تشهد النسخة الـ46 من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي العرضَ الأول للفيلم المصري "بنات الباشا" ضمن مسابقة "آفاق السينما العربية"، إذ يغوص في أعماق النفس البشرية.
الفيلم من إخراج ماندو العدل، وسيناريو وحوار الكاتب محمد هشام عبية، عن رواية تحمل الاسم نفسه للكاتبة نورا ناجي، ويضم نخبةً من النجمات، بينهن: زينة، صابرين، ناهد السباعي، مريم الخشت، تارا عبود، وضيفة الشرف سوسن بدر، إلى جانب الفنان أحمد مجدي.
تدور أحداث العمل في مدينة طنطا، داخل صالون تجميل نسائي، حيث تتقاطع مصائر مجموعة من النساء في رحلة بحثٍ عن الحرية والذات وسط قيود المجتمع وتناقضاته، ليقدّم رؤيةً فنيةً إنسانيةً ثريةً تنبض بالحياة والصدق.
مكسب فني ومعنوي
أعرب الكاتب والسيناريست محمد هشام عبية عن سعادته الكبيرة لمشاركة الفيلم في المهرجان، معتبرًا ذلك مكسبًا فنيًا ومعنويًا ضخمًا في مسيرته.
وقال في تصريحات خاصة لموقع القاهرة الإخبارية: "مشاركة فيلمي في مهرجان القاهرة حلمٌ قديمٌ تحقق أخيرًا، أن أرى أحد نصوصي يتحول إلى فيلمٍ ينافس ضمن آفاق السينما العربية وسط مجموعة من أقوى الإنتاجات العربية، فهذا بالنسبة لي مكسبٌ فنيٌّ ومعنويٌّ كبير. مهرجان القاهرة هو الأعرق في المنطقة، ومجرد الوجود في برنامجه شرفٌ لأي صانع سينما".
بداية الحلم
وأوضح "عبية" أن علاقته بمشروع الفيلم بدأت منذ عام 2017 عند صدور رواية "بنات الباشا" للكاتبة نورا ناجي، مشيرًا إلى أنه انجذب إليها فور قراءتها لما تحمله من عمقٍ نفسي وإنساني في رسم شخصياتها، وتناولها الدقيق لعوالم النساء والرجال داخل بيئةٍ واقعيةٍ نابضةٍ بالحياة.
وأضاف: "منذ تلك اللحظة راودني حلم تحويل الرواية إلى عملٍ درامي أو سينمائي، خاصةً أنني كنت وقتها قد بدأت رحلتي في كتابة السيناريو ما بين عامي 2016 و2017".
وتابع موضحًا أن ما شدَّه أكثر هو اختيار مدينة طنطا كمسرحٍ للأحداث، بعيدًا عن العاصمة القاهرة، وهو ما رآه مختلفًا ومثيرًا للاهتمام، مضيفًا: "أنا من الكتّاب الذين يحبون تقديم أعمالٍ تدور خارج القاهرة، لأن ذلك يمنح النصوص نكهةً خاصة، ويقربها من واقع الناس في المحافظات. طنطا في الرواية ليست مجرد مكان، لكنها حالة اجتماعية وإنسانية كاملة".
من الرواية إلى السينما
وعن عملية تحويل الرواية إلى فيلمٍ سينمائي، أكد عبية أن الأمر لم يكن مجرد نقلٍ مباشرٍ للنص الأدبي، بل استلهامًا منه بروحٍ فنيةٍ جديدة، موضحًا أن الالتزام الحرفي بالنص الأدبي أمرٌ غير ممكنٍ في السينما نظرًا لاختلاف الوسيطين.
وقال: "تحويل أي نصٍّ أدبي إلى سيناريو يتطلب حريةً فنيةً واسعة، فالرواية تعتمد على اللغة والتفاصيل الداخلية، بينما السينما تقوم على الصورة والدراما البصرية، لذلك احتفظنا بالخطوط الرئيسية للرواية وبالشخصيات الأساسية، لكننا اختصرنا عدد الأصوات النسائية الكثيرة إلى عددٍ أقل، وصغنا حبكةً جديدة نابعةً من روح الرواية وليست نسخًا منها".
تحديات الإنتاج
كشف عبية أن التحدي الأكبر في رحلة تنفيذ الفيلم كان في العثور على جهةٍ إنتاجيةٍ ومخرجٍ يتبنى المشروع، موضحًا أنه ظل يسعى لسنوات حتى التقى بالمخرج محمد العدل (ماندو العدل)، الذي أبدى حماسًا شديدًا منذ اللحظة الأولى.
وقال: "ماندو العدل كان يبحث وقتها عن مشروعٍ سينمائي جديدٍ ومختلف، وعندما عرضت عليه فكرة بنات الباشا تحمّس لها بشدة، وتواصل مع الشركة المنتجة التي دعمت المشروع بعد قراءة المعالجة، ومن هنا بدأنا التحضير الجاد للعمل".
ووصف عبية التعاون مع المخرج محمد العدل بأنه تجربة ثرية ومثمرة، قائلًا: "ماندو شخصٌ واعٍ جدًا بأهمية الأدب كمصدرٍ للإبداع السينمائي، ولديه رغبة حقيقية في تحويل الروايات إلى أعمالٍ ناجحة. كان بيننا تفاهمٌ كبير وتناغمٌ خلال كتابة السيناريو، وهو يمتلك رؤيةً فنيةً خاصة أضافت الكثير للفيلم".
وحول مضمون الفيلم، أوضح عبية أن بنات الباشا لا يسعى لتقديم رسائل مباشرة أو مواعظ، بل يطرح تساؤلاتٍ وتأملاتٍ حول المجتمع والإنسان، وقال:
"الفيلم يستعرض حياة مجموعةٍ من النساء من خلفياتٍ اجتماعيةٍ واقتصاديةٍ مختلفة، يحاولن الخروج من أوضاعٍ لا تناسبهن وسط قيود المجتمع وضغوطه. العمل لا يعِظ ولا يوجّه، بل يفتح المجال أمام المشاهد للتفكير؛ كل شخصٍ سيجد نفسه في مشهدٍ أو فكرةٍ أو سلوكٍ ما. الفيلم يطرح أسئلة أكثر مما يقدّم إجابات، وهذا في رأيي هو دور السينما الحقيقي".
وأشار إلى أن جميع شخصيات الفيلم تعكس واقعًا اجتماعيًا مألوفًا وتجاربَ إنسانيةً قابلةً للملاحظة في حياتنا اليومية، مضيفًا:
"القصة ليست واقعية بالمعنى الحرفي، لكنها مليئة بالشخصيات التي يمكن أن نكون قد قابلناها في حياتنا. البطلات يجسّدن نماذج من النساء اللاتي يعشن بين الطموح والقيود، وبين الرغبة في التغيير والخوف من مواجهة المجتمع".