في خضم انشغال العالم أجمع بالحرب الروسية الأوكرانية، التي اندلعت في 24 فبراير 2022، ومآلاتها على المجتمع الدولي؛ برزت إيران كأحد الفاعلين المؤثرين في اتجاهات الحرب، محملة الدول الغربية عبء التفكير ليس فقط في كيفية مواجهة روسيا ودفعها عن التقدم، بل في إيجاد حل للدعم الذي قدمته طهران لموسكو، المتمثل في الطائرات المسيرة "الدرونز" متعددة الأنواع، والصواريخ الباليستية، فضلًا عن بروز عدد من مستشاري الحرس الثوري الإيراني بهذه الحرب، لتدريب القوات الروسية على كيفية استخدام تلك الأسلحة.
وبمناسبة مرور عام على هذه الحرب التي غيّرت مجريات الخريطة الدولية، وأثرت بشكل جلي على مختلف القضايا بدول العالم أجمع من شرقه إلى غربه، ومن شماله إلى جنوبه؛ سنحاول في هذا التحليل، الإجابة على عدة تساؤلات، وهي: ما الدور الذي لعبته إيران خلال عام من اندلاع الحرب؟ وما الذي ستقدمه إيران لروسيا خلال العام الثاني؟
أدوات الدعم:
لمعرفة ما الذي ستقدمه إيران لموسكو خلال العام الثاني من الحرب التي لم تحسم حتى الآن، ينبغي أولًا معرفة كيف تفاعلت إيران معها، وما أدوات الدعم التي قدمتها للحليف الروسي خلال عام من الحرب، وهو ما يمكن إبرازه كما يلي:
(*) تحميل أمريكا مسؤولية التصعيد في أوكرانيا: لم تترك السلطات الإيرانية أي حدث إلا باتهام الولايات المتحدة الأمريكية بالمسؤولية عنه، فإذا وقعت احتجاجات أو انفجارات أو أي أحداث داخل إيران تتهم فيه واشنطن، وحتى عندما اندلعت الحرب الروسية الأوكرانية كان أول رد فعل هو تحميل أمريكا المسؤولية، وجاء على لسان المرشد الإيراني علي خامنئي، في تغريدة على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي "تويتر" مطلع مارس الماضي، قائلًا إن "إيران تؤيد وقف الحرب في أوكرانيا وتريد أن تنتهي الحرب هناك، ولكن العلاج لأي أزمة يصير ممكنًا حين تُعرف جذورها.. جذور الأزمة الأوكرانية من سياسة صنع الأزمات الأمريكية، وأوكرانيا ضحية لهذه السياسة"، ورد الفعل هذا برز أيضًا على لسان حسن شريعتمداري، ممثل المرشد الإيراني، وعدد من نواب مجلس الشورى الإسلامي الإيراني، معتبرين أن ما تشهده الدولة الواقعة بشرق أوروبا ناجم عن ثقتها في أمريكا.
(*) تحول الموقف الإيراني بتأييد علني لروسيا: رغم الانتقادات التي طالت روسيا من دول عدة جراء رفضها لما أسمته "عملية عسكرية خاصة"، ونفي إيران لاتهامها بدعم موسكو ضد كييف، فإن طهران لم تستطع كثيرًا إخفاء دعمها للجانب الروسي، وهو ما أكده "خامنئي" خلال لقائه مع الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" في يوليو الماضي، إبان زيارة الأخير طهران (أول زيارة منذ اندلاع الحرب) لعقد قمة مع نظيريه الإيراني والتركي بخصوص الأزمة السورية، وقال المرشد لـ"بوتين": "إذا لم تكن قد بادرت في قضية أوكرانيا فإن الطرف المقابل (حلف الناتو) يأخذ زمام المبادرة ويعمل لإثارة الحرب تحت ذريعة شبه جزيرة القرم".
(*) الترويج لوساطة إيرانية لوقف حرب أوكرانيا: نظرًا لعلاقاتها الجيدة مع روسيا، روّجت إيران أن بعض الدول الأوروبية طالبتها بالتوسط لحل أزمة الحرب الأوكرانية، وهو ما أعلنه مساعد الرئيس الإيراني للشؤون السياسية، محمد جمشيدي، في تغريدة على حسابه بموقع "تويتر"، في أغسطس الماضي، قائلًا: "أحد كبار رؤساء أوروبا الغربية طلب من الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي المساعدة في التوسط لحل أزمة الحرب في أوروبا"، وأفادت وكالات الأنباء الإيرانية بأن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون هو من طلب ذلك، إلا أن باريس لم تعلق على تلك المزاعم، ومن جهة أخرى، فإن وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان، في أول زيارة له إلى موسكو بعد الحرب في مارس الماضي، كشف عن تسليم نظيره الروسي سيرجي لافروف، خلال مؤتمر صحفي مشترك، رسالة حملها من نظيره الأوكراني ديميترو كوليبا، لمطالبة موسكو بوقف هجومها وإبرام تسوية سياسية، ورد "لافروف" على هذه الرسالة بإعلان استعداد بلاده لوقف الحرب ولكن بعد القضاء على من وصفهم بـ"الراديكاليين أو النازيين الأوكران" على حد قوله. وبعد ذلك، أفاد الرئيس الإيراني، خلال مباحثات هاتفية مع نظيره الروسي، في يونيو الماضي، بعرضه استعداد طهران للتوسط لوقف الحرب في أوكرانيا، وبعد مرور عام من اندلاع الحرب لم تنجح أي محاولة إيرانية للتوسط بين الطرفين الروسي والأوكراني.
(*) دعم الجيش الروسي بالمسيرات والصواريخ إيرانية الصنع: استند الحضور الإيراني في الحرب الروسية الأوكرانية على تقديم أداوت الدعم العسكري للحليف الروسي، وكانت بداية الإعلان عن إرسال طهران أسلحة إلى موسكو، في يوليو الماضي، على لسان مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض جيك سوليفان، الذي كشف وقتها عن حصول بلاده على معلومات تفيد باستعداد إيران لتزويد روسيا بمئات الطائرات بدون طيار، ذات القدرات القتالية العالية لمساعدتها في الحرب، وكشف أيضًا بأن وفدًا روسيًا زار طهران مرتين، في يونيو ويوليو الماضيين، لمعاينة المسيرات الإيرانية التي ستسلمها موسكو، وهو ما أكدته القوات الأوكرانية بأن الدرونز التي أسقطتها، هي "إيرانية الصنع" ، وكانت من طرازات مختلفة، أغلبها "شاهد- 136" و "مهاجر- 6"، و"أراش- 2"، وأمدت الجانب الروسي بصواريخ أرض- أرض، كما توجه مستشارين من الحرس الثوري إلى شبه جزيرة القرم لتدريب القوات الروسية على استخدام الأسلحة الإيرانية، وفقًا لما أعلنه المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض "جون كيربي" في أكتوبر الماضي، وهذا الأمر دفع كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لفرض عقوبات على إيران، التي حاولت نفي إمدادها لروسيا بالمسيرات، إلا أنها وبعد فرض العقوبات اعترفت بإمدادها موسكو بالدرونز، إذ أفاد وزير خارجيتها "عبداللهيان" في نوفمبر الماضي، بأن بلاده أرسلت عددًا صغيرًا من المسيرات لموسكو قبل أشهر قليلة من اندلاع الحرب.
توجهات إيرانية:
في ضوء وسائل الدعم الإيرانية السالف ذكرها، هناك بعض الخطوات المتوقع أن تتخذها إيران خلال العام الثاني من الحرب الروسية الأوكرانية، يمكن استعراضها على النحو التالي:
(*) الدعم البري: بعد تقديم المسيرات والصواريخ ودعم الخبراء الإيرانيين إلى موسكو، فإن هناك بعض التوقعات بأن تواصل طهران -وفي ظل استمرار الضغط الغربي بفرض عقوبات عليها- دعمها للحليف الروسي خلال العام الثاني من الحرب، ولكن هذه المرة بتقديم قوات برية عبر ميليشياتها المنتشرة بدول المنطقة، ومن المرجح وفقًا لبعض المراقبين أن ترسل الحكومة الإيرانية ميليشيات على غرار "فاطميون" و"زينبيون" للمشاركة بجانب القوات الروسية في أوكرانيا، نظرًا لتلقي تلك العناصر تدريبات على أيدي "حزب الله" اللبناني، وأيضًا الحرس الثوري الإيراني، ولذلك فهم يتمتعون بخبرات قتالية في حرب العصابات واقتحام المدن واستخدام الصواريخ والطائرات بدون طيار، وحماية ما تعتبره إيران "مصالحها الإقليمية"، ولذا فمن المتوقع أن تعمل تلك الميليشيات بجانب مجموعة فاجنر الروسية التي تقاتل حاليًا في شرق أوكرانيا.
(*) إبرام شراكة دفاعية أوسع مع روسيا: من المتوقع أن تطلب طهران المقابل من روسيا التي تمتلك معدات عسكرية متطورات، أبرزها وأهمها "منظومة الدفاع الجوي الروسية S-400" (نظام دفاع صاروخي عالي الأداء ترغب عدة دول في الحصول عليه)، وخاصة بعد أن كشفت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية عن مصادر استخباراتية في نوفمبر الماضي، أن طهران أبرمت اتفاقًا مع موسكو، سيتم بموجبه الحصول على عدد من طائرات "سوخوي-35" (واحدة من أقوى المقاتلات الروسية في العالم)، وهو ما أكده شهريار حيدري، عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بالبرلمان الإيراني في تصريحات له منتصف يناير الماضي، بأن مقاتلات سوخوي 35 ستصل إلى بلاده في 21 مارس المقبل، وهو الأمر الذي سيسهم في تعميق التحالف العسكري بين إيران وروسيا.
(*) التعاون مع موسكو في تطوير البرنامج النووي الإيراني: سيستغل الجانب الإيراني انشغال القوى الغربية بالحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها السلبية على الاقتصاد وأسواق النفط العالمي، وسيتجه لتطوير برنامجه النووي، خاصة بعد توقف مفاوضات إحياء الاتفاق النووي في فيينا أخيرًا، ووصولها إلى "طريق مسدود"، على حد قول مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، في سبتمبر الماضي، وضعف عملية الرقابة الدولية على البرنامج النووي الإيراني.
وعليه، فإن طهران ستحاول الاستفادة من الضغط الغربي على موسكو وتوظيفه لصالحها وخاصة بالمجال النووي، من خلال تزويد طهران بالتكنولوجيا والعلماء الروس المتخصصين لمساعداتها في صنع وتطوير "أسلحة نووية"، بجانب منظومات صاروخية وتسليحية أخرى، كما رجح بعض المراقبين أن موسكو قد تدعم حليفها الإيراني في منع مجلس الأمن الدولي من اتخاذ أي قرار ضد عدم التزام نظام المرشد بالضمانات النووية المتفق عليها بالاتفاق النووي، وهذا قد يكون السبب في رفض طهران حتى الآن الامتثال لشروط الغرب بشأن إحياء مفاوضات النووي، لأن تعاونها مع موسكو سيجعلها تملك أدوات قوة في إبرام أي مفاوضات مع الغرب.
(*) تعميق التعاون الاقتصادي والتجاري مع روسيا: مع استمرار الحرب الروسية الأوكرانية، ومواصلة الغرب فرض عقوبات على موسكو، واتجاه الدول الغربية للبحث عن بدائل للنفط الروسي، متوقع أن يشهد العام الثاني من الحرب، تطورًا في العلاقة الإيرانية الروسية على الصعيدين التجاري والاقتصادي، إذ إن موسكو تبحث عن حليف لإنقاذها من أي تدهور في اقتصادها، وهو ما ستستغله طهران التي تعاني من تدهور في اقتصادها جراء العقوبات الأمريكية والأوروبية المفروضة عليها، وهو ما يفسر تبادل الزيارات بين وفود البلدين بالفترة الماضية.
تأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن الحكومة الإيرانية لن تترك الحرب الروسية الأوكرانية تمر مرور الكرام دون تحقيق مكاسب لصالحها، إذ إن هذه الحرب جاءت بمثابة "الفرصة" لإيران لتخفيف الضغط الغربي عليها حتى لو بنسبة بسيطة، وصرف الأنظار عما يحدث في الداخل الإيراني من احتجاجات نجحت طهران في إخمادها بعد أشهر عدة، وعليه فإن العام الثاني من الحرب سيدفع طهران لتحصيل منافع لم تستطع الحصول عليها في العام الأول، إذ إنها تدرك جيدًا أن تعميق تعاونها مع موسكو على الأصعدة كافة؛ قد يكون "أداة ضغط" على الغرب وتحديدًا واشنطن التي تريد "عزل روسيا"، ومن ثم إحياء الاتفاق النووي ورفع القيود المفروضة على النفط الإيراني.