سعدت بردود الفعل على فيلمي "بيروت برهان"
أعمالي السينمائية خليط بين الوثائقي التسجيلي والروائي
والدتي عواطف الزين أول من فتحت لي باب العلم والمعرفة
اكتسبت الجرأة والصراحة من والدي فؤاد الهاشم
ترسم المخرجة الكويتية اللبنانية فرح الهاشم بشرائطها السينمائية قصصًا تترجم من خلالها عشقها لفن السينما، الذي ولد معها منذ طفولتها، حيث نشأت في بيت الثقافة والفن لغته الأولى، فوالدها الكاتب الكويتي فؤاد الهاشم ووالدتها الناقدة والصحفية عواطف الزين، وساهم تنقلها بين بلدان عدة من بينها فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية في تشكيل ثقافتها وأفكارها الخاصة، خصوصًا مع خوضها تجارب حياتية وخبرات عدة.
تصنع فرح الهاشم أفلامها بحب شديد، الأمر الذي يظهر جليًا في فيلمها الوثائقي السردي "بيروت برهان" الذي عرض أخيرًا في مهرجان الإسماعيلية للأفلام التسجيلية والقصيرة بدورته الـ24، وحاز على إعجاب الكثير من النقاد والصحفيين، ويحكي بزاوية خاصة عن المخــرج برهــان علويــة، لتقول عنه في حوارها لـ"القاهرة الإخبارية" إنها تعرض من خلاله بيروت في عيون السينمائي اللبناني الراحل، مستعرضة العاصمة اللبنانية في فترة الاجتياح الإسرائيلي، والقومية العربية منذ حقبة الستينيات حتى الثمانينيات والمقاومة الشعبية، وتربط بين بيروت وبرهان.
محطات فيلم بيروت برهان
يظهر في الفيلم عدد من الأسماء الفنية والأدبية البارزة التي تعاونت مع المخرج الراحل، ومنهم هيثم الأمين وأحمد بيضون ومحمد كلش وهاني زكاك ليقدموا شهادات عن سينما برهان علوية وتجربته الخاصة، فيما تتولى فرح الهاشم، دور الراوية، وحول أبرز المحطات التي تتوقف عندها في الشريط السينمائي تقول: "يبدأ السرد من خلال استرجاع فيلم برهان "كفر قاسم" الذي يحكي عن مجزرة كفر قاسم بفلسطين عام 1956، ثم اتجهنا إلى تأميم قناة السويس ثم الاجتياح الإسرائيلي للبنان، ثم المقاومة الشعبية في لبنان".
وتضيف المخرجة الكويتية اللبنانية: "نذهب بعد ذلك إلى المقاومة الشعبية بلبنان في الثمانينيات، ثم مرحلة التسعينيات والغربة في باريس وآثارها وعلاقة اللبناني بوطنه، وتأثير الحرب على نفسية اللبنانيين خارج بلدهم، حيث اخترت مقاطع من أفلام برهان وربطتها بالواقع، واختتمت الفيلم بمشهد حواري عبارة عن مكالمة تليفونية أجريتها معه قبل وفاته".
لبنان – فرنسا
لدى فرح الهاشم فلسفة خاصة في إخراج أفلامها لتتجنب الصعوبات، إذ أشارت إلى أن المقاطع التي تم تصويرها في لبنان استغرقت نحو 8 أيام، فيما صورت في فرنسا بطريقة متقطعة نحو 9 أشهر في فرنسا، فيما استغرق المونتاج نحو 5 أشهر، موضحة أنه لا توجد صعوبات محددة لأنها تعمل حسب طاقتها والإمكانيات المتوفرة، وتحاول حصر وتحديد للمشكلات التي قد تواجهها، لتطرح على نفسها سؤالًا مفاده: ماذا سوف تواجه إذ صوّرت مشاهد ما بطريقة معينة؟ وهذا أمر يتعلق بأسلوب المخرج، فما تعتبره ليس بمشكلات من الممكن أن يكون كوارث بالنسبة لسينمائي آخر.
أفلام عابرة للنوع
يتسق الشريط السينمائي "بيروت برهان" مع التيمة الرئيسية لمهرجان الإسماعيلية للأفلام بدورته الماضية، فهو من نوعية hybrid أو "عابرة للنوع" حيث يجمع بين أكثر من نوع سينمائي، لتقول فرح الهاشم عن هذه المشاركة: "سعيدة للغاية بها وكان من المهم بالنسبة لي المشاركة في المهرجان، الذي يحتفي بمثل هذه النوعية من الأفلام، فأعمالي السينمائية خليط بين الوثائقي التسجيلي والروائي، ولا أحب الأفلام ذات الصيغة الواحدة".
اليوم الخامس
في سجل فرح الهاشم السينمائي فيلم آخر بعنوان "اليوم الخامس" تبحر فيه لمعرفة سبب انتحار عدد من المخرجين البارزين، إذ قالت عن سبب حماسها لتقديم أفلام عن السينمائيين إنها لا تختار الموضوعات بشكل عشوائي، وفيلماها "اليوم الخامس" و"بيروت برهان" مرتبطان بأبحاث أكاديمية بدأتها بجامعة السوربون، إذ حصلت على ماجستير بالإبداع السينمائي هناك، والفيلم النهائي كان "اليوم الخامس" الذي طرحت من خلاله تساؤلًا حول لماذا ينتحر بعض الفنانين رغم حياتهم الناجحة في السينما؟.. مثل المخرج البلجيكي شانتال أكريمان والفرنسي جون أوستاش الذي ظهر في السبعينيات بالسينما الفرنسية.
واستطردت المخرجة الكويتية اللبنانية: بالنسبة للبحث الأكاديمي الذي أعمل عليه حاليًا، أحضر للدكتوراه في جامعة Jean Moulin الفرنسية عن الهوية والحب في أفلام برهان علوية، لذا وجدتها فرصة مناسبة لعمل الفيلم.
عاشت فرح الهاشم وتنقلت بين عدة عواصم عربية وعالمية أثر ذلك في تكوينها وأسلوب حياتها، لتقول عن ذلك: "كل إنسان يسافر إلى بلد ليعيش بها ويصبح جزءًا منها، وتأثرت بالطابع الأوروبي والأمريكي، وذلك جعلني أكثر صراحة وعملية وسرعة ومواعيدي منضبطة، وتعلمت الانضباط من تجربتي في الولايات المتحدة الأمريكية، خصوصًا أنني عيشت في مدينة نيويورك التي اعتبرها الأسرع في العالم، والدقيقة الواحدة تعني البداية أو النهاية لكل عمل أو مشروع، فهذه بعض الخصائص التي تعلمتها واستفدت منها من ناحية الحياة اليومية".
حب القراءة وتأثير والدتها
أما عن تشكيل وعيها وأفكارها قالت فرح الهاشم إنها اكتسبت ثقافتها من خلال حبها الشديد للكتب، فوالدتها الصحفية والناقدة والأديبة عواطف الزين أول من فتحت لها باب العلم والمعرفة، وتعد بمثابة الأيقونة في الإعلام والأدب، كما أنها فتحت لها أبواب المكتبات المتعددة في منازلهم، إذ تمتلك الأسرة 5 مكتبات كل منها تضم نحو 200 كتاب في جنوب لبنان والكويت وفرنسا وبيروت، لذا كان من السهل أن تنغمس وتقرأ في الكتب والمعرفة.
وأضافت مخرجة "بيروت برهان": "من هواياتي القراءة والكتابة، لكن التنقل بين البلدان المختلفة جعلني أتعرف على طبائع البشر المتنوعة، وقربتني من وجهات النظر المغايرة، وأن أفهم الكون بشكل أوضح، وفي الأخير أصل إلى القناعة بأن كلنا واحد، ولدينا مشكلاتنا واحتياجاتنا الخاصة بغض النظر عن اختلاف الشكل أو الهوية أو اللغة، هذه القناعة أعطتني إحساسًا بالطمأنينة وأنني لست وحدي".
الجرأة
أما عن تأثير نشأتها في أسرة مثقفة تعشق الكتابة والفن، قالت فرح الهاشم إنها استمدت الجرأة من شخصية والدها، لتعبر عما تشعر به دون خوف، إذ إن لديها قناعة خاصة بأنه لا ينبغي لأحد أن يغضب من الصراحة، وتحب أن يعاملها الآخرين من نفس المنطقة وبصراحة تامة، حتى لو كانت مؤذية، فيما كان لوالدتها تأثير كبير على حياتها وتعتبرها بمثابة أعز الأصدقاء وتكتسب منها يوميا أشياء كثيرة.
تجهز فرح الهاشم نفسها لأي انتقادات تواجه أعمالها الفنية، ليظهر هنا تأثير آخر لوالدتها موضحة: "والدتي تشاهد أفلامي وهي ناقدة ممتازة فوق العادة، وأشعر براحة كبيرة لأخذ رأيها، وتشير إلى ما قد أتعرض له من انتقادات، وفي النهاية تعطيني نصائح، استفيد منها وأضعها في عين الاعتبار في تنفيذ الشكل النهائي الذي يظهر به الفيلم، فهي لديها بُعد نظر أكثر مني نظرًا لأنها أكثر خبرة وتجربة".
وأضافت فرح الهاشم: "أحترم آراء كل النقاد، ولم أتعرض لانتقادات كثيرة لكن بعض الملاحظات أقرب لتكون خيارات أو تفضيلات شخصية، ففي فيلم "بيروت برهان" البعض أراد أن يعرف أكثر عن حياته الشخصية، وآخرون يرون أن مدته كان يجب أن تصبح أقصر قليلًا، وهذا مزاج شخصي وليس انتقادات، وما يهمني الانطباع العام وأن يستفيد الجمهور من الفيلم ويعرفون المخرج الراحل".
دعم مصري
في مسيرة فرح الهاشم السينمائية تحتل مصر مساحة خاصة، بل كانت سببًا في انطلاقتها كمخرجة عربية بارزة حسبما تؤكد في حوارها موضحة: "الإعلام المصري أطلقني كسينمائية، وسعدت كثيرًا بردود الفعل الإيجابية عن فيلمي "ترويقة في بيروت" الذي عرض قبل سنوات بمهرجان الإسكندرية السينمائي، كما حظي بعروض في المركز القومي للسينما واستقبل استقبالًا رائعًا، وأنا بيني وبين مصر علاقة حب قديمة مستمرة، خصوصًا أنني عشت في مصر فترة طفولتي، لقد وعيت للحياة في القاهرة، لذا من المهم لي أن أعرض أفلامي في مهرجانات سينمائية مصرية، ففضلًا عن عشقي لهذا البلد وأهلها وارتباطي بها، يتمتع الجمهور المصري بثقافة سينمائية مميزة، ومصر دولة متميزة في صناعة الأفلام.
الفترة التي قضتها فرح الهاشم في الإسماعيلية وقت المهرجان، جعلت فكرة تقفز في ذهنها وتراودها حاليًا لتصبح المدينة إحدى الأفكار لمشروعات سينمائية تعتزم إخراجها، إذ قالت: "هذه أول زيارة لي للإسماعيلية وبعد قضائي عدة أيام بها ظهرت لدي رغبة في عمل فيلم عنها، أبرز فيها ملامح هذه المدينة المناضلة المقاومة، خصوصًا أنني إنسانة اهتم وأضع القضية العربية والفلسطينية بين يدي وفي أولوياتي".