الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

استراتيجية الردع.. دلالات عودة الهجمات الإسرائيلية على إيران في سوريا

  • مشاركة :
post-title
آثار قصف إسرائيلي سابق في سوريا ـ أرشيفية

القاهرة الإخبارية - نورا فايد

لا تزال الأراضي السورية ساحة للضربات العسكرية المباشرة بين الطرفين الإسرائيلي والإيراني، ورغم أن كليهما نادرًا ما يعلنا مسؤوليتهما عن تنفيذ هجمات ضد أهداف الطرف الآخر في سوريا، إلا أن أفيف كوخافي، رئيس أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي، أعلن أمام مؤتمر استضافته جامعة "رايشمان" في 14 ديسمبر الجاري، شن سلاح الجو بجيش الاحتلال غارات على قافلة مركبات كانت تنقل أسلحة إيرانية عبر الحدود السورية –العراقية، مطلع نوفمبر الماضي، بجانب غارات جوية أخرى شنتها قوات الاحتلال على منشآت إيرانية في منطقة الساحل السوري، 20 نوفمبر الماضي، وهو ما قد ينجم عنه ارتفاع حدة التصعيد بشكل علني بين الطرفين في دول منطقة الشرق الأوسط خلال الفترة المقبلة.

يُذكر أنه لطالما استهدفت إسرائيل على مدار السنوات الماضية منشآت إيرانية ومناطق تمركز لعناصر عسكرية تابعة لطهران في مختلف المناطق السورية، خاصة المناطق المتواجد فيها النظام الإيراني بشكل مباشر أو غير مباشر، سواء عسكريًا أو سياسيًا أو ثقافيًا، إبان اندلاع الأزمة السورية التي دخلت عامها الحادي عشر، وهو الأمر الذي لطالما أقلق تل أبيب بشدة لتخوفها من تهديد طهران ووكلائها لقوات الاحتلال المنتشرة على الحدود السورية.

دلالات التوقيت:

تجدر الإشارة إلى أن اعتراف إسرائيل بمسؤوليتها عن الهجمات التي شنتها قواتها الجوية على أهداف إيرانية في سوريا، يأتي بالتزامن مع جملة من التطورات، أبرزها ما يلي:

(*) تفاقم الاحتجاجات داخل إيران: تأتي هجمات جيش الاحتلال الإسرائيلي في الوقت الذي يواجه فيه النظام الإيراني بقيادة "علي خامنئي"، حالة الغضب الشعبي المشتعلة داخل الشارع الإيراني، منذ سبتمبر الماضي، جراء وفاة الفتاة العشرينية الكردية "مهسا أميني"، بعد ساعات من احتجاز وتعذيب شرطة الأخلاق الإيرانية "أُعلن حلها مؤخرًا" لها، بدعوى عدم الالتزام بقواعد اللباس الصحيح للحجاب الإيراني، الأمر الذي دفع بالنظام الإيراني لنشر قواته في مختلف أرجاء البلاد لقمع تلك الاحتجاجات إلا أنه حتى الآن باء بالفشل، وعليه فإن إسرائيل تستغل هذا الأمر للضغط على طهران في سوريا، مُحاولة إجبارها على التراجع وسحب قواتها من المناطق السورية بدلًا من تحقيق خسائر على جميع المناحي.

(*) تدشين طريق جديد لتهريب الأسلحة الإيرانية: كشف جيش الاحتلال الإسرائيلي أن استهدافه لقافلة مركبات كانت تهرب أسلحة إيرانية، جاء بعد حصوله على تقديرات استخباراتية، في 8 ديسمبر الجاري، تزعم استخدام طهران لـ"معراج" (شركة إيرانية للطيران في لبنان ويديرها الحرس الثوري الإيراني) كغطاء جوي تهرب من خلاله الأسلحة والمعدات العسكرية الحساسة من إيران إلى ميليشيا "حزب الله" في لبنان، وما رفع من مستوى القلق الإسرائيلي أن الشركة الإيرانية تهبط بشكل أسبوعي في مطار دمشق الدولي، لذلك بات هناك تخوف من استخدام إيران للأراضي السورية كمحطة ترانزيت لنقل أسلحتها إلى "حزب الله"، إذ أكد بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي المكلف، في 15 ديسمبر الجاري، أن حكومته عقب تشكيلها ستضع طرقًا عدة لمنع تهريب السلاح الإيراني إلى الحزب، في حين نفت إيران على لسان "محمد دقدوق"، وكيل المبيعات في شركة "معراج" الإيرانية للطيران بلبنان، الاتهامات الإسرائيلية، مشيرًا إلى أن الهدف من الترويج لهذه المزاعم إتمام عملية الحصار على الجمهورية الإيرانية، على حد قوله.

لقاء أوروبي إيراني ضمن مفاوضات الاتفاق النووي المتعثرة-أرشيفية

(*) توقف مفاوضات إحياء الاتفاق النووي: عادت إسرائيل لضرب أهداف إيرانية في سوريا للرد على استمرار إيران في رفع نسبة تخصيب اليورانيوم ورفضها التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي تريد تفتيش مواقع نووية، بالتزامن مع توقف مفاوضات إحياء الاتفاق النووي في فيينا دون الوصول لأي نتيجة إيجابية، بل وكشف ميخائيل أوليانوف، مندوب روسيا لدى المنظمات الدولية في فيينا، 17 ديسمبر الجاري، أن المؤشرات الحالية تؤكد عدم إحراز أي تقدم خلال الفترة المقبلة، حول التوصل لحل بشأن مفاوضات فيينا في ظل استمرار التعنت الإيراني، كما أكدت مصادر دبلوماسية أوروبية انتهاء هذه المفاوضات دون جدوى.

أهداف الردع:

وبناءً على ما تقدم، يمكن القول إن عودة إسرائيل لتوجيه ضربات لإيران وميليشياتها في الأراضي السورية، يحمل جملة من الأهداف التي تسعى تل أبيب لتحقيقها، يمكن توضحيها على النحو التالي:

(*) عرقلة محاولات التموضع الإيراني داخل سوريا: إن الهدف الرئيس الذي تسعى إسرائيل إلى تحقيقه يكمن في عرقلة ومنع محاولات إيران للتمدد والتموضع العسكري داخل سوريا ضمن مخطط "تصدير الثورة"، ولذلك يركز جيش الاحتلال على شن غارات جوية وبحرية ضد مناطق تمركز العناصر الإيرانية من ناحية واستهداف أبرز القيادات العسكرية الإيرانية التي لها نفوذ داخل الأراضي السورية، خاصة التي تركز على شن هجمات ضد الأهداف الإيرانية في المنطقة من ناحية أخرى، ففي 23 نوفمبر الماضي، أعلن الحرس الثوري الإيراني في بيان له، مقتل العقيد داوود جعفري، أحد مستشاري القوات الجوفضائية للحرس في ​سوريا، جراء انفجار عبوة ناسفة قرب دمشق، محملًا إسرائيل مسؤولية الاغتيال، خاصة أنها ليست المرة الأولى التي توجه فيها إيران اتهامًا كهذا إلى تل أبيب، وشهدت الأشهر الماضية تناميًا في عمليات اغتيال لعلماء إيرانيين، خاصة العاملين في المجال النووي العسكري، وإبان وقوع كل حادثة تخرج قيادات النظام الإيراني، متهمة إسرائيل بتنفيذها.

قاسم سليماني، قائد فيلق القدس السابق

(*) منع إقامة "حزب الله" في سوريا: يعتبر شن جيش الاحتلال الإسرائيلي بشكل متواصل هجمات ضد إيران، بمثابة محاولة لإحباط ما أطلقت عليه إسرائيل على لسان عميت ساعر، رئيس شعبة البحوث في هيئة الاستخبارات الإسرائيلية، 5 ديسمبر الجاري، بـ"مشروع سليماني" (نسبة إلى "قاسم سليماني" قائد فيلق القدس الإيراني الذي اُغتيل في غارة أمريكية، يناير 2020)، مبينًا أن هذا المشروع وضعه "سليماني" ويتمثل في إنشاء "لبنان ثان" على الأراضي السورية، وهو ما تم تفسيره بتشكيل ميليشيا "حزب الله" في سوريا على غرار الموجودة بالأراضي اللبنانية، التي تهيمن على عملية صنع القرار هناك جراء الدعم الإيراني المتواصل لها، خاصة بعد أن أثبتت الأخيرة نجاحها في تهديد إسرائيل وتنفيذها للأجندة الإيرانية بلبنان، وعليه فإن المسئول الاستخباراتي شدد على أن تل أبيب لن تسمح بمرور هذا المشروع بأي طريقة كانت.

(*) محاولة لمنع إيران من امتلاك السلاح النووي: تحاول إسرائيل بكل الطرق الضغط على النظام الإيراني لمنع بلاده من امتلاك السلاح النووي، وإذ لم تصلح الطرق الدبلوماسية، فإسرائيل ترى أن الوسائل العسكرية، هي التي قد تجبر إيران على التراجع عن مخططها هذا وتدفعها للجلوس على طاولة المفاوضات الخاصة، بإحياء الاتفاق النووي لكن بشرط الاستجابة للمطالب الأمريكية، الخاصة بوقف إيران لوسائل الدعم التي تقدمها لميليشياتها المنتشرة في المنطقة، وهو الأمر الذي لا زال يرفضه النظام في إيران، وعليه فإن عودة العمليات النوعية لجيش الاحتلال الإسرائيلي لاستهداف الميليشيات الموالية لإيران في سوريا هدفه الضغط على طهران لإجبارها على العودة للاتفاق النووي ومنعها من امتلاك السلاح النووي.

(*) توجيه ضربات لعرقلة التعاون بين روسيا وإيران: يحاول جيش الاحتلال الإسرائيلي من جراء تلك الهجمات عرقلة عملية التعاون التي تنامت وبرزت إلى العلن خلال الفترة الأخيرة بين موسكو وطهران، خاصة بعد تقديم الأخيرة لطائرات مُسيّرة للحليف الروسي لاستخدامها في الحرب الروسية الأوكرانية، وفقًا لما أعلنته واشنطن، ولذلك تتخوف تل أبيب من أن يسهم التعاون الروسي الإيراني في تقديم موسكو دعمًا لطهران ومنحها مساحة للتوسع والتغلغل والعمل بحرية داخل الأراضي السورية، مقابل الحصول على مزيد من الدعم العسكري، خاصة بعد أن أعلنت روسيا توجيه جزء من قواتها في سوريا إلى مناطق العمليات بأوكرانيا.

تأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن الهجمات النوعية لجيش الاحتلال على أهداف ومنشآت إيرانية في سوريا لن تتوقف في المدى القريب، لعدم وصول كلا الطرفين لـ"نقطة التقاء بعد" أو "تقارب في وجهات النظر"، فالنظام الإيراني من جهته يُظهر إسرائيل أبرز أعدائه، التي تضغط على واشنطن بشكل مستمر لفرض عقوبات عليه، وفي الاتجاه المقابل، تحاول تل أبيب إيصال رسالة للمجتمع الدولي، بأن طهران تدعم المتطرفين وتنشر الإرهاب والعنف في المنطقة والعالم.