لم تراعِ سلطة الاحتلال الإسرائيلي حرمة شهر رمضان المبارك، ودفعت بعناصرها الأمنية فجر الخامس من أبريل 2023، لاقتحام المسجد الأقصى والاعتداء على المعتكفين بطريقة وحشية، بل ومنعت الأطقم الطبية التابعة للهلال الأحمر الفلسطيني من إسعاف الفلسطينيين الذي اختنقوا بالغاز والرصاص المطاطي، إضافة لاعتقال ما يقرب من 400 فلسطيني؛ وهو الأمر الذي استلزم رد فعل عربي بشكل عاجل على هذه الاعتداءات والانتهاكات الجسيمة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني بشكل شبه يومي، على أيدي قوات الاحتلال الإسرائيلي، وبالفعل لم يمضِ سوى وقت قليل على اقتحام الاحتلال للحرم القدسي، حتى لبت الأردن النداء، وكانت أولى الدول العربية التي دعت إلى ضرورة عقد اجتماع طارئ لجامعة الدول العربية على مستوى المندوبين الدائمين، وبالتنسيق مع كل من فلسطين ومصر (بصفتها رئيس الدورة الـ 159 لمجلس الجامعة على المستوى الوزاري).
رد الفعل العربي:
أثار التصعيد الإسرائيلي في المسجد الأقصى المبارك، ردود فعل عربية منددة على مستوى واسع، وعبرت عن استياء دول المنطقة من اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي المستمرة بحق الشعب الفلسطيني، وهو ما يمكن إبرازه على النحو التالي:
(&) تحذير مصري وأردني من تقويض جهود التهدئة: أدانت كل من مصر والأردن بشدة الاعتداءات السافرة للاحتلال الإسرائيلي، بالإشارة إلى أنها تقوض جهود التهدئة التي قادتها الدولتين بالتعاون مع شركائهم الإقليميين والدوليين خلال الفترة الأخيرة، والتي كان آخرها في 19 مارس الماضي، حينما استضافت القاهرة بمدينة شرم الشيخ، مسؤولين فلسطينيين وإسرائيليين لتهدئة العنف المتصاعد في الضفة الغربية، وفي 26 فبراير الماضي، عقد في الأردن بوساطة أمريكية اجتماع آخر بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي لخفض التصعيد والتوصل لاتفاق تهدئة، ولكن في نهاية الأمر، ضربت سلطة الاحتلال بهذه الجهود عرض الحائط واتجهت للتصعيد مجددًا.
(&) تحذير عربي من تصدير أزمات إسرائيل الداخلية للفلسطينين: وجه الأمين العام للجامعة العربية "أحمد أبو الغيط" بعد إدانته بأشد العبارات لاقتحام قوات الاحتلال للمسجد الأقصى؛ تحذيرًا إلى حكومة الاحتلال الإسرائيلي من "مغبة تصدير الأزمة السياسية الداخلية في إسرائيل إلى الشعب الفلسطيني"، وهذا التحذير يؤكد على إدراك الدول العربية جيدًا أن كيان الاحتلال يسعى من جراء هذا التصعيد إلى أمرين، أولهما، محاولة الخروج من نفق الأزمات الداخلية التي شهدها خلال الأيام القليلة الماضية، ووصفت بكونها "الأخطر" في تاريخه، جراء مساعي رئيس وزراء الاحتلال "بنيامين نتنياهو" لتعديل النظام القضائي بما يصب لصالح الحكومة، وهو ما نجم عنه احتجاجات في الشارع الإسرائيلي منددة بخطوات "نتنياهو"، أما الأمر الثاني، هو إلهاء الرأى العام الإسرائيلي والدولى والإقليمي، عما شهدته حكومة الاحتلال، حيث كانت أزمة القضاء الأخيرة محل اهتمام وسائل الإعلام على مستوى العالم.
(&) دعوات عربية لحث المجتمع الدولي على وقف انتهاكات الاحتلال: دعت البيانات الصادرة عن وزارات الخارجية بالسعودية، والإمارات، والكويت، وقطر، والجزائر، والمغرب وأيضًا تونس، ولبنان والسودان؛ بعد تنديدها بالممارسات الإجرامية لقوات الاحتلال الإسرائيلي؛ المجتمع الدولي بجميع مؤسساته إلى ضرورة التدخل لوقف التصعيد والضغط على إسرائيل لعدم اتخاذ خطوات تفاقم التوتر وتستفز وتؤجج مشاعر أكثر من ملياري مسلم في جميع أنحاء العالم، بل وحملوا مجلس الأمن الدولي المسؤولية الكاملة تجاه حماية الشعب الفلسطيني ومقدساته الإسلامية من الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة.
خطوات عربية:
في ضوء ردود الفعل السالف ذكرها، فقد أعلنت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، صباح الخامس من أبريل الجاري، عقد اجتماع طارئ لمجلس الجامعة العربية على مستوى المندوبين الدائمين، وعقد الاجتماع بالفعل برئاسة مصر في القاهرة ظهر اليوم ذاته، ونجم عنه بيان احتوى على جملة من المخرجات لوقف اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني، يمكن قراءتها على النحو التالي:
(*) تحرك دبلوماسي عربي دائم للدفاع عن القدس: إن أولى الخطوات الصادرة عن اجتماع مجلس الجامعة العربية بعد إدانة ما قامت به قوات الاحتلال باعتباره "انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي والإنساني"؛ نصت على تدشين تحرك دبلوماسي عربي مكثف من خلال مجالس السفراء العرب وبعثات الجامعة الدبلوماسية للدفاع عن المقدسات الفلسطينية ودور العبادة، وإيصال أصواتهم الرافضة لما يقوم بها الاحتلال في فلسطين إلى جميع دول العالم، هذا بجانب إطلاق الرسائل والبيانات وإجراء اتصالات ولقاءات ثنائية مكثفة بين دول المنطقة العربية، تسهم في اتخاذ الخطوات الهادفة في المقام الأول توفير الحماية اللازمة لمدينة القدس والدفاع عن مقدساتها الإسلامية والمسيحية، بجانب دعم جميع حقوق المواطنين بها.
(*) التنسيق مع المنظمات العربية والإسلامية: إن من أبرز الخطوات التي ستسعى الجامعة العربية إلى اتخاذها خلال الفترة المقبلة، تقوم على التنسيق بين الجامعة والمنظمات العربية والإسلامية المعنية بالقضية الفلسطينية، وتأتي "منظمة التعاون الإسلامي" على رأس هذه المنظمات نظرًا لدورها على مدار السنوات الماضية في إطلاق بيانات منددة بانتهاكات وجرائم الاحتلال الإسرائيلي من جهة، وعقد اجتماعات استثنائية للتأكيد على مركزية القضية الفلسطينية كقضية محورية للعرب ولمطالبة المؤسسات الدولية وعلى رأسها مجلس الأمن الدولي لضرورة التدخل واتخاذ ما يلزم من إجراءات لردع ووقف أعمال الاحتلال الإسرائيلي التصعيدية من جهة أخرى، وهو الدور ذاته الذي يقوم به مجلس التعاون الخليجي.
(*) دعوة المؤسسات الدولية إلى التصدى للاعتدءات الإسرائيلية: إن أبرز ما ركز عليه بيان الجامعة العربية في اجتماعها الطارئ هو مطالبة كل من الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي بتحمل المسؤوليات القانونية والأخلاقية والإنسانية تجاه ما يحدث من انتهاكات إسرائيلية مستمرة بحق الشعب الفلسطيني، وطالبت الجامعة هذه المؤسسات الدولية بالضغط على سلطات الاحتلال الإسرائيلي لوقف أعمالها التصعيدية تلك بل وتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني والحفاظ على حقه في ممارسة العبادة بأمان وحرية.
(*) دحض محاولات الاحتلال لتغيير هوية المقدسات الدينية الفلسطينية: إن من أبرز الخطوات التي تسعى الدول العربية للتأكيد عليها، حماية المقدسات الدينية سواء الإسلامية أو المسيحية من العبث بها وتغير هويتها ومحاولة تقسيمها من قبل الاحتلال الصهيوني، ولذلك دعا مجلس الجامعة العربية إلى "تنفيذ القرارات المتعلقة بالقضية الفلسطينية الصادرة عن المجلس التنفيذي لليونيسكو، ولجنة التراث العالمي التابعة لليونيسكو، التي أكدت على أن "المسجد الأقصى المبارك بكامل مساحته هو مكان عبادة خالص للمسلمين فقط، وجزء لا يتجزأ من مواقع التراث العالمي الثقافي"
تأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن القضية الفلسطينية ستظل "مركزية "بالنسبة لدول المنطقة العربية وأن أي محاولات استفزازية من قبل الكيان الصهيوني خلال الفترة المقبلة سيقابلها رد فعل عربي عنيف، ولكن على دول المنطقة أن تحول ردود أفعالها إلى ممارسات فعلية على الأرض وتضغط بشدة على المجتمع الدولي ومؤسساته لإجبار الاحتلال عن وقف ممارسته الإجرامية تلك التي تهدد ليس فقط أمن واستقرار المنطقة بل العالم أجمع، ويأتي اجتماع الجامعة العربية بمثابة "بارقة أمل" لاتخاذ جميع الخطوات الدبلوماسية والسياسية اللازمة لحماية حقوق الشعب الفلسطيني الذي يعاني بشدة من انتهاكات الاحتلال.