الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

شراكة مضطربة.. إلى أين تتجه العلاقات الصينية الأوروبية؟

  • مشاركة :
post-title
وزير الخارجية الصيني في برلين يحذر من فرض عقوبات أوروبية على شركات بلاده

القاهرة الإخبارية - ضياء نوح

بدأ وزير الخارجية الصيني تشين جانج، يوم الاثنين 8 مايو الجاري جولة أوروبية تستمر لخمسة أيام وتشمل ألمانيا وفرنسا والنرويج، تزامنًا مع استهداف شركات صينية بالعقوبات ضمن الحزمة الأوروبية الحادية عشرة ضد روسيا، منذ اندلاع الأزمة الروسية الأوكرانية.

سبقت الزيارة تطورات عدة على صعيد العلاقات الصينية الأوروبية، منها تبادل الزيارات بين بكين والعواصم الأوروبية واتصال الرئيس الصيني شي جين بينج بنظيره الأوكراني فولودومير زيلينسكي في 26 أبريل 2023، بناء على طلب من كييف تضمن التأكيد على تعزيز جهود الوساطة الصينية لتسوية الأزمة.

زيارة محورية:

على وقع الدعوات الأمريكية المتزايدة لفك الارتباط الأوروبي بالصين وتقييد وصولها للتكنولوجيا الفائقة وقطاعات الاتصالات والمعلومات الغربية وتقليص الاعتماد الاقتصادي على المواد الخام والمنتجات الصينية، عززت الصين من تحركاتها تجاه شركائها الأوروبيين على النحو التالي:

(*) تعميق الوساطة الصينية: على الرغم من رهن الرئيس الصيني شي جين بينج اتصاله بنظيره الأوكراني بانتظار اللحظة المناسبة والتي تعني انفتاح كييف على التفاوض مع موسكو دون شروط مسبقة والتفاعل مع المبادرة الصينية بدلًا من التمسك برؤيتها للحل والمتمثلة في الانسحاب الروسي الكامل إلى ما قبل ضم شبه جزيرة القرم في 2014، إلا أن الاتصال بين الجانبين -والذي جاء بطلب من الجانب الأوكراني حسب قناة سي سي تي في الصينية- أظهر حث القوى الأوروبية لبكين على التواصل مع القيادة الأوكرانية.

وعقب الاتصال بين شي وزيلينسكي في 26 أبريل الماضي والذي استمر لساعة كاملة، أعلنت الخارجية الصينية إرسال مبعوث الصين لدول أوراسيا والسفير السابق لدى موسكو حتى 2019، لي هوي Li Hui إلى كييف وعواصم أخرى لمناقشة سبل التوصل لتسوية سياسية شاملة للأزمة بمشاركة مختلف الأطراف.

وزير الخارجية الصيني تشين جانج ونظيرته الألمانية أنالينا بيربوك في برلين

ويعول الرئيس الصيني على دور بلاده كوسيط وحيد وموثوق لطرفي الأزمة المباشرين إلى جانب دول الاتحاد الأوروبي التي تكافح لاستعادة توازنها وإعادة صياغة دورها كقطب عالمي يتمتع بالاستقلال الاستراتيجي، وتسعى بكين كذلك لتقديم ضمانات مقبولة لبروكسل تؤكد حيادها التام في الأزمة رغم تطوير علاقاتها بموسكو.

(*) تعزيز الثقة مع بروكسل: واجهت تصريحات سفير بكين لدى باريس لو شاي في 21 أبريل 2023 والتي شكك فيها بسيادة دول الاتحاد السوفييتي السابق في شرق أوروبا، موجة انتقادات واستدعاء سفراء الصين لدى دول البلطيق الثلاث (إستونيا وليتوانيا ولاتفيا) وغيرها من الدول الغربية، مما استدعى إعلان وزارة الخارجية الصينية في 24 أبريل الماضي أنها تعتبر كل الجمهوريات التي أعقبت الاتحاد السوفييتي دولًا ذات سيادة، إلا أن تصريحات السفير خلقت شرخًا في جدار العلاقات الصينية الأوروبية في ظل مساعٍ أمريكية متواصلة لفك ارتباط الحلفاء الأوروبيين بالصين الشعبية.

وفي ذات السياق جاء التصويت الصيني في 26 أبريل على نص قرار غير ملزم للتعاون بين الأمم المتحدة ومجلس أوروبا، تبنته بروكسل وأيدته 122 دولة بالجمعية العامة للأمم المتحدة من بينها كذلك الهند والبرازيل وإندونيسيا، وتضمن مشروع القرار إدانة نصية لـ"عدوان الاتحاد الروسي" على أوكرانيا حاليًا وجورجيا في 2008، بينما لم يكن نص القرار حول إدانة مباشرة لروسيا على غرار القرارات السابقة التي امتنعت فيها بكين عن التصويت.

وامتنعت الصين عن التصويت حول إدراج ذلك النص من عدمه، مما اعتبر تحولًا في الموقف الصين من الأزمة، قبل أن تبرر البعثة الصينية لدى الأمم المتحدة في 4 مايو الجاري أنها وافقت على قرارات مشابهة تخص التعاون بين الأمم المتحدة ومبادرة الوسط الأوروبي، حسب صحيفة جنوب الصين الصباحية.

محددات حاكمة:

تبدو العلاقات الصينية الأوروبية في مفترق طرق بين تعميق تعاون القطبين الدوليين في تخفيف حدة الوضع في الساحة الأوروبية والمساهمة في وضع حد للأزمة الروسية الأوكرانية، في ظل إدراك كلا الجانبين لنقاط الالتقاء والاختلاف على الساحة الدولية، أو السير في وصول الاستقطاب الدولي الراهن مداه بالعودة للصراع بين الشرق والغرب.

(#) آلية حل النزاعات: تأتي الأزمة الروسية الأوكرانية في قلب الاهتمامات والمخاوف الأوروبية نظرًا لتداعياتها الخطيرة على الأمن الأوروبي، وفي هذا الصدد تتباين الرؤى داخل أوروبا لطبيعة الدور الصيني في الأزمة باعتبارها أبرز شركاء روسيا وتمتلك نفوذًا متزايدًا لدى موسكو على ضوء ملء الفراغ الذي خلفته الشركات الأوروبية والغربية في السوق الروسية، والاتهامات بتصدير تقنيات مزدوجة الاستخدام تدعم المجهود الحربي الروسي.

الرئيسان الفرنسي والصيني في لقاء غير رسمي بجوانزو الصينية

ومن ثم تقود فرنسا جهود التواصل مع الصين لحثها على دفع روسيا للتفاوض انطلاقًا من مسؤولية بكين كعضو دائم في مجلس الأمن الدولي يتطلع للعب دور صانع السلام، مقابل الالتزام بمبدأ الصين الواحدة وعدم استفزازها بتطوير العلاقات مع تايوان عبر تبادل الزيارات والاتصالات مع الجزيرة.

وفي موقف أكثر تشككًا تعزز ألمانيا موقفًا أوروبيًا قويًا تجاه بكين عبر التهديد بفرض عقوبات على 7 شركات صينية ضمن الحزمة 11 على روسيا؛ 2 منها في البر الرئيسي وهي "3 إتش سي سميكوندكتورز" و"كينج-باي تكنولوجي" و5 شركات تقع في هونج كونج هي "سينو إلكتريكس" و"سيجما تكنولوجي" و"آشيا باسيفيك لينكس" و"توردان إندستري" و"ألفا تريدنج إنفستمنتس"، وذكرت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية أن 4 شركات الأولى "3 إتش سي سميكوندكتورز" و"كينج-باي تكنولوجي" و"سينو إلكتريكس" و"سيجما تكنولوجي"، مشمولة بعقوبات أمريكية لعلاقاتها مع المجمع الصناعي العسكري الروسي.

(#) تقليل مخاطر الاعتماد الاقتصادي: رغم أن انقسام المواقف الأوروبية قد يعرقل التصويت على عقوبات ضد الشركات الصينية من الجولة الأولى، إلا أن وجهة النظر الأوروبية للصين يمكن إجمالها في الطبيعة المعقدة للعلاقات الأوروبية مع الصين التي تنطوي على شراكة ضرورية لحفظ الأمن والسلم الدوليين وتشابك اقتصادي عالي المخاطر يتسم بالاعتماد الأوروبي على المواد الخام والمنتجات المصنعة الصينية فضلًا عن التطلع الصيني للتفوق في القطاعات التكنولوجية المتطورة مثل الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي.

ويتخوف المسئولون الأوروبيون مما يعتبرنه تضييق صيني على مناخ الأعمال للشركات الغربية خاصة تجاه مؤسسات جمع البيانات والمعلومات مثل شركات الاستشارات ومراكز الأبحاث في ضوء تعديل قانون مكافحة التجسس في أواخر أبريل 2023 الذي يشمل كافة الوثائق والبيانات والمواد المرتبطة بـ"الأمن والمصالح الوطنية"، بعدما كان مقتصرًا على "أسرار الدولة"، حسب صحيفة وول ستريت جورنال.

التبادل التجاري بين أوروبا والصين

وبات توظيف الاعتماد الاقتصادي لخدمة أغراض سياسية واستراتيجية أو ما يعرف بسياسة "الإكراه الاقتصادي" هاجسًا ومصدر قلق أوروبي منذ اندلاع الأزمة الروسية الأوكرانية. وكان التحذير الأبرز في هذا الصدد من رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين التي اعتبرت في تصريحات لها 30 مارس 2023 أمام مركز السياسة الأوروبية أن الصين تسعى لتغيير النظام العالمي القائم على القواعد.

يعد التبادل التجاري بين أوروبا والصين صمام الأمان الأول لعلاقات الجانبين حيث يبلغ إجمالي التبادلات بين بكين وبروكسل يوميًا 2,3 مليار يورو، بإجمالي تبادل سنوي يتجاوز 850 مليار يورو، مما يقيد تحركات الجانبين لفك الارتباط الكامل، مع السعي المستمر لتحييد مخاطر الاعتماد الاقتصادي والتكنولوجي من كلا الطرفين.

وبالتوازي مع اتجاه أوروبا للبحث عن بدائل وتقليل الاعتماد الاقتصادي أو الانخراط في التنافس الصيني الأمريكي على صناعات المستقبل (صناعة البطاريات الكهربائية وقطاعات الطاقة المتجددة)، تتجه الصين لتعميق صناعاتها التكنولوجية وتقليص الاعتماد على الاقتصادات الغربية.

تراجع واردات الصين من الرقائق التايوانية-بلومبرج نقلًا عن وزارة مالية تايوان

ويظهر التوجه الصيني خاصة في قطاع الرقائق الإلكترونية والمعدات المرتبطة بها على ضوء دخول هولندا وتايوان واليابان دائرة الحظر على تصدير الرقائق المتطورة ومعدات صناعتها إلى بكين، حيث أشارت صحيفة جلوبال تايمز الصينية في 25 أبريل الماضي إلى توجه المقاطعات والسلطات المحلية الصينية في شنجهاي وتيانجن لتعزيز الابتكار في الصناعات الداعمة لصناعة الرقائق، في إطار خطة عمل وطنية في الفترة من 2023-2025 لتطوير صناعة الرقائق المتخصصة ودعم صناعة الروبوتات.

وختامًا؛ تتسم العلاقات الأوروبية الصينية بالتعقيد البالغ في ظل موقف بروكسل وبكين من أطراف الأزمة الروسية الأوكرانية وتشابك ملف العلاقات بـ"الصراع الاستراتيجي" بين الولايات المتحدة والصين على قمة النظام العالمي، وعلى الرغم من اتجاه كلا الجانبين لتقليص الاعتماد الاقتصادي والتكنولوجي، إلا أن إدراكًا مشتركًا لأهمية الحفاظ على توازن القوى والحد من الاستقطاب الدولي في حماية مصالحهما قد يقود لتسوية مقبولة بين الطرفين لنقاط الخلاف ومعالجة التباينات على المستوى الدولي في إطار التواصل والحوار.

وسوم :