الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

هل يتراجع الدولار عالميا بعد قمة "بريكس 2023" بجنوب إفريقيا؟

  • مشاركة :
post-title
مستقبل الدولار بعد قمة "بريكس" 2023 بجنوب إفريقيا

القاهرة الإخبارية - رضوى محمد

في يومي 2 و3 يونيو المقبل، تجتمع مجموعة "بريكس" في قمتها السنوية الـ15 بدولة جنوب إفريقيا، لمناقشة توسيع عدد أعضائها بعد تلقيها طلبات انضمام من 19 دولة. وعليه، وفي ظل سعى "بريكس" إلى زيادة العلاقات الاقتصادية بين أعضائها وغيرهم، وتقليل الاعتماد على الدولار، تحاول المنظمة وفقًا لخبراء الاقتصاد إنشاء نظام مالي عالمي جديد، يهدف إلى استبدال الدولار في المعاملات الدولية، سواءً بين دولها أو حتى بينها وبين غيرها من الدول غير المنضمة.

وفي ظل ترقب العالم، وبالتحديد الولايات المتحدة الأمريكية لمخرجات القمة الـ15 لبريكس، وتخوفاتها من خطورة توسيع المنظمة على مستقبل الدولار، خاصة بعد التوقعات التي رصدها كتاب "الأب الغني والأب الفقير" لـ"روبرت كيوساكي"، الذي أعرب عن قلقه من أن الدولار قد يفقد قيمته و"يصبح ورق تواليت"، يبقى السؤال: هل تأخذ هذه القمة مبادرة اتفاق حول إصدار العملة الجديدة كبديل للدولار الأمريكي، خاصة بعد أن أصبح "بنك التنمية الجديد"، التابع للمنظمة حديث الخبراء، باعتباره بمثابة البديل عن البنك الدولي وصندوق النقد، بعد أن بلغ رأس ماله 50 مليار دولار؟ وما هي التأثيرات المحتملة لعملة "بريكس" على هيمنة الدولار الأمريكي؟

أين وصلت "بريكس":

الشكل رقم (1).. النمو الاقتصادي لدول مجموعة بريكس- المصدر: بيانات البنك الدولي

قراءة وتحليل أرقام الشكل رقم (1) توضح حدوث تطور كبير في المستوى الاقتصادي لمجموعة "بريكس"، إذ يمثل اقتصاد البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، ما يقرب من ربع الاقتصاد العالمي، ووفقًا للشكل السابق ساهمت هذه الدول بأكثر من نصف النمو العالمي في عام 2016، وتنتج 30% مما يحتاجه العالم من السلع والمنتجات، فيما يمثل تعداد مواطنيها 40% من عدد سكان العالم، وتستحوذ الصين على أكبر قيمة للناتج المحلي الإجمالي، وتعتبر من أكبر الاقتصاديات الموجودة في هذه المجموعة، وعليه تسعى إلى تداول عملتها "اليوان" كعملة دولية.

إضافة إلى ما سبق، يشير الشكل السابق، إلى أن الدول المشاركة في المجموعة لا تساهم بتحقيق معدلات نمو اقتصادية عالية، باعتبار أن هدفها الأسمى يتمثل في جذب الاقتصادات النامية والناشئة التي عانت من تجارب مؤلمة تحت وطأة برامج تقشف صندوق النقد الدولي.

وكشفت الأرقام الأخيرة التي يرصدها الشكل السابق عن تفوق مجموعة "بريكس" على دول مجموعة السبع الأكثر تقدمًا في العالم، والتي تضم كندا، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، واليابان، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة، إذ تتحكم مجموعة بريكس في 50% من احتياطي الذهب والعملات، كما يظهر أداء دول المنظمة أن حصيلة الصادرات السلعية للمجموعة في نهاية عام 2021 بلغت 4.6 تريليونات دولار، وهو ما يمثل 20.7% من إجمالي الصادرات السلعية للعالم، في حين بلغت الواردات السلعية في نفس العام للمجموعة 3.9 تريليونات دولار، بما يمثل 17% من إجمالي الواردات السلعية للعالم، في حين بلغت الصادرات السلعية لمجموعة السبع الصناعية 6.3 تريليونات دولار، بما يمثل 28.1% من إجمالي الصادرات السلعية للعالم، فيما بلغت الواردات السلعية لنفس المجموعة وفي نفس التاريخ نحو 7.6 تريليونات دولار، بما يمثل 33.5% من إجمالي الواردات السلعية للعالم كما يوضح الشكل المقابل.

تأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن التقدم الاقتصادي الواضح الذي كشفته أرقام الشكل رقم (1)، ورغبة روسيا والصين في تحجيم الهيمنة الأمريكية، خاصة بعد الأزمة الروسية الأوكرانية، أدى إلى إبداء "بريكس" رغبتها في إصدار عملة جديدة بديلة للدولار، متشكلة من سلة عملات الدول الأعضاء؛ لتشكيل نظام متعدد الأقطاب.

القمة الـ15 ومستقبل الدولار:

من المرجح أن سعي الدول الخمس المكونة لتحالف "بريكس" إلى القضاء على هيمنة الدولار في التبادلات التجارية الدولية، سينعكس إيجابيًا على دول الشرق الأوسط، التي لديها تبادل تجاري ضخم مع روسيا والصين، إذ وافق البنك المركزي الروسي في بداية عام 2023 على اعتماد الجنيه المصري، والدرهم الإماراتي، والريال القطري بحيث تكون من العملات المقبولة في التبادل التجاري مع موسكو.

لكن هيمنة الدولار الأمريكي في النظام المالي العالمي، الذي تدعمه الأسواق الأمريكية، يجعل زحزحته في غاية الصعوبة، وهو ما يشكل تحديًا كبيرًا لعملة "بريكس"، إذ يُمثِّل الدولار العملة الاحتياطية الأوسع انتشارًا في أرجاء العالم، كما يوضح الشكل رقم (2) أن الاحتياطي العالمي من العملات الأجنبية بالدولار الأمريكي نحو 61%، وهو العملة الأساسية في التجارة العالمية، والعملة الريادية في المؤسسات المالية العالمية، كما يسيطر الدولار أيضًا على الأسواق العالمية للأسهم، وعلى أسواق السلع والودائع البنكية، والتمويل الإنمائي والاقتراض.

الشكل رقم (2) - المصدر: ريفينيتيف

وبالتالي، وفقًا لقراءة وتحليل الأرقام التي يعرضها الشكل السابق، تظهر مجموعة من التحديات تواجه مجموعة "بريكس" لتنفيذ نظامها المالي المقترح، هي كالآتي:

(*) قدرة الأسواق الناشئة على الانضمام إلى التكتل: بالرغم من أن البعض يتوقع أن يشهد التكتل مزيدًا من الزخم في ظل وجود رغبة حقيقية من عدة دول في الانضمام إليه، مثل مصر والسعودية والجزائر وتركيا والأرجنتين، فإن ذلك النجاح لا يزال مرهونًا بأمرين؛ أولهما، درجة الضغط الأمريكي على تلك الدول لإجبارها على عدم الانضمام إلى تجمع غير متحالف مع النظم الاقتصادية الغربية، خاصةً أن الدول الراغبة في الانضمام لا تزال في حاجة كبيرة إلى مساعدات المؤسسات الاقتصادية الغربية، وثانيهما، درجة اتساق المواقف السياسية والاقتصادية للدول الأعضاء، خاصةً تركيا التي تتمتع بعضوية حلف الناتو؛ الأمر الذي قد يزيد التعقيدات حول مدى تقارب وجهات النظر فيما بينها.

(*) مشكلة الاتفاق على إزالة "الدولرة": تقود كل من روسيا والصين مبادرة لإزالة الدولرة داخل دول "بريكس"، وأيَّدت الهند والبرازيل وجنوب إفريقيا تلك المبادرة، وظهر ذلك جليًا عندما اتجهت كل من الصين والهند إلى تنشيط حركة التجارة الدولية مع روسيا باستخدام العملات المحلية الثلاث، ومن ثم سيعتمد نجاح أداء هذا التكتل على مدى قدرته على تقليل الاعتماد على الدولار في المبادلات الدولية، على الأقل فيما بين أعضائه، خاصةً أن دول التجمع، ما عدا روسيا، لا تزال تتمتع بعلاقات اقتصادية وثيقة بالدول الغربية، ومن ثم سيصعب عليها فكرة التخلي الكامل عن استخدام الدولار والاعتماد على سلة عملات "بريكس" فقط. وما سيعقد الأمور أكثر هو احتمالات انضمام دول أخرى إلى المنظمة، ومدى قدرتها على التخلي عن الدولار واستبداله بعملات أخرى.

(*) التأثير المعاكس للنزاعات الداخلية: تُواجِه دول "بريكس" نزاعات وخلافات داخلية فيما بينها، منها خطة توسيع عضوية التجمع؛ حيث قد تعوق نيودلهي مساعي بكين لإدراج أعضاء جدد بالتجمع، نتيجة عدم رغبتها في رؤية المزيد من الأعضاء في مجموعة تلعب فيها الصين دورًا مهيمنًا؛ لأنها تخشى المزيد من النفوذ الصيني على الصعيد العالمي، كما أن نجاح هذا التكتل سيعتمد على مدى قدرة البلدين على إدارة خلافاتهما حول هذه القضية وغيرها من القضايا، بما فيها نزاعاتهما الحدودية المستمرة؛ وذلك بما يتناسب مع مصالحهما المشتركة، وبما يتشابه مع شراكتهما داخل منظمة شنغهاي للتعاون.

(*) عدم التوحد في السياسة الخارجية: قد تتَّفق بكين وموسكو على اتخاذ مواقف أكثر صرامةً ضد الغرب، لكن نيودلهي لا ترغب في انتقاد الغرب صراحةً؛ إذ تفخر بـاستقلاليتها الاستراتيجية وسياسة عدم الانحياز؛ فعلى سبيل المثال انتقدت موسكو وبكين تحالفَي "أوكوس" و"الرباعية" باعتبارهما امتدادًا للناتو في آسيا، لكن هذا لم يمنع نيودلهي من التعهُّد بدعم مبادرات المجموعتين في المحيطين الهندي والهادئ، ما لم تتعارض مصالحهما مع أهدافها في المنطقة، لا سيما أنها أحد أعضاء "الرباعية"، ومن ثم فإن من الصعب نجاح أهداف "بريكس"، في ظل وجود وجهات نظر متناقضة بين أعضائه حول العديد من القضايا العالمية، خاصةً المتعلقة بنفوذ كلٍّ من روسيا والصين.

في النهاية يمكن القول، إنه حتى وإن أسفر الاجتماع عن إطار توافقي للعملة الجديدة، ويحقق منافع للدول النامية والناشئة ويعمل على تقوية سعر صرف عملتها، خاصة إذا زاد حجم التبادل التجاري بينها وبين دول مجموعة بريكس، فقد يكون من الصعب أن تسفر هذه القمة عن تشكيل نظام عالمي جديد تكون فيه عملة بريكس، هي السائدة بديلًا عن الدولار، وتكمن الحجة في ذلك أن التوقعات بأن السنوات القليلة المقبلة ستشهد انهيارًا للدولار ربما غير مؤكدة، ويرفضها كثير من الخبراء، لأن التحويل من عملة إلى أخرى أو سلة من العملات لا يحدث في ليلة وضحاها. لكن هذا الأمر يستغرق العديد من السنوات لاستقرار الهيكل البديل للدولار في حالة إذا استطاع التغلب على التحديات التي تواجهه، فعملة اليوان الصيني وعملات دول الخليج العربي مرتبطة بالدولار، لذلك من المحتمل أن تتصلب المحاولات الهادفة للتأثير على هيمنة الدولار وإلغائه، إذ إن هناك العديد من المحاولات السابقة التي كانت تهدف لذلك، ولكنها لم تنجح في التأثير على الدولار، حيث إن جانبًا كبيرًا من احتياطيات دول "بريكس" بالدولار الأمريكي واستبداله بعملة أجنبية أخرى سيعرضهم لخسارة شديدة تضرب اقتصادهم، فحجم المعاملات بالدولار كبير جدًا، فقد تمثل التجارة بالدولار 80% من حجم التجارة العالمية، وكما يتم تقييم الديون بالدولار، لذلك نرى أنه من الصعب أن تحل عملة جديدة مقابل الدولار.

وعليه، يمكن القول إن العقوبات الاقتصادية الصارمة على روسيا جعلتها تنحاز وتدعم تطبيق نظام عالمي متعدد الأقطاب والقضاء على هيمنة الدولار العالمية، وعلى الرغم من عدم الاستهانة بالمحاولات الجادة لمجموعة البريكس وتحقيقها طفرات اقتصادية كبيرة، إلا إنه من غير المُرجَّح أن يتحوَّل "البريكس" إلى تكتل بديل للتكتلات الأخرى التي يهيمن عليها الغرب؛ إذ لا تمثل هذه الجهود عملًا مشتركًا وتجمع البريكس لم يتم تطويره بعد ليصل إلى كيان تكاملي ليكون في مجابهة الاتحاد الأوروبي أو مثيلًا له، نتيجة استمرار وجود نقاط خلافية فيما بين أعضائه تجاه عدة ملفات مشتركة، لا سيما أن بعض دول "بريكس"، كالهند والبرازيل وجنوب إفريقيا، ترتبط بعلاقات قوية بالغرب، خاصةً في المجال الاقتصادي.