مهمة شاقة أخذها الممثل المصري أحمد السقا على عاتقه، أو وُضعت عليه من قبل صنّاع السينما، تتمثل في أن اسمه أصبح مرادفًا لأفلام الحركة، تلك النوعية التي تتطلب مهارات فنية وأدائية خاصة، وأيضًا مواصفات جسمانية مميزة، إذ عقب ظهوره في فيلم المخرج عاطف الطيب "ليلة ساخنة" بدور صغير، ثم بزوغ نجمه رفقة جيل من المواهب الشابة في نهاية التسعينيات، وجد نفسه في منطقة أفلام الحركة أو بالمصطلح السينمائي الأجنبي الدارج "سينما الأكشن"، ليجسّد العديد من الأدوار في هذه المنطقة الخالية وقتئذ إلا من مناوشات قليلة، إذ ذهب معظم جيله إلى أدوار فتى الشاشة أو الكوميديا.
باتت سينما الأكشن مرادفًا لمشوار أحمد السقا، وأصبح اسمه مرادفًا لها، ساعده على ذلك مظهره ولياقته البدنية، وأيضًا طبيعته الخاصة المحبة للحركة، إضافة إلى موهبته في الأداء التي كانت قد لفتت أنظار المخرج يحيى العلمي في بداية مشوار النجم الشاب؛ ليضمه في دور بارز لفريق عمل مسلسل "نصف ربيع الآخر" عام 1996 بطولة يحيى الفخراني وإلهام شاهين.
وقبل نحو 23 عامًا قدّم السقا أولى بطولاته المطلقة في السينما من خلال فيلم "شورت وفانلة وكاب"، بدور شاب يؤسس مشروعًا في شرم الشيخ ويقابل فتاة "رباب" ابنة أحد المسؤولين السياسيين العرب ويقع في حبها، ويُعرضه ذلك لمشكلات كثيرة، وأجاد السقا في هذا الدور الرومانسي الذي تتخلله مشاهد أكشن قليلة، وواصل فيها ما كان بدأه مع رفاق جيله من التعبير عن أحلام الشباب في هذه الفترة، وينجح في كسب جيل التسعينيات إلى جانبه، ويصبح أحد النجوم المعبرين عن آماله وتطلعاته.
شخصية أحمد السقا السينمائية بدأت تتضح ملامحها أكثر مع 3 أفلام شهيرة قدمها تباعًا، وتحمل عناوين "مافيا" و"تيتو" و"حرب أطاليا"، مع المخرجين شريف عرفة وطارق العريان وأحمد صالح؛ ليقدم نفسه كنجم أفلام الأكشن التي تحقق إيرادات مرتفعة من شباك التذاكر، الأمر الذي حافظ عليه في العديد من التجارب السينمائية اللاحقة، ومنها فيلمه الشهير "الجزيرة" بجزأيه الأول والثاني، وأيضًا "إبراهيم الأبيض" رفقة النجم الكبير الراحل محمود عبد العزيز.
الدوبلير
ميّز مسيرة أحمد السقا أنه لم يكن يستعن بـ"دوبلير" في أداء المشاهد الصعبة، ورغم خطورة هذه المشاهد، يفضّل دائمًا أن يجسدها بنفسه، حتى إنه كاد يدفع الثمن غاليًا عدة مرات، منها أثناء تصوير فيلم "تيمور وشفيقة" في إحدى الدول الأجنبية، ومن خطأ لمسؤول عن التفجيرات طالت النيران الجزء الخلفي من قميصه قبل أن يقفز في البحر.
واللافت للنظر أن أحمد السقا كان يستريح قليلًا من عناء المشاهد الصعبة، ليتحدى نفسه في تجارب مغايرة، منها الفيلم الرومانسي "عن العشق والهوى" مع منى زكي، والتجربة الكوميدية "بابا" الصادرة عام 2012، ليثبت أنه قادر على أداء مُختلف الأدوار.
حافظ أحمد السقا على جمهوره من جيل التسعينيات، وعشاق أعمال الأكشن، مع ذهابه أيضًا إلى جمهور المنازل من خلال عودته للدراما التليفزيونية عام 2012 بمسلسل "خطوط حمراء" ثم تبعه بـ "ذهاب وعودة"، مُتحديًا نفسه مرة أخرى بمسلسل بعيد عن عالمه المفضل والصادر عام 2019 بعنوان "ولد الغلابة"، مُجسدًا دور مدرس بسيط في قرية تدفعه الظروف إلى أن يصبح مجرمًا ويتاجر في المخدرات.
تحدي أحمد السقا نفسه في أدوار مغايرة، يأتي من باب عشقه الخاص لمهنته، خصوصًا أنه ولد لأسرة فنية، فوالده المخرج المسرحي صلاح السقا مؤسس مسرح العرائس، وجده المطرب عبده السروجي، هذا العشق الذي يجعله يرتبط بالشخصيات التي يجسدها، لدرجة أنه يحتفظ في خزانة ملابس خاصة ببعض مما ارتداه في أعماله الفنية، ومنها "ولد الغلابة" و"تيمور وشفيقة" و"إبراهيم الأبيض" وغيرها.
ملامح مضيئة
ومن الملامح المضيئة في مشوار أحمد السقا بالدراما التليفزيونية، مُشاركته في عدد من الأعمال الفنية الوطنية، بداية من ظهوره ضيف شرف في مسلسل "الاختيار" عام 2020 ثم تبعه بدور رئيسي في الجزء الثالث بعنوان "الاختيار 3: القرار"، ثم بتجربة جديدة في رمضان 2023 من خلال مسلسل "حرب"، الذي يحقق نجاحًا كبيرًا ويظهر فيه بشكل مُغاير تمامًا، إذ اعتدنا رؤيته في أدوار البطل الذي نتعاطف معه ويسعى لتحقيق العدالة أو يُعاني ظروفًا مجتمعية تجبره على الانحراف، لكنه في مسلسل الـ10 حلقات الجديد يقدم جانب الشر، مُجسدًا شخصية "الظافر"، عضو إحدى الجماعات الإرهابية المتطرفة، الذي يحاول تنفيذ عمليات إرهابية في مصر، لكن الأجهزة الأمنية تلاحقه.
الدور الجديد لأحمد السقا وإن كان يحمل طابعه المفضل المتمثل في الأكشن، لكنه يقف في الجانب المظلم أو يمثل الشر، غير عابئ من كسر الانطباع الذهني لدى الجمهور عنه في أنه يجسد دور الشخص الإيجابي أو الطيب، في تحدٍ جديد لقدراته التمثيلية وقدرته على إضفاء حيوية ومصداقية على أدائه، خصوصًا أنه في أيدي المخرج المتمرس أحمد نادر جلال، صاحب أعمال "العائدون" و"العنكبوت" و"رقم مجهول".
ولا يتردد أحمد السقا في الموافقة على هذه النوعية من الأعمال الوطنية التي تُعلي من قيم الولاء والانتماء للوطن، ولها دور تنويري كبير في كشف زيف المفاهيم الخاطئة، وانطلاقًا من دوره كفنان يصحبه جيل يؤازره ويضم إلى صفوفه تباعًا أجيالًا متلاحقة، ليُعد أحد الأعمدة الفنية المُهمة في معركة الوعي والتي تحارب بضراوة لكشف الوجه القبيح لقوى الظلام.