في رؤية سينمائية تستعيد الذاكرة اللبنانية عبر سبع سنوات من البحث المضني، تقدّم المخرجة لانا ضاهر فيلمها الوثائقي Do You Love Me ضمن المسابقة الدولية لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي في نسخته الـ46، حاملة معها مشروعًا بصريًا يتنقّل بين طبقات الهوية والصدمة والذاكرة، عبر مواد أرشيفية نادرة ورحلة سردية تتقاطع فيها التجربة الشخصية مع الوجدان الجمعي للبنانيين.
لانا ضاهر، التي وصفت مشاركتها في مهرجان القاهرة السينمائي بـ"المحطة الفارقة المفصلية"، تكشف في حديثها لموقع "القاهرة الإخبارية" كواليس هذا العمل الطويل، والتحديات التي واجهتها، والرسالة التي أرادت إيصالها من خلال الفيلم.
الذاكرة اللبنانية
تقول "لانا" إن فكرة الفيلم انطلقت من اهتمامها الشخصي بطرق رؤية اللبنانيين لتاريخهم، وكيف تتشكّل الهوية والذاكرة داخل مجتمع يعيش تراكمات من الصدمات.
وتشير إلى أنها لم تكن تتوقع أن يمتد العمل لسبع سنوات من البحث والتطوير، لكن اتساع الفكرة وظهور مفهوم "الصدمة" كمحور رئيسي دفعها لمواصلة العمل ببطء وعمق أكبر.
رحلة بحث شاقة
وتحدّثت المخرجة اللبنانية عن معاناتها في غياب أرشيف وطني موحد، ما اضطرها للتنقل بين جامعات ومكتبات وأرشيفات خاصة وعائلات لبنانية للحصول على مواد نادرة، قائلة:" واجهت لحظات إحباط عديدة شعرت خلالها بأن "الصورة لن تكتمل"، إلا أن أي اكتشاف -لو كان لقطة واحدة-كان يعيد لي الحافز للاستمرار".
أصوات الناس
وتشرح "لانا" سبب تركيزها على أصوات الناس العاديين بدلًا من السياسيين، معتبرة أن هذا الخيار يمنح الفيلم صدقًا أكبر، ويتيح للمشاهد رؤية الذاكرة من دون "فلترة رسمية"، لكون التجارب اليومية تحمل حساسية لا توفرها الخطابات التقليدية.
وتؤكد أنها تعمّدت الاستغناء عن التعليق الصوتي بالكامل، تاركة للمشاهد مساحة للتفاعل مباشرة مع المادة الأرشيفية من دون أي توجيه.
وتكشف أن المشروع بدأ من قصة عائلة موسيقية، لكنه تطوّر خلال رحلة البحث ليكشف طبقات أوسع من الذاكرة اللبنانية، تشمل الصدمات الجماعية والتحولات الاجتماعية واللحظات التي شكّلت الوعي العام، قائلة: "هذا التطور قاد الفيلم ليصبح رحلة في فسيفساء الذاكرة اللبنانية، بدلًا من التركيز على سيرة واحدة".
طفولة جيل كامل
وتحدثت "لانا" عن تأثير طفولتها وتجارب جيلها على إيقاع الفيلم، معتبرة أن جيلها نشأ على "ذاكرة غير مكتملة" وعلى أحداث لم تُسم بوضوح، قائلة: "الفيلم جاء محاولة لفهم الذاكرة الموروثة التي تشكل الوعي الجمعي المعاصر".
صدمة غيّرت المسار
وكشفت أن انفجار مرفأ بيروت أعاد فتح جروح الذاكرة بشكل قاسٍ، وفرض عليها مقاربة أكثر هدوءًا ومسافة في السرد، خصوصًا مع انتقالها للعمل في باريس؛ حيث أتاح لها الابتعاد الجغرافي رؤية أكثر ترويًا لما يجري في لبنان.
وأشارت إلى أن مرحلة المونتاج، التي امتدت لعامين، كانت بمثابة "كتابة ثانية" للفيلم، قائلة: "تعلمت خلالها الصبر واحترام الزمن الذي تحتاجه الصورة للكشف عن معناها، أنا ومونتير الفيلم عملنا على خلق إيقاع بصري يحافظ على حساسية المادة".
رسالة الفيلم
ولفتت المخرجة اللبنانية إلى ردود الفعل التي تلقاها الفيلم في مهرجان البندقية، بعدما استطاع أن يلامس جمهورًا عالميًا لا يعرف الكثير عن لبنان. وقالت: "الفيلم يقدّم رؤية إنسانية أوسع حول علاقة البشر بالصدمة والذاكرة والصورة".
وعن مشاركة الفيلم في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، أوضحت "لانا ضاهر" أن للمهرجان مكانة خاصة في السينما العربية، وإن عرض الفيلم أمام جمهور عربي واسع أضاف بُعدًا جديدًا لتجربته ومساره.
مستقبل السينما المستقلة في لبنان
وفيما يتعلق بواقع السينما اللبنانية المستقلة، عبّرت "لانا ضاهر" عن تفاؤلها رغم الصعوبات، مشيرة إلى أنها استعانت بمواد من 106 أفلام لبنانية خلال بحثها -معظمها مستقلة- وهي لا تشكل سوى 20% من مجموع المواد التي بحثت فيها. وقالت إن هذا وحده يعكس وجود تراكم سينمائي حقيقي يمتد منذ خمسينيات القرن الماضي حتى اليوم.
وأضافت: "جيل جديد من السينمائيين اللبنانيين يبتكر أساليب جديدة للسرد ويعيد قراءة التاريخ عبر الأرشيف والفنون البصرية، والحضور المتنامي في المهرجانات الدولية يمنح هذه الأصوات مساحة للاستمرار رغم كل التحديات".