يأتي الاجتماع الخماسي الذي استضافته مدينة شرم الشيخ المصرية، 19 مارس 2023، بمشاركة ممثلين سياسيين وأمنيين رفيعي المستوى من مصر وفلسطين وإسرائيل والأردن والولايات المتحدة الأمريكية، في إطار جهود القاهرة المستمرة لدعم التهدئة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، لا سيما مع قرب حلول شهر رمضان، تمهيدًا لاستئناف عملية السلام.
ووفق ما صرَّح به السفير أحمد أبو زيد، المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية، في 19 مارس 2023، بأن هذا الاجتماع يأتي لاستكمال النقاشات التي بدأت في العقبة، 26 فبراير 2023، بهدف دعم سبل الحوار ووقف الإجراءات أحادية الجانب، وتحقيق التهدئة بهدف خلق أجواء من الثقة المتبادلة بين الجانبين برعاية مصرية أردنية أمريكية.
توضيحًا لما سبق، يحاول هذا التحليل بحث ظروف انعقاد هذا الاجتماع، وأهدافه، وسيناريوهات التهدئة المحتملة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.
ظروف الانعقاد:
يأتي انعقاد اجتماع شرم الشيخ الخماسي في سياق استمرار الحملة الأمنية للحكومة الإسرائيلية المتشددة ضد المدن الفلسطينية. ونبرز فيما يلي ظروف انعقاد الاجتماع:
(*) استياء فلسطيني من أداء حكومة بنيامين نتنياهو المتشددة: يستاء المسؤولون الفلسطينيون في حركة فتح وبقية الفصائل من عدم التزام حكومة نتنياهو المتشددة بما تم التوقيع عليه في اجتماع العقبة. وجاء هذا الاستياء في سياق العدوان الإسرائيلي المستمر على المدن الفلسطينية، التي كان آخرها الهجوم على مدينة جنين، الذي أسفر عن استشهاد 4 فلسطينيين، 16 مارس الماضي. جدير بالذكر أن حكومة نتنياهو الجديدة قامت على تحالف حزب الليكود مع مجموعة من الأحزاب اليمينية المتشددة، التي ترفض الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطينية في إقامة دولته المستقلة، والإقرار بحتمية عملية السلام الشامل بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
(*) تحديات داخلية تواجه الحكومة الإسرائيلية: تستمر للأسبوع الحادي عشر مظاهرات شاملة في جميع أنحاء إسرائيل ضد تعديل النظام القضائي، الذي يتضمن تعديلات على قانون المحكمة العليا؛ إذ يسمح التعديل بتمكين البرلمان بإبطال أحكامها بالأغلبية المطلقة. ويُمكن أن يدفع ذلك حكومة الاحتلال إلى اتخاذ أحد المسارين؛ إما تصعيد المواجهات مع الفلسطينيين للخروج من الأزمة الداخلية، أو خفض التصعيد مع الفلسطينيين للتفرغ للمشكلات الداخلية التي تواجه هذه الحكومة.
(*) تصعيد إسرائيلي مستمر في الأراضي المحتلة: تشهد الحالة الأمنية في الأراضي المحتلة تصعيدًا غير مسبوق؛ إذ بدأت بسقوط عدد من الشهداء الفلسطينيين إثر محاولات القوات الأمنية الإسرائيلية الدخول إلى مخيم جنين. من الناحية الأخرى، صعّد الفلسطينيون من عملياتهم ضد الإسرائيليين، وهو الأمر الذي يشير إلى ضرورة احتواء أي تصعيد بين الجانبين، خوفًا من سيناريو الحرب الشاملة بين إسرائيل وفصائل المقاومة الفلسطينية.
أهداف محددة:
تؤكد مشاركة الفلسطينيين في اجتماع شرم الشيخ بحضور عربي وأمريكي فرصة لإبراز الممارسات الإسرائيلية أمام الإدارة الأمريكية، وتأكيدًا لحرص الفلسطينيين على إحياء عملية السلام. نبرز فيما يلي الأهداف التي يصبوا اجتماع شرم الشيخ إلى تحقيقها:
(*) حرص القاهرة على استئناف عملية السلام: يأتي حرص القاهرة على عقد هذا الاجتماع في موعده، لإدراكها بالمسؤولية تجاه أشقائها العرب، خاصة وأن الأطراف الدولية منكفئة على نفسها في ظل تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، بالإضافة إلى أن القاهرة تحرص على الاستفادة من المشاركة الأمريكية كضمان للضغط على إسرائيل للالتزام باستئناف عملية السلام ووقف الاستيطان في الأراضي المحتلة. وتتبنى القاهرة مبدأ يقضي بضرورة استنزاف كل فرص السلام المتاحة لوقف التصعيد بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.
(*) وضع الخطوات التنفيذية لمخرجات اجتماع العقبة: يأتي انعقاد اجتماع شرم الشيخ كأساس لبحث تفاصيل وآليّات تنفيذ مخرجات اجتماع العقبة، لا سيما أنه وضع مبادئ عامة فيما تُرك لاجتماع شرم الشيخ الغوص في التفاصيل والتطبيق الفعلي لنتائج العقبة. تجدر الإشارة إلى أن اجتماع العقبة خلص إلى تأكيد الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني التزامهما على العمل الفوري لوقف الإجراءات أحادية الجانب بهدف خفض التصعيد، ويشمل الاتفاق كذلك التزام تل أبيب بوقف إقرار أي بؤر استيطانية جديدة لمدة 6 أشهر، والحفاظ على الوضع القائم في الأماكن المقدسة بالقدس.
(*) رغبة فلسطينية في كشف خروقات إسرائيل: يدخل الفلسطينيون هذه المفاوضات ولديهم الرغبة في تأكيد حرصهم المستمر على استكمال عملية السلام مع الجانب الإسرائيلي، لمحاولة إبراز التعنت الإسرائيلي تجاه عملية السلام أمام ممثل الحكومة الأمريكية. في هذا السياق، التقى حسين الشيخ، أمين سر اللجنة التنفيذية لـمنظمة التحرير الفلسطينية، هادي عمرو، الممثل الأمريكي الخاص للشؤون الفلسطينية، والوفد المرافق له، بحضور نبيل أبو ردينة، مستشار الرئيس الفلسطيني، وبحث الجانبان آخر المستجدات بعد اجتماع العقبة. ويأتي هذا الاجتماع تمهيدًا لمشاركة وفد السلطة الفلسطينية في اجتماع شرم الشيخ بحضور الممثل الأمريكي.
سيناريوهات محتملة
يبرز مساران لا ثالث لهما فيما يتعلق بمسألة خفض التصعيد بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، ويرتبطا بعدة متغيرات رئيسية، أهمها: الدور الأمريكي في الضغط على الحكومة الإسرائيلية للالتزام بما جاء في الاتفاق، الوضع الأمني في الأراضي المحتلة، وقدرة كل من مصر والأردن على إقناع الفصائل الفلسطينية بالالتزام ببنود الاتفاق، ونبرز هذين المسارين فيما يلي:
(&) تصعيد حكومة نتنياهو أمنيًا في الأراضي المحتلة، وفشل الاتفاق: ينطوي هذا السيناريو على التحديات الداخلية التي تواجهها حكومة نتنياهو داخليًا، وهو ما يجعلها تتبنى سياسة تصعيدية ضد حركات المقاومة الفلسطينية لصرف الأنظار عن المشكلات الداخلية. ويرتبط تحقيق هذا السيناريو بفشل الجانب الأمريكي في إقناع الحكومة الإسرائيلية المتشددة بضرورة الالتزام بما جاء في النتائج والتوصيات التي خرج بها اجتماع شرم الشيخ. ويُعد هذا السيناريو غير مُرجح حدوثه خاصة عند النظر إلى النتائج التي توصل لها اجتماع شرم الشيخ؛ إذ اتفق الطرفان على التزامهما بتعزيز الأمن والاستقرار للفلسطينيين والإسرائيليين، وإقرار التهدئة وتعزيز الثقة المتبادلة، وفتح طرق الحوار المباشر للتعاطي مع القضايا العالقة، وتبني آلية مشتركة تُمكن الطرفين من منع وقوع أحداث عنف.
(&) نجاح الاتفاق في خفض التصعيد: يُعول هذا السيناريو على أدوار الوسيطين المصري والأمريكي؛ فنجاح الوساطة المصرية بما تمتلكه من نفوذ وتقدير لدى الفصائل الفلسطينية المختلفة في إقناعها بالالتزام بنتائج الاجتماع والتمهيد لاستئناف المفاوضات، للوصول إلى حل شامل وعادل للقضية الفلسطينية، خاصة وأن إسرائيل باتت تواجه ضغوطات داخلية تجعل أجهزتها الأمنية تتبنى خيارات خفض التصعيد مع الفلسطينيين الذين باتوا يميلون مؤخرًا لخيارات المقاومة، ويُمكن للوسيط الأمريكي أن يمارس ضغطًا على تل أبيب للالتزام بسياسة خفض التصعيد والتهدئة بهدف إعادة بناء الثقة بين الجانبين. ويعزز من هذا السيناريو اتفاق الطرفين في اجتماع شرم الشيخ على عدم المساس بالوضعية التاريخية القائمة للأماكن المقدسة في القدس، وتأكيد أهمية الوصاية الهاشمية على المسجد الأقصى، واضطلاع السلطة الفلسطينية بالمسؤوليات الأمنية في المنطقة (أ) بالضفة الغربية، وهو الأمر الذي سيقلل من الاحتكاكات المباشرة بين الفلسطينيين وقوات الاحتلال الإسرائيلية.
في النهاية، جاءت استضافة القاهرة لاجتماعات الوساطة الدولية والإقليمية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وكذلك التنسيق مع حركات المقاومة الفلسطينية في هذا الشأن لوقف أي تصعيد إسرائيلي محتمل ضد الفلسطينيين، والحيلولة دون وقوع حرب جديدة على قطاع غزة، خصوصًا مع حلول شهر رمضان الذي غالبًا ما يشهد حالة من التصعيد بين الجانبين، بسبب الإجراءات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين الراغبين في الوصول إلى المسجد الأقصى. ويبقى متابعة التزام الطرفين ببنود هذا الاتفاق هو التحدي الأبرز أمام القاهرة وعمّان وواشنطن.