الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

سيناريوهان محتملان.. فرص التهدئة بين الفلسطينيين والإسرائيليين

  • مشاركة :
post-title
مواطن فلسطيني يحمل علم بلاده في مواجهة جنود الاحتلال الإسرائيلي ـ أرشيفية

القاهرة الإخبارية - د. مبارك أحمد

منذ تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة نهاية ديسمبر 2022، بقيادة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بعد فوز ائتلافه اليميني المتشدد في نوفمبر 2022 بأغلبية مقاعد الكنيست الإسرائيلي 64 مقعدًا من 120، وتتزايد التوقعات بتدهور الأوضاع بين الفلسطينيين والإسرائيليين، لا سيما وأن الائتلاف الذي تشكلت منه الحكومة الجديدة قام على تحالف حزب الليكود مع عدد من الأحزاب اليمينية المتطرفة التي ترفض الإقرار بعملية السلام أو الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة، أبرزها أحزاب "الصهيونية الدينية، شاس، القوة اليهودية. ويهودوت هتوراه"، ووضعت تلك الأحزاب شروطًا قبل انضمامها للائتلاف، من خلال تبني برنامجًا يقوم على استئناف سياسة الاستيطان، وإقرار الخطط المكملة لمشروع القدس الكبرى 2075، وتقنين وضع البؤر الاستيطانية غير القانونية وإمدادها بالبنى التحتية مثل المياه والكهرباء، وتوفير الموارد المالية اللازمة لذلك، مع البقاء في القدس موحدة.

وجاء اقتحام جيش الاحتلال الإسرائيلي في 26 يناير 2023، مدينة جنين ومخيمها شمالي الضفة الغربية، ليتماشى مع التوجهات اليمينية والمتطرفة للحكومة الجديدة على أرض الواقع، مما أدى لاستشهاد 9 أشخاص وسقوط عشرات الضحايا وفق تقديرات وزارة الصحة الفلسطينية، وبرر جيش الاحتلال ذلك الاقتحام، في بيان له، لاستهداف عناصر من حركة الجهاد كانت تخطط لشن هجمات، وهي العمليات التي أدت للتصعيد وانفجار الموقف.

عوامل مؤثرة:

شكّل دخول إيتمار بن جفير، وزير الأمني القومي الإسرائيلي، 2 يناير 2023، ساحة المسجد الأقصى عقب تولية المسئولية في الحكومة الإسرائيلية الجديدة، شرارة اندلاع المواجهات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، تلاها مجزرة جنين التي نفذتها القوات الإسرائيلية، ثم عمليات الشباب الفلسطيني في الضفة الغربية التي أعقبها التصعيد الإسرائيلي. ومع توالي البيانات الرسمية الدولية والعربية المطالبة بضرورة ضبط النفس، لوقف التدهور ومنع التصعيد، فإن فرص التهدئة بين الفلسطينيين والإسرائيليين أضحت على المحك، في ظل وجود عوامل مؤثرة لاستمرار الصراع يمكن الإشارة إلى أبرزها في التالي:

إيتمار بن جفير، وزير الأمني القومي الإسرائيلي يقتحم ساحة المسجد الأقصى

(*) رؤية نتنياهو للصراع: شكّلت عودة نتنياهو لرئاسة الحكومة التي حازت على موافقة الكنيست في نهاية ديسمبر 2022، بأغلبية 63 نائبًا مقابل معارضة 54، ليبدأ عامه السادس عشر كرئيس للوزراء، وبذلك يكون صاحب أطول مدة بقاء على رأس الحكومة الإسرائيلية. وبالتالي فإن رؤيته للصراع الفلسطيني الإسرائيلي معروفة وتم التعامل معها من قبل الفلسطينيين، إذ يتبنى جملة من الأفكار الرافضة للسلام مع الفلسطينيين، وكذلك رفضه للقرارات الشرعية الدولية المتمثلة في حق الشعب الفلسطيني بإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، ورفض أي خطوات جادة لاستئناف سياسة المفاوضات وفقًا لأي مرجعية.

(*) العقوبات الجماعية الإسرائيلية: أعلن المجلس الوزاري المصغر للحكومة الإسرائيلية في 29 يناير 2023، اتخاذ العديد من الإجراءات منها هدم وإغلاق بيوت منفذي العمليات وتكثيف الاستيطان وتعزيزه في الضفة الغربية. كما أعلن نتنياهو السماح للمستوطنين بحمل السلاح المرخص، واستخدامه وتمرير قانون يقضي بترحيل عائلات منفذي العمليات من الفلسطينيين، وإعادة النظر في منح تصاريح العمل للفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة. وهو مسلك تتبعه الحكومة الإسرائيلية مع تجدد الصراع، فبعد أن نجح الفلسطينيون في استصدار قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية 87 صوتًا في نهاية ديسمبر 2022، يطلب من محكمة العدل الدولية إصدار فتوى بشأن آثار انتهاك إسرائيل المستمر لحق الفلسطينيين بتقرير المصير، جاء الرد الإسرائيلي على ذلك التحرك باتخاذ الحكومة إجراءات عقابية منها مصادرة قرابة 40 مليون دولار من عائدات الضرائب واستخدامها لتعويض من زعمت تل أبيب بأنهم ضحايا العنف الفلسطيني، كما تبنت خططًا لوقف التنمية في القرى الواقعة تحت السيطرة الإسرائيلية بالضفة الغربية، وحظر تداول الإعلام الفلسطينية داخل إسرائيل. لذلك أدانت وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية، 29 يناير 2023، فرض عقوبات جماعية عنصرية تحرض على مزيدٍ من التصعيد والعنف، التي اعتبرتها انتهاكات جسيمة للقانون الدولي واتفاقيات جنيف، وامتدادًا لسياسة الاحتلال الهادفة لضرب الوجود الفلسطيني في القدس، وتُعبر تعبيرًا واضحًا عن أزمات الحكومة الإسرائيلية التي تحاول تصديرها إلى الجانب الفلسطيني، وتعكس عقلية استعمارية عنصرية وعنجهية تقوم على منطق القوة والتصعيد في ساحة الصراع.

المجلس الوزاري المصغر لحكومة الاحتلال الإسرائيلي

(*) تنامي المشاعر العدائية: تعكس المشاعر العدائية تعقيدًا للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، واحتمالية تزايد التوترات، فعقب عملية جنين التي نفذتها قوات الاحتلال الإسرائيلية هنأ إيتمار بن جفير، وزير الأمن القومي الإسرائيلي، القوات على ذلك قائلًا: أهنئ جنود الشرطة والجيش والشاباك الذين نفذوا عملية ناجحة في جنين، أي مخرب يحاول إيذاء قواتنا دمه مهدور، ونحن ندعم جنودنا في الحرب ضد المخربين، كل مقاتل وكل جندي يجب أن يعرف أنه يحظى بالدعم الكامل من الحكومة الإسرائيلية ووزارة الأمن القومي". كما أكد بن جفير، عبر حسابه الشخصي على تويتر، أنه أصدر أوامره بمضاعفة القوى العاملة في قسم الأسلحة النارية وتوفير السلاح لمزيد من الأفراد والمستوطنين، داعيًا إلى إنشاء ما يطلق عليه الحرس الوطني وتجهيزه كقوة وقائية وهجومية كبيرة. وجاء تعليق يائير لابيد، رئيس المعارضة الإسرائيلية، على العملية الفلسطينية قائلًا: "مساء صعب ومؤلم، وينكسر القلب أمام المشاهد القاسية للرعب الذي جرى في الكنيس بالقدس، يجب التعامل بقوة مع التهديدات ومن يرسل المنفذين".

(*) وقف التنسيق الأمني الفلسطيني مع إسرائيل: على خلفية التصعيد الإسرائيلي واقتحام القوات الإسرائيلية لمخيم جنين، أعلن نبيل أبو ردينة، المتحدث باسم الرئاسة الفلسطينية، اتخاذ القيادة الفلسطينية القرار بوقف التنسيق الأمني مع إسرائيل، والتوجه إلى مجلس الأمن تحت بند الفصل السابع. وأعربت الولايات المتحدة الأمريكية عن أسفها لقرار السلطة الفلسطينية وقف التنسيق الأمني.

المتحدث باسم الرئاسة الفلسطينية "نبيل أبو ردينة"
سيناريوهان محتملان:

في ظل المعضلات السابقة، فإن استمرار الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين من المرجح أن يستمر، لكن سيبقى دور الوساطات مرتبط بكيفية إدارة ذلك الصراع ومنع تفاقمه، لما لذلك من تداعيات على مجمل تفاعلات الإقليم. لذلك فإن ثمة سيناريوهين لا ثالث لهما:

السيناريو الأول: التصعيد ويقوم هذا السيناريو على أن الحكومة الإسرائيلية الجديدة بقيادة بنيامين نتنياهو، لديها أجندة يمينية متشددة قائمة على تبني أفكار التيار المتطرف في الترويج للرواية الإسرائيلية في بعدها الديني على حساب الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وربما يشكل ذلك التصعيد توظيفًا من قبل الحكومة الإسرائيلية التي تواجه تحديات داخلية في رفض قطاع من المواطنين لبرنامجها، الذى تعكسه بعض المظاهرات الرافضة لها، وعدد من الرسميين لسياستها، كما حدث في تقديم سفيرة إسرائيل في فرنسا لاستقالتها، احتجاجًا على تشكيل حكومة نتنياهو، فضلًا عما يتعرض له أعضاء الحكومة من ملاحقات قضائية، كما حدث بإعلان المحكمة العليا الإسرائيلية بطلان تعيين آرييه درعي، وزير الداخلية والصحة، زعيم حزب شاس، بسبب إدانته بالاحتيال الضريبي، كما يعاني رئيس الحكومة نفسه بنيامين نتنياهو من تلك الملاحقات. وهو الأمر الذي جعل بعض التقديرات تشير إلى احتمالية تعرض الائتلاف الحاكم لتصدعات، بسبب تلك الملاحقات والأزمات الاقتصادية التي تعاني منها إسرائيل.

السيناريو الثاني: التهدئة ويقوم هذا السيناريو على تعزيز أدوار الوساطة، لا سيما من مصر والولايات المتحدة الأمريكية، إذ تأتي جولة أنتوني بلينكن، وزير الخارجية الأمريكية للمنطقة، بدءًا من 29 يناير 2023 ليزور خلالها مصر وإسرائيل وفلسطين، لمحاولة خفض حدة التوتر، لا سيما وأن الولايات المتحدة الأمريكية تدرك أن ما تحقق في الإقليم من اتفاقيات سلام يتطلب الاستمرار في هذا الاتجاه وتنميته، وإقرار خيارات السلام الاقتصادية، وهو ما سيأتي لاحقًا بخيارات السلام على المستوى السياسي. وتماشيًا مع الرغبة في التهدئة طالبت الخارجية الفلسطينية في 29 يناير 2023، المجتمع الدولي والإدارة الأمريكية بترجمة الشعارات والأقوال إلى أفعال وإجراءات عملية وآليات ملزمة تجبر الحكومة الإسرائيلية على وقف جميع إجراءاتها أحادية الجانب غير القانونية، تمهيدًا لإحياء المسار السياسي التفاوضي بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.

مجمل القول: إن تأرجح الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بين التصعيد والتهدئة، وإن أيًا من السيناريوهين سيحسم مسار الأزمة، سيتوقف على مدى قدرة الحكومة الإسرائيلية على تجاوز أزماتها الداخلية والبحث عن وسائل أخرى لتسويتها، بعيدًا عن توظيف الصراع مع الفلسطينيين لتحقيق نوع من التماسك الداخلي والحفاظ على تماسك الائتلاف الحاكم الذى بدت بوادر تصدّعه، فضلًا عن مدى نجاح جهود الوساطة في التهدئة بين الجانبين، لا سيما وأن حركة التاريخ وخبرات المقاومة في كل النماذج التاريخية تشير لحقيقة مؤكدة هي أن صاحب الأرض لا يُهزم، وأن الحقوق المشروعة لا تسقط بالتقادم.