الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

التداعيات المحتملة لانهيار بنك سيليكون فالي (SVB) على الاقتصاد العالمي

  • مشاركة :
post-title
بنك سيليكون فالي (SVB)

القاهرة الإخبارية - محمود جمال

يُشكل انهيار بنكي "سيجنتشر"، و"سيليكون فالي" ثاني أكبر بنك في أمريكا يعمل في مجال التجزئة المصرفية، والمُقرض الرئيس للشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا ضربة قاصمة لسياسات البنك الفيدرالي الأمريكي في رفع الفائدة، بعد ما عزا العديد من المحللين الاقتصاديين حالة الانهيار التي أصابت عددًا من البنوك الأمريكية إلى سياسات مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي برفع الفائدة لكبح جماح التضخم دون مراعاة للأعراض الجانبية التي قد تؤدي لعجز المؤسسات الاقتصادية في مجاراة هذه السياسة.

تأسيسًا على ما سبق، نبرز في هذا التحليل أسباب الانهيار في بعض المصارف الأمريكية مثل سيجنتشر وسيليكون فالي، وتداعياته على الاقتصاد العالمي، خاصة بعد تحرك السلطات الأمريكية بشكلٍ عاجل للتدخل في الأزمة حتى لا تمتد آثارها عبر المحيط الأطلنطي، حيث الشركاء الأوربيين الذين يعانون منذ فبراير 2022 بسبب الحرب بين روسيا وأوكرانيا، التي أثرت على سلاسل إمداد الغذاء والطاقة الأوروبية.

لماذا حدث الانهيار؟

يمكن رصد ثمة أسباب محتملة أدت لأزمة انهيار بنك سيليكون فالي وبنك سيجنتشر الأمريكيين، هي كالتالي:

(*) رفع البنك الفيدرالي أسعار الفائدة قصيرة الأجل: أدت سرعة وتيرة رفع أسعار الفائدة قصيرة الأجل للبنك الفيدرالي الأمريكي لمحاولة كبح جماح التضخم إلى تحولات حادة ومفاجئة كان أبرزها انهيار أكبر المؤسسات المالية في الولايات المتحدة. وعبَّر محللون ماليون عالميون لمجلة "التايمز" البريطانية في 16 مارس 2023 عن اتهامهم للبنك الفيدرالي بالتسبب في الأزمة؛ بسبب تجاهله بشكلٍ أساسي مخاطر هذه السياسة، وتصرف مع التضخم كأنه مهدد للاستقرار المالي، لدرجة أنه غاب عن رؤية حقيقية مفادها أن مكافحة التضخم يُمكن إذا تم اتباعها بطريقة شديدة القسوة، أن تكون في حد ذاتها تهديدًا للاستقرار المالي.

(*) اعتماد النظام المصرفي على الاستثمار الآمن: رغم أن الاستثمار في السندات الحكومية من أكثر الاستثمارات أمانًا في الولايات المتحدة الأمريكية؛ إذ تقدم معدلات فائدة خالية من المخاطر. ومع انخفاض أسواق السندات بعد سياسة رفع الفوائد من قِبل الفيدرالي الأمريكي التي وقفت حجر عثرة أمام البنوك الأمريكية العاملة في قطاعات التجزئة للوفاء بالتزاماتها تجاه متطلبات عملائها، إلا أن قيمة الأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري تراجعت بسبب أسعار الفائدة المرتفعة.

(*) فشل استقطاب رأس مال جديد: مثَّل فشل بنك سيليكون فالي في استقطاب رؤوس أموال جديدة مقدمة لإعلانه عدم القدرة على الوفاء بالتزاماته تجاه عملائه. وبلغت قيمة بنك "سيليكون فالي" في مطلع مارس 2023 ما يقرب من 17 مليار دولار، ولديه ما يقرب من 200 مليار دولار من ودائع العملاء. ويستثمر بنك "سيليكون فالي" في السندات الحكومية الأمريكية، لذا تأثر بشكل واسع من قرارات الفيدرالي الأمريكي برفع أسعار الفائدة.

(*) الأزمات العالمية: تُعد مسألة انهيار البنوك عرضًا لأزمة مالية ممتدة منذ عام 2020 بسبب جائحة تفشي كوفيد-19، التي أدت إلى ركود عالمي استمر لمدة ثلاث سنوات، ثم تلاها مباشرة الأزمة بين روسيا وأوكرانيا وما تبعها من تأثر لسلاسل إمداد الغذاء والطاقة بسبب العقوبات الغربية المفروضة على موسكو.

استجابة سريعة:

سعت السلطات الأمريكية إلى سرعة احتواء الأزمة التي أصابت بعضًا من بنوكها لتجنب الدخول في أزمة اقتصادية عالمية على غرار ما حدث في 2008، ونشير فيما يلي إلى أبرز هذه الإجراءات:

الرئيس الأمريكي يتعهد بعمل "كل ما هو مطلوب" لحماية النظام المصرفي الأمريكي

(1) تدخل سريع من الحكومة الفيدرالية الأمريكية: نتيجة لحالة الذعر والخوف في الأسواق المالية التي يُمكن أن تؤثر على القطاع المصرفي بشكلٍ كامل؛ إذ انغمس ما يقرب من 12 بنكًا إقليميًا في مخاوف من أن العملاء قد يفرون إلى ملاذات أكثر أمانًا من البنوك، اتخذت وزارة الخزانة الأمريكية والبنك الفيدرالي إجراءات عاجلة من أجل تطمين المودعين لعدم سحب أموالهم من البنوك، وذلك عبر ضمان حصولهم على ودائعهم وأموالهم بشكلٍ كامل حتى مع حل البنوك لنفسها.

(2) تعيين الحراسة القضائية على بنك سيليكون فالي: استحوذت السلطات الأمريكية رسميًا على بنك سيليكون فالي، وعهدت بإدارته إلى الوكالة الأمريكية المسؤولة عن ضمان ودائع العملاء (FDIC) وهي المؤسسة الفيدرالية لتأمين الودائع. ويعني فرض الحراسة القضائية على البنك نقل ودائع البنك إلى بنكٍ آخر، وستتولى المؤسسة الفيدرالية للتأمين على الودائع سداد مستحقات المودعين إلى الحد المؤمن عليه البالغ 250 ألف دولار.

(3) دعم البنوك الإقليمية: قدَّمت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن دعمًا غير مسبوق للبنوك التي قد تعاني من ضوائق مالية بسبب انهيار بنك سيليكون فالي، وذلك للحفاظ على استقرار السوق المصرفية وعدم تسرب آثاره السلبية. وفي هذا الصدد، اقترضت البنوك الأمريكية التي تعاني من ضوائق مالية ما يقترب من 300 مليار دولار من الفيدرالي الأمريكي خلال أسبوع فقط، وفق ما أوردته صحيفة "الجارديان" البريطانية في تقريرٍ لها في 17 مارس عام 2023. وذهب نحو 143 مليارًا من هذه الأموال إلى بنكي سيليكون فالي، وسيجنتشر رغم أن البنك الفيدرالي لم يُشر إلى بقية البنوك التي استفادت من بقية المبلغ، إلا أن التوقعات تشير إلى أن بقية المبلغ ذهب إلى بقية البنوك التي تسعى لجمع الأموال لسداد ودائع عملائها الذين يرغبون في سحب مدخراتهم. وأعلن البنك الفيدرالي عن برنامج طويل الأمد يُسمى "نافذة الخصم" التي تُمكن البنوك من الاقتراض لمدد تصل لـ90 يومًا.

(4) تحرك عمالقة وول ستريت لإنهاء الأزمة المصرفية: وافق عمالقة وول ستريت على اتخاذ مجموعة من الإجراءات العاجلة لإنهاء أزمة بنك فيرست ريبابليك (First Republic) وهو بنك متوسط ​​الحجم تراجعت أسهمه بفعل الاضطراب الكبير الذي يضرب السوق المصرفية الأمريكية أخيرًا. وفي هذا السياق، ستقوم بنوك جولدمان ساكس، وبنك أوف أمريكا، وجي بي مورجان وغيرهم بإيداع مبلغ 30 مليار دولار لتجاوز هذه الأزمة. وتنتشر تخوفات داخل الأوساط المصرفية الأمريكية أن يكون بنك First Republic هو التالي لما حدث في سيليكون فالي.

التداعيات المحتملة:

مع تفاقم الأزمات العالمية منذ جائحة كورونا مرورًا بالأزمة الروسية الأوكرانية، يتخوف العالم من أي انعكاسات سلبية جديدة قد تضر بحركة الاقتصاد العالمي. ويعد انهيار بنكي سيليكون فالي وسيجنتشر أكبر هبوط بنكي منذ الأزمة المالية العالمية في 2008، وثالث أكبر انهيار مصرفي في تاريخ الولايات المتحدة. ونشير فيما يلي إلى التداعيات المحتملة لهذا الانهيار:

(*) انتشار حالة من الذعر واللجوء للملاذات الآمنة: أصيبت الشركات بحالة من الذعر عندما أعلن بنك "سيليكون فالي" أنه كان يبيع بعض سندات الخزانة بخسارة؛ وقدموا النصيحة للشركات التي كانوا يدعمونها بسحب أموالها. وخلال فترة وجيزة، سحب المودعون 40 مليار دولار من الودائع، وانخفضت الأسهم قبل أن تتدخل الإدارة الفيدرالية لإنقاذ الوضع. وأدت أزمة انهيار عددٍ من البنوك الأمريكية إلى إقبال على الملاذات الآمنة من العملات الأجنبية والذهب بسبب القلق من اضطرابات القطاع المصرفي العالمي.

(*) تخوفات من انتقال الأزمة إلى أوروبا: رغم الإجراءات السريعة التي اتخذتها الإدارة الأمريكية للحد من تأثير فشل بنك "سيليكون فالي" إلا أن المستثمرين الأوروبيين يتخوفون من تداعيات الأزمة، وكانت مؤشرات هذا القلق في أوروبا الهبوط الشديد الذي لحق بأسهم البنوك الأوروبية في 14 مارس 2023. وعمل القطاع المصرفي البريطاني فور انهيار بنك سيليكون فالي إلى اتخاذ العديد من الإجراءات بهدف تعزيز الثقة ومنع انتشار العدوى إلى المملكة المتحدة، وتجنب أزمة نقدية يمكن أن تشل الشركات الناشئة في جميع أنحاء المملكة المتحدة.

(*) مخاوف من الركود الاقتصادي: يرى خبراء أن انهيار بنك "سيليكون فالي" قد يتسبب في حالة ركود اقتصادي كبيرة في الولايات المتحدة الأمريكية، وفي حالة حدوث ذلك سيكون الفيدرالي الأمريكي مضطرًا لإيقاف سياسة الزيادة السريعة في أسعار الفوائد. وغالبًا ما كان عملاء هذا البنك من شركات رأس المال الاستثماري، وهو ما يجعل هذا البنك لاعبًا قويًا في الساحة النقدية الأمريكية.

بنك فيرست ريبابليك

(*) تتابع انهيارات البنوك الأمريكية: أفادت وكالة بلومبرج، بتراجع التصنيف الائتماني لبنك "فيرست ريبابليك بنك"، الأمر الذي جعل البنك عُرضة للبيع أو الانهيار كما حدث في بنكي سيليكون فالي وسيجنتشر. وطمأنت شركة "فيرست ريبابليك" عملاءها في بيانٍ لها في 16 مارس 2023 أن لديها أكثر من 70 مليار دولار من السيولة المالية غير المستخدمة، خاصة أن البنك لديه القدرة على الاقتراض من الاحتياطي الفيدرالي والقدرة على الوصول للتمويل من خلال البنك الفيدرالي لقروض الإسكان، ورغم ذلك انخفضت أسهم الشركة بنسبة 21% في 15 مارس 2023.

(*) تضرر العديد من الصناعات: من المُتوقع أن تتعرض العديد من الصناعات التي كان بنك سيليكون فالي مُقرضًا رئيسًا لأنشطتها مثل الأبحاث الطبية، والشركات الناشئة في تكنولوجيا المناخ كشركات توليد الطاقة الشمسية، وشركات إزالة الكربون وتخزينه في البطاريات، وطاقة الرياح. وقد كان البنك الشريك المصرفي الرئيس لما يقرب من نصف شركات التكنولوجيا والرعاية الصحية المدعومة من المشاريع الأمريكية التي تم إدراجها في أسواق الأسهم خلال عام 2022. ويواجه سوق الحرف اليدوية عبر الإنترنت تأخيرًا في إصدار مدفوعات بعض البائعين نتيجة هذه الأزمة.

في الختام، يبدو أن سياسة مجلس الفيدرالي الأمريكي برفع الفائدة ستكون محل مراجعة مستقبلًا، لا سيَّما أن شيرود براون، رئيس لجنة الشؤون المصرفية بمجلس الشيوخ الأمريكي، قال إنه يجب على الكونجرس سن قواعد تنظيمية مالية لتعزيز اختبارات التحمل، ومعايير رأس المال والسيولة لدى البنوك، وأضاف "براون" أنه يأمل ألا يُقدِم مجلس الاحتياطي الفيدرالي على رفع أسعار الفائدة في اجتماعه المُقبل، والمُقرر له يومي 21 و22 مارس من العام الجاري.