبد الحافظ، وإصدارات فنية عديدة أكدت من خلالها في كل مرة انتصارها للدور والشخصية، بعيدًا عن مساحته وقدرتها على سرقة الكاميرا، حتى إن ظهرت لدقائق معدودة، كل ذلك ساهم بشكل أو بآخر في أن تحظى ببطولات ومساحات أكبر تنافس بها على مستوى السينما والتلفزيون.
وحول هذا المشوار الفني تقول عبلة كامل: "محظوظة منذ بداياتي فقد كنت أقدم عرضًا مع فرقة الهواة في الجامعة، وكان موجودًا حينذاك المخرج الكبير يوسف شاهين ليشاهد العرض فاختارني وأنا طالبة لأ تواجد معه في فيلم "وداعًا بونابارت"، وفي أول مشهد لي كنت متأثرة جدًا بالمسرح، فارتفع صوتي في أحد المشاهد لأجده يقول لي عليك أن تكوني هادئة ولا تجعلي الجمهور يشعر أنك تمثلين، ومن يومها وأنا أحتفظ بتلك المقولة وأعمل بها في كل دور أقدمه، ويزداد حظي سعادة باختيار المخرج الكبير إسماعيل عبد الحافظ لي بأن أتواجد في مسلسل "الشهد والدموع"، وكنت أحب أن أقول له "عم إسماعيل"؛ لأنه كان يتعامل معنا بأبوية شديدة، وساعدني في التعرف على عالم الفيديو وكسر تلك الرهبة بداخلي، وكان يؤمن بموهبتي كثيرًا".
لا وقت للحفلات
المتتبع لمسيرة بطلة مسلسل "لن أعيش في جلباب أبي" يلمس جيدًا طبيعتها التي تميل للانطواء، إذ نادرًا ما تظهر في حفل فني أو برامج تليفزيونية تفصح فيها عن ملامح من شخصيتها، أو تحتفل بنجاح عمل قدمته، فهي لا تعرف إلا لغة العمل فقط، دون الالتفات لأي تفاصيل أخرى تتعلق بالمجاملات وحضور الحفلات والمناسبات، إذ تكتفي بعملها فقط والذي يستقطع وقتًا طويلًا من يومها، على أن تستثمر ما تبقى من وقت لأسرتها فقط، إذ تقول عن ذلك في ظهور نادر لها في أحد البرامج: "ليس لدى وقت للتواجد في تلك الحفلات فأنا لديّ ابنتان فاطمة وزينب، وبالتالي أهتم بهما وأراعيهما، ولذلك ليس لدي وقت للحفلات، كما أحب الأعمال المنزلية بأيدي رغم تواجد 2 من المساعدين معي".
ولعل تلك الطبيعة دفعتها لأن تشعر بالرهبة والخوف من النجاح الساحق الذي حققه مسلسل "لن أعيش في جلباب أبي"، إذ قالت وقتها "أنا مخضوضة من النجاح، ولا أعرف هل ما سيعرض عليّ بعد ذلك سيكون بنفس المستوى أم لا وماذا تنتظر الناس مني بعد ذلك".
ما علّقت به الفنانة المصرية كان دافعًا قويًا لأن تجتهد وتقدم المزيد من الأعمال الناجحة، والتي ساهمت في بناء اسمها، وصنعت منها أيقونة في عالم الفن، لكنها في الوقت نفسه كانت تشعر مع كل خطوة بالخوف من التجربة المقبلة، وهو ما كان سلاحًا ذا حدين بين خوف من عمل لا تعرف عنه شيئًا ورغبة مُلحة في مزيد من النجاح، لينتهي بها الأمر إلى قرار الابتعاد والاكتفاء بما قدمته خلال مسيرتها الفنية المميزة.
تُعد نجمة مسلسل "حديث الصباح والمساء" من الفنانات اللائي شكّلن حالة من الارتباط والتعلّق مع الجمهور، فرغم مرور سنوات على توقفها عن تقديم أعمال فنية، ازدادت حالة الحب مع نجمة لم تبخل على جمهور بتقديم أعمال فنية هادفة ومميزة ومتنوعة، حالة الحب التي تتمتع بها الفنانة الكبيرة لم تقتصر على جمهورها فقط، ولكن زملاءها أيضًا الذين طالبوا بتكريم يليق بها، حتى وإن اختارت عدم حضوره.
مطالب بتكريمها
تحدث عدد كبير من النجوم وصنّاع السينما لموقع "القاهرة الإخبارية" حول ضرورة تكريم الفنانة القديرة، والتي قدمت في مشوارها الفني علامات مهمة شكّلت وجدان أجيال، إذ يقول المخرج يسري نصر الله الذي سبق أن طالب بتكريمها عبر حسابه الرسمي، إنها فنانة عظيمة قادرة على تحويل أي دور يسند إليها إلى ملحمة فنية.
ويضيف لموقع "القاهرة الإخبارية": لا أنسى كواليس فيلم "سرقات صيفية" الذي جسّدت من خلاله دور "عيشة" مربية العائلة، إذ قدمته ببراعة أبهرتني، وحينما تعاونا معًا في فيلم "المدينة" طلبت مني أن أترك لها الدور لتصنع تفاصيله، وكالعادة قدمته ببراعة منقطعة النظير؛ لأنها موهوبة وتستطيع أن تعلّم مع كل من يشاهدها حتى وإن كانت في مشهد صغير".
يشير مخرج فيلم "المدينة" إلى أنه لم تكن هناك فرصة أخيرًا للتواصل معها، إذ قال: "للأسف انقطعت أخبارها منذ فترة، وأعتقد أنها قررت الابتعاد عن المقربين حتى لا يشغلوها بمحاولات ظهورها لمحبيها، ولكننا نعشقها ونريد أن نكرمها ليس من أجل الظهور، ولكن لكي يصل إليها حب جمهورها، كما أنها واحدة من البارزين في الدراما والمسرح، إذ إنها جزء مهم جدًا من تاريخ الفن المصري، والدورة التي ستُكرم فيها عبلة كامل في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي سنسعى جميعًا لأن نكون واقفين بجوارها على المسرح ونهديها التكريم بأنفسنا ونقول لها نحن نحبك".
رفض التكريم
أشرف زكي، نقيب المهن التمثيلية المصرية، أكد لموقع "القاهرة الإخبارية" أنه بالفعل عرض على الفنانة عبلة كامل التكريم من قبل في الدورة الأولى من مهرجان القاهرة للدراما، ولكنها رفضت الأمر تمامًا، إذ يقول: "نتمنى بالفعل أن تكون موجودة بيننا ونكرّمها، ولكنها تحب أكثر الوجود بعيدًا عن الأضواء وهذه رغبتها، وأتواصل معها دائما فهي بخير وفي أفضل حالاتها".
وافقه في الرأي السيناريست سيد فؤاد، رئيس مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية، إذ قال إن "الفنانة الكبيرة عبلة كاملة هي من ترفض جميع التكريمات التي تعرض عليها وذلك منذ سنوات طويلة، وبالفعل كل المهرجانات تتمنى ذلك، ومنها مهرجان الأقصر الذي يرأسه، ولكن هي عادة مُقلة في الظهور الإعلامي، ولكن عطاءها السينمائي كبير، وهي من الفنانات اللاتي يقتربن فنيًا من أجيال مثل الراحلة سناء جميل وهدى سلطان وعقيلة راتب، ولكننا لن نفقد الأمل وسنحاول كل دورة؛ لأنها بالفعل تستحق ذلك دون تفكير".
احترام النّص
من آخر أعمال الفنانة عبلة كامل التليفزيونية مسلسل "سلسال الدم" الذي قدمت منه خمس أجزاء تأليف مجدي صابر والذي حرص أن يستغل تلك الفرصة للحديث عنها حيث قال: "منذ معرفتي بالفنانة عبلة كاملة بسنوات طويلة وهي لا تهتم إلا بعملها فقط، ولا يشغل تفكيرها تكريمها من أي مهرجان أو مؤسسة، حيث عملت معها من قبل مسلسل "سلسال الدم" بـ 20 عامًا وكان خلال مسلسل "أحلام العمر"، وعندما تحدث معي البعض من المهرجانات السينمائية لتكريمها وقت التصوير كانت ترفض تمامًا، بل وترفض أيضًا الظهور الإعلامي سواء من خلال الحوارات الصحفية أو اللقاءات التليفزيونية وهذه مسألة مبدأ لديها طوال تاريخها الفني حتى الآن".
يضيف مجدي صابر: تحترم الفنانة عبلة كامل النص الذي تقدمه، وإذا لم تقتنع بالعمل فلا يوجد إجبار عليها في ذلك، ولكن مادام وافقت على النص المعروض عليها فتحترمه حتى انتهاء تصويره دون تدخل، وأثناء جلسات العمل قبل التصوير كانت تتناقش في بعض الأفكار والتعديلات في المشاهد وتبدي وجهة نظرها كمشاهدة وليس لكونها نجمة العمل، ويتم العمل به أو لا فهي ليس لديها أي إصرار بضرورة تنفيذ رأيها"، موضحًا أنه لا يتذكر خلال التعاون معها في أجزاء مسلسل "سلسال الدم" أنها قامت بتغيير شيء في المسلسل بأكمله، فهي سيدة تحترم عملها وتحترم تخصص كل فرد في العمل، لأنها تعلم جيدا أن خلط التخصصات من الممكن أن يحدث مشاكل".