كشفت أزمة زلزال سوريا وتركيا، خاصة تداعياته في الشمال السوري، عن تحرك فردي من قِبل الدول العربية والإقليمية، مع غياب هيئات أو منظمات عربية أو إقليمية مشتركة ومتخصصة في هذا النوع من الكوارث وغيرها، وهو الأمر الذي يدعو لضرورة تفعيل دور المنظمات الإقليمية والعربية في الأزمات المقبلة، وخاصة أن تأثير التغيرات المناخية سيتجاوز الحدود السياسية بين الدول، وبالتالي تحتاج الفترة المقبلة لحد أدنى من التنسيق ودرجة معتبرة من التكامل في أعمال الإغاثة.
وفي ضوء ما تقدم، وفي ظل تعاظم خسائر الزلزال البشرية (تزيد على 30 ألف ضحية في تركيا وسوريا) والمادية (تكلفة أولية 50 مليار دولار)، فضلًا عن الأوضاع الإنسانية والأمنية الصعبة في المناطق المتضررة التي تشهد أدوارًا فردية مع غياب أدوار التجارب العربية والإقليمية في الأزمة الحالية، وتراجع فاعلية الأطر والمنظمات الدوليةـ يتطرق هذا التحليل إلى أبرز الترتيبات والأنظمة الإقليمية لمواجهة الكوارث الطبيعية وأهميتها في مواجهة مثل تلك الكوارث بالتطبيق على حالة زلزال شرق المتوسط.
التجارب الإقليمية لإدارة الكوارث:
تسببت الكلفة الكبيرة للكوارث الطبيعية وعلى رأسها الزلازل وموجات التسونامي التي تتبعها في مناطق البحار المفتوحة والمحيطات في تعزيز الترتيبات الإقليمية لمواجهة آثار تلك الكوارث البيئية وتداعياتها الاجتماعية والاقتصادية، وتقديم الاستجابة الفورية لجهود الإغاثة والإنقاذ وتتمثل في المؤسسات والآليات التالية:
(*) الوكالة الكاريبية لإدارة الطوارئ في حالات الكوارث: معنية بالإدارة المتكاملة للكوارث على نطاق إقليمي، مثل التي تأسست في 1991 تحت مسمى "الوكالة الكاريبية للاستجابة الطارئة للكوارث"، التي كانت معنية حينها بتنسيق لاستجابة وجهود الإغاثة. وتضم حاليًا 19 دولة في منطقة الكاريبي التي يغلب على تكوينها الدول الجزرية الأكثر عرضة للكوارث الطبيعية. وأخذت المنظمة على عاتقها منذ 2009 الإدارة المتكاملة لمواجهة الكوارث بين دولها، وتتكون الوكالة من 3 أجسام تنفيذية أعلاها مجلس الوكالة من رؤساء حكومات الدول المشاركة أو ممثليهم وهو المعني بوضع سياسات الوكالة، يليه لجنة الاستشارات الفنية التي تساهم في وضع رؤية شاملة لمواجهة وتحديد أدوار الدول المساهمة في الإدارة المتكاملة لمواجهة الكارثة، وتتكون من أربع لجان فرعية معنية بمتابعة وتطوير خطط العمل وتقليل خسائر وأضرار الكوارث، ثم وحدة التنسيق المعنية بأربعة برامج رئيسية هي الإدارة والتمويل، والبحث والتطوير، والتعليم وإدارة المعلومات والاتصالات، والاستجابة والاستعداد المسبق. وتعد أهم مكون في آلية الاستجابة الإقليمية وحدة الإغاثة من الكوارث ومقرها في بربادوس، وتتألف من عناصر عسكرية وأمنية مهمتهم إدارة عمليات الإغاثة وتأمين الاتصالات الطارئة وإصلاح المرافق الحرجة لاستمرار الحياة وتسهيل جهود الإنقاذ في المناطق المنكوبة.
(*) مركز آسيان للمساعدة الإنسانية في إدارة الكوارث: ويأتي كجزء من استجابة رابطة جنوب شرق آسيا "آسيان" للكوارث الطبيعية التي تضرب بعضًا من دولها، انبثق المركز عن اتفاقية آسيان لإدارة الكوارث والاستجابة الطارئة التي وقعت في 2005، ودخلت حيز التنفيذ في ديسمبر 2009.
(*) اتفاقية الاستجابة السريعة للكوارث: تابعة لرابطة جنوب آسيا للتعاون الإقليمي وتضم عدة دول على رأسها كل من الهند وباكستان. ويستوجب تفعيل التعاون طلب الدولة المتضررة للمساعدة من الدول الأعضاء لتجاوز أضرار الكارثة حجم إمكانياتها وقدرتها على الاستجابة. ويتولى أمين عام الرابطة الإشراف على الجهود الجماعية لدول الرابطة من خلال تحديد الآليات والأجهزة الفاعلة في جهود الإغاثة وعلى رأسها مركز إدارة الكوارث.
(*) مركز تنسيق الاستجابة الطارئة الأوروبي: لا تزال بعض التكتلات الإقليمية تعزز قدراتها على الاستجابة من خلال استحداث منصات لتنسيق الجهود والانتقال تدريجيًا إلى التكامل في مواجهة الكوارث الطبيعية وغير الطبيعية في الوحدات الأساسية المكونة لها أو تلك التي تؤثر على أمن بلدانها واستقرار مواطنيها. وعلى رأس تلك التكتلات الاتحاد الأوروبي الذي يتولى تنسيق الاستجابة والمساعدة أو مشاركة التجارب من خلال مركز تنسيق الاستجابة الطارئة، الذي يشرف بدوره على عمل آلية الحماية المدنية التي يتم تفعيلها في مواجهة الكوارث. وفي مسعاها لتطوير الاستجابة الطارئة أسست بروكسل وحدة الإنقاذ الأوروبية "rescue ريسك إي يو" التي تمتلك مخزونًا من المواد وقدرات الاستجابة الطارئة من الطائرات والمروحيات المكافحة للحرائق وطائرات الإجلاء الطبي، فضلًا عن المستشفيات الميدانية والمستلزمات الإغاثية والطبية الطارئة كالخيام والوحدات السكنية المؤقتة.
(*) مركز مجلس التعاون الخليجي لإدارة حالات الطوارئ: التابع لمجلس التعاون لدول الخليج العربية الذي جاء نتاجًا لقمة قادة المجلس في ديسمبر 2011 ومقره في دولة الكويت والمسؤول عن تعزيز قدرات دول المجلس وتنسيق جهودها في مواجهة الحالات الطارئة "خلال مراحل دورة حياتها المختلفة"، وحدد النظام الأساسي لإنشاء المركز مهامه في الاستفادة من خبرات مراكز التنبؤ الدولية بالكوارث، وتعزيز تدريب وتأهيل الكوادر وتشجيع البحث العلمي في دول المجلس بذلك المجال، وربط المركز بالهيئات الوطنية لمكافحة الكوارث ووضع أدلة استرشادية لخطط إدارة الكوارث. كما تضمنت ليس فقط دعم جهود دول المركز في إدارة ومواجهة الكوارث الطبيعية وغير الطبيعية، وإنما في دعم الدول من خارج المجلس طالما أثرت تلك المخاطر والحالات الطارئة على دول الخليج.
محددات الفاعلية:
رغم قدم بعض المنظمات الإقليمية على تشكل النظام الدولي الحالي، إلا أنها تمثل جزءًا من صورة أكبر، تفيد بعدم كفاية الإطار الدولي الراهن في معالجة تحديات الوحدات الدولية الأقل غنى أو كفاءة مالية وإدارية على مواجهة الكوارث، وبالتالي كان التوجه إلى تنسيق الجهود
(*) القضايا السياسية الإقليمية: يعتمد ذلك على وجود درجة من التوافق كان الغياب أو الحضور السلبي لبعض المنظمات الإقليمية المختصة بمواجهة الكوارث الطبيعية علامة استفهام بارزة على غرار الغياب الواضح لمركز إدارة الكوارث التابع لرابطة جنوب آسيا في مواجهة فيضانات باكستان ويعود ذلك إلى الصراع الممتد بين إسلام آباد ونيودلهي، نظرًا لدور الأخيرة المؤثر في المنظمة نتيجة لمكانتها وملاءتها المالية مقارنة بباقي أعضاء المنظمة، وتأثرت الرابطة بصورة كبيرة بتوجهات الجارين واختلافهما في السياسات الأمنية الإقليمية التي تسببت في شل قدرات المنظمة ومنعت التئام اجتماع وزراء خارجيتها السنوي للعام الثاني على التوالي منذ استيلاء حركة طالبان على السلطة في أفغانستان.
(*) القضايا التنظيمية والتمويلية: تتحدد فاعلية بعض الترتيبات الإقليمية بالطبيعة التنظيمية الحاكمة لتنسيق وإرسال المساعدات والتي لا ترتبط بقدرات إقليمية مستقلة عن قدرات الدول الأعضاء. ويطور الاتحاد الأوروبي آلياته السياسية والأمنية في مواجهة الكوارث الطبيعية بدوله أو خارجها وإن اتسمت الاستجابة الأخيرة في زلزال شرق المتوسط على فرق إنقاذ من دول الاتحاد تحت إشراف منسق إدارة الأزمات بالاتحاد يانيز لينارتشيتش. بحسب موقع مركز تنسيق الاستجابة الطارئة الأوروبي، فعّل المركز آلية الحماية المدنية منذ عام 2001، لنحو 600 مرة في مواجهة مخاطر طبيعية وغير طبيعية (فيضانات وزلازل وبراكين وانفجارات وحرائق وتفشي كورونا) في أوروبا وإفريقيا وجنوب آسيا وأمريكا الجنوبية، منها 114 مرة فقط في عام 2021، في دلالة على تعاظم قدرات "تنسيق" الاستجابة الأوروبية.
(*) حدود الولاية: من شروط الفاعلية كذلك امتداد عمل الترتيبات الإقليمية لمواجهة الكوارث أبعد من حدود المنظمة ووحداتها السياسية طالما امتدت أي من التداعيات إليها أو عبرت تلك المهام عن منظمات إقليمية نافذة على الصعيد الدولي، على غرار التكتل الأوروبي الساعي لتأطير سياسة إنسانية أوروبية ضمن منظومته "الجيوثقافية".
مؤشرات مهمة:
إن إدارة الاستجابة الطارئة للكوارث والمخاطر الطبيعية وغير الطبيعية التي لا تعترف بالحدود السياسية بين الدول، بل هي عملية متعددة المراحل والأوجه تتطلب معها حد أدنى من التنسيق ودرجة معتبرة من التكامل في أعمال الإغاثة انطلاقًا من جهود البحث والإنقاذ وتوفير الرعاية الطبية والمعيشية اللازمة في المناطق المتضررة المعرضة إلى انتشار أوبئة وأزمات صحية لاحقة، ناهيك عن امتصاص المخاطر الأمنية المتوقعة نتيجة الغضب الشعبي أو الفراغ الأمني والشعور بتراجع سلطة الدولة. وتشير إلى المؤشرات التالية:
(*) أهمية النظم الإقليمية: يطول الجدل حول فاعلية النظم الإقليمية لمواجهة الكوارث تبعًا لحجم التباين السياسي والتفاوت الاقتصادي بين الدول أصحاب المصلحة، لكنها تؤدي دورًا هامًا في تسريع الاستجابة على تلك التحديات الطارئة سواء كان ذلك عبر سلوك طوعي نابع من إدراك تلك الدول لحجم المخاطر خاصة في البحار المفتوحة والمحيطات وبالتحديد الدول الجزرية أو الدول الواقعة بمناطق النشاط الزلزالي على حواف الصفائح التكتونية، أو بدعم من المنظمات الحكومية الدولية التي يتركز النشاط الأبرز لها في تقديم المساعدة الفنية وحشد التبرعات من الدول الكبرى. كما أظهرت بعض النظم الإقليمية قدرتة على تقديم المساعدة للمناطق المجاورة إلا أنها أثبتت في ذات الوقت عجز الأطر المعولمة عن سد الفجوة الناجمة عن غياب الترتيبات الإقليمية المعنية بإدارة الكوارث فضلًا عن الافتقار إلى قدرات الإنذار المبكر للتنبؤ بوقوع تلك الظواهر الطبيعية المدمرة.
(*) تراجع فاعلية الأطر والمنظمات الدولية: لا تنفك مشاهد كارثة زلزال شرق المتوسط عن أزمات أخرى واجهها العالم في العام المنصرم والذي شهد واحدًا من أعنف الفيضانات في باكستان أسفر عن دمار واسع بواقع 72 مقاطعة منكوبة، و33 مليون مواطن متضرر فضلًا عن مخاوف انتشار الأوبئة، وفشل الأمم المتحدة في جمع المساعدات المالية اللازمة. إذ تشير بيانات خدمة المرصد المالي بمكتب تنسيق الشئون الإنسانية الأممي، إلى وجود فجوة تمويلية سنوية في ميزانية الدعم الإنساني الأممي لإسلام آباد في عام 2022 بنسبة تقترب من 32% تقريبًا، حيث لم تنجح الوكالات الأممية في جمع أكثر من 321,6 مليون دولار، من إجمالي 472,3 مليون دولار.
وتأسيسًا على ما سبق؛ باتت النظم الإقليمية حاضرة في مواجهة الكوارث كجزء من تحول أوسع تحت مظلة تعزيز أطر التعاون الإقليمي لمواجهة التحديات وتحقيق التطلعات المشتركة، لعل أبرزها بروز تفاهمات وترتيبات إقليمية غير تقليدية في مجالات بعينها على غرار ملف الطاقة والتكامل الخليجي والتعاون الواعد بين العراق ومصر والأردن. ويمثل زلزال شرق المتوسط اختبارًا لقدرة دول المنطقة على مواجهة الكوارث مع عدم كفاية آليات تنسيق المواجهة بين دول الإقليم العربي، سوى بتعظيم التعاون بين القوى التي انخرطت على مدار عقد من الزمن في جهود استعادة الاستقرار وإعادة الاعتبار لنموذج الدولة الوطنية العربية.