"لا أخاف من الموت، فهو حق، ولم أعص الله أبدًا"، هكذا عبّر الفنان المصري الراحل عزت العلايلي عن مواجهته للموت، بعد أن قدّم تاريخًا حافلًا وطويلًا من الأعمال الفنية المميزة.
من أحد أحياء القاهرة القديمة في حقبة الثلاثينيات، خرج الفنان عزت العلايلي الذي تمر اليوم ذكرى وفاته الثانية، إذ اكتسب منه الشهامة والحفاظ على الأصول، لتترك هذه النشأة انطباعًا على أعماله فيما بعد، ليصبح ملتزمًا بفنه ومقدمًا لأدوار هادفة وقدوة لجمهوره الذي وضعه في مكانة استثنائية.
بدأ شغف العلايلي بالفن مبكرًا، إذ تخرّج في المعهد العالي للفنون المسرحية، وكان واحدًا من مؤسسي المسرح التلفزيوني، حتى كُلّف بتقديم دراسة وافية عن شكل المسرح، ليقول عن ذلك في لقاء إذاعي له: "دخلت التلفزيون المصري منذ تأسيسه حتى أننا كنا نساعد في بنائه، وقررت أن أنقل المسرح العالمي لكي يراه الجمهور المصري وبتكليف من الدكتور محمد عبد القادر حاتم، وزير الإعلام آنذاك، سافرت إلى لندن وحضرت احتفالية لمرور 400 عام على رحيل شكسبير، وطفت جميع المسارح هناك، وأجريت دراسة، وبناءً عليه تم إنشاء مسرح التلفزيون".
لم تتوقف تجربة عزت العلايلي عند التمثيل فقط فهو كاتب أيضًا، ورغم أن شهرته جاءت كممثل لكنه لم ينس أن يعبر عن أفكاره وطموحاته من خلال الكتابة، ليقول عن ذلك في لقاء تلفزيوني له: "لم أكن أحلم بما حققته وقمت بالكتابة أيضًا سواء للمسرح أو التلفزيون، وكتبت للتلفزيون حلقات "أعرف عدوك" عن الخطوات الصهوينية، التي أُذيعت قبل 1967، كما كتبت للمسرح "ثورة قرية" للراحل محمد التابعي، وقدّمت نشاطًا زاخرًا وكنت أريد أن أقدم لبلدي أعظم شيء".
رغم النجاح الكبير الذي حققه عزت العلايلي بكثير من البصمات والعلامات، لكن يبقى فيلم "الاختيار" من أصعب الأعمال، الذي لم يأخذ حظه وهو ما سبب حالة من الحزن للعلايلي، ليقول عن ذلك: "كتبت فيلم "الاختيار" للمخرج يوسف شاهين، وكنت سأقوم بالإخراج بينما سيتولى يوسف شاهين البطولة، واقترحت أن يشاركنا كتابة العمل الكاتب نجيب محفوظ، وبالفعل أوفى بوعده وكتب ملخص القصة، بينما كتبت السيناريو مع يوسف شاهين، لكن العمل لم ينجح في السينما عند عرضه وحدث لنا حالة من الضيق بعد مشاهدته، وتعرضت للهجوم من الجمهور، في حين أنه نجح في الخارج فكان الإقبال على الفيلم كبيرًا في باريس".
نسي عزت العلايلي خيبة الأمل والإخفاق الذي تعرض له بسبب فيلم "الاختيار"، وكان السر في ذلك مقابلته للسيدة أم كلثوم، ويقول عن ذلك: "أبلغني يوسف شاهين أن لدينا مقابلة مع السيدة أم كلثوم، لتقديم فيلم معها، وهو ما جعلني أنسى فشل "الاختيار"، وبالفعل قابلتها لأول مرة، وعندما وجدتني حزينًا بسبب الفيلم قالت لي كلمات بمثابة علاج نفسي لي، إذ سألتني "من خلق موهبتك" فرددت عليها "ربنا سبحانه"، فقالت "من خلقها لن يتخلى عنك"، فشعرت بحالة من الارتياح والنشوة بسبب كلامها".
شخصية "عبد الهادي" التي قدمها عزت العلايلي في فيلم "الأرض" تعتبر من بين العلامات المؤثرة التي قدمها في حياته، ليقول عن هذا الفيلم: "تدربت كثيرًا على مشهد "الساقية"، وقمت بإعطاء فلوس لفلاح ليرى ما بداخل الساقية سواء ديدان وعمقها، لكنني فوجئت أن الفلاح رد لي الفلوس وقال لي: "لا الساقية كلها أمراض"، فاستغرق تصوير المشهد ساعات طويلة، وعندما عُرض الفيلم كان رد فعل الجمهور رهيبًا وشجعني".
10 أفلام من أعمال عزت العلايلي ضمن قائمة أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية، منها؛ "الأرض، الاختيار، زائر القمة، قنديل أم هاشم، وبين القصرين"، كما قدّم أعمالًا وطنية مثل فيلم "الطريق إلى إيلات" الذي يعد واحدًا من أشهر الأعمال التي عبّرت عن ملحمة قدمها المصريون في حربهم ضد العدو.
وقف أمام عزت العلايلي أشهر نجمات السينما، لكنه شكّل ثنائيًا مميزاً مع الفنانة سعاد حسني، وقدّم معها مجموعة من الأفلام مثل "الاختيار والقادسية، أهل القمة، على من نطلق الرصاص، والناس والنيل"، ويقول عنها: "سعاد كانت قيمة فنية عالية رغم أنها من أبسط الناس، وجمعتني بها علاقة قوية وبأسرتي وكنا نذهب سويًا لنأكل الأكلات الشعبية مثل الفول والطعمية، وللأسف سعاد ظُلمت من بعض الناس".
عاش عزت العلايلي حياة هادئة مع زوجته الراحلة، الذي تأثر كثيرًا بوفاتها ليقول عنها: "كانت تهيئ لي المناخ المناسب للعمل والإبداع وكانت تصلي من أجلي، لا أتذكر نهائيًا حدوث مشكلة بيننا بل العكس كانت سيدة جميلة ووفاتها أثرت في روحي وحياتي".
تنوعت بصمات عزت العلايلي في السينما والتلفزيون والمسرح، وقدّم أشهر الأعمال التي وضعته في منطقة مختلفة عن غيره مثل "الجاسوس" و"السقا مات" و"بين القصرين" و"ليلة عسل" و"التوت والنبوت" وغيرها في السينما، كما قدّم مشوارًا حافلًا في التلفزيون منذ الستينيات، التي اختتمها بمسلسل "قيد عائلي"، ليرحل بعد أن وصل رصيد أعماله أكثر من 100 عمل فني.