تحل اليوم الذكرى الأولى لرحيل المخرج المصري جلال الشرقاوي، الذي عشق الفن والإبداع منذ الصغر، وحرص على أن يكون جزءًا من هذا العالم الكبير؛ ليتحول من مجرد هاوٍ للفن لأحد أبرز المخرجين الذين أثروا في تاريخ المسرح العربي، وصنع أعمالًا ساهمت في خروج أجيال من النجوم يكملون مسيرته الفنية التي مازالت باقية حتى الآن.
مسرح إيزيس
بدايات جلال الشرقاوي الذي ولد في يونيو عام 1934 مع الفن كانت من المدرسة وحي السيدة زينب، إذ يقول في حوار سابق له: أنا من أبناء السيدة زينب وفتحت عيني على مسرح إيزيس، وهناك كنت أشاهد عمالقة الفن، يوسف وهبي وغيره وهذا كان المؤثر الأول في حبي للفن، بالإضافة إلى ميول طبيعية، فمنذ الصغر وأنا أريد أن أصنع جزءًا من هذا العالم".
مدرس علوم
في المرحلة الجامعية تغير الأمر تمامًا؛ وإرضاء من جلال الشرقاوي لوالده التحق بكلية العلوم، وحصل على البكالوريوس عام 1954، ولكن هذا لم ينسه العشق الذي ولد داخله منذ الصغر، إذ قال في لقاء تليفزيوني سابق: "حرصت على دخول معهد فنون مسرحية لأدرس ما أحب، رغم كوني أعمل في التدريس وقتها، ولكن الصدفة قادت التغيير، ففي الصباح أكون مدرسًا، وفي المساء أذهب إلى المعهد لأمارس شغفي وأشبعه، ولكن لا أنكر أن الكيمياء أثرت على مشواري كثيرًا وبرمجة أفكاري وأصبح كل شيء بالنسبة لي يخضع للتفكير العلمي".
اكتشاف الموهبة
في عام 1962 بدأ جلال الشرقاوي في اكتشاف مواهبه الإخراجية وميوله للألوان المسرحية المختلفة، قائلًا: "كانت فترة تجريب، وكنت أرى تأثير أعمالي على المتفرج المصري، واستطعت أن أقدم ألوانًا مختلفة من المسرحيات، ووجهت كل اهتمامي إلى المسرح لأقدم ما أريد".
مدرسة المشاغبين
جلال الشرقاوي الذي قدم أكثر من 50 مسرحية لا تنسى، كانت له بصمة واضحة في عمل ما زال باقيًا وناجحًا إلى الآن، وهو "مدرسة المشاغبين" التي يعتبرها بصمة في تاريخ المسرح العربي، ويقول في لقاء تليفزيوني: "المسرحية كانت تعالج إلى حد ما فكرة الشاب المنحرف وكيفية إعادته إلى الطريق الصحيح، كما أن أبطال المسرحية لم يكونوا وقتها نجومًا بل شباب غير معروفين تمامًا وفي بداية حياتهم، كانت تلك المسرحية فارقة في حياة كل من شارك فيها".
وأضاف: كانت المسرحية في الأساس مكتوبة للراحل عبد المنعم مدبولي، ولكن لظروف جاء بدلًا منه الفنان الراحل حسن مصطفى في دور الناظر.
ومن هذا المنطلق، تأتي مرحلة جلال الشرقاوي مكتشف المواهب، الذي لم يبخل على أي شاب يحلم بالتمثيل ويمتلك الموهبة في أن يمنحه الفرصة، إذ لم يكتف باكتشاف شباب مدرسة المشاغبين فقط، بل هناك العديد من النجوم الموجودين على الساحة الآن خرجوا من تحت مظلة المخرج الكبير.
بطولة جماعية
كان الراحل جلال الشرقاوي ضد مسرحية النجم الأوحد، مؤمنًا بالبطولة الجماعية، إذ يقول في لقاء تليفزيوني: "النرجسية والذاتية داخل الممثل يجب أن تكسر؛ لأن نظرية النجم الواحد لا تدوم، ويجب أن يكون نجمًا جاذبًا جدًا ليترك المشاهد منزله ويخرج إليه؛ لذا أنا مع البطولة الجماعية".
حرص جلال الشرقاوي على تقديم ما يجذب الجمهور لم ينسه أهمية تقديم عمل فني ناجح، لذا كان مهتمًا بدور الناقد الفني ورؤيته لأعماله، إذ يقول: "الناقد بالنسبة للفنان مفيد جدًا، ولكن بشرط أن يكون ناقدًا بالمفهوم العلمي، وأنا في بعض الأحيان، حينما اقتنع بوجهة نظر ناقد في عرض لي، أغيّر من النص وأصحح، لأنني أقرأ بعناية شديدة وأستفيد من مقالاتهم، ولكن ناقد الهوى لا أحبه".
المسرح الغنائي
أحب جلال الشرقاوي المسرح الغنائي وقدّم تجربة لا تنسى، وهي "تمر حنة" ويحكي عنها قائلًا: "الفضل يرجع للملحن المصري الراحل بليغ حمدي والمطربة وردة اللذين تحمسا للتجربة، على الرغم من أن هناك أشخاصًا كثيرين كانوا ضد الفكرة، وقالوا لوردة ما الذي يجعلك تذهبين إلى عرض كهذا بأموال قليلة وتتركين حفلاتك، ولكنها لم تستجب وشاركت معي وقدمت 27 أغنية".
مواهب مختلفة
لم تتوقف مواهب جلال الشرقاوي عند الإخراج فقط، بل شارك كممثل في عدد من الأعمال منها فيلم "خلي بالك من عقلك" وغيره، وكان منتجًا أيضًا من خلال مسرحية "الجوكر"، كما خدم المسرح والفن من خلال توليه عددًا من المناصب، منها مدير مسرح توفيق الحكيم، أستاذ التمثيل والإخراج بالمعهد العالي للفنون المسرحية، ولم يتوقف عطاؤه المسرحي عند هذا الحد، بل أسس مسرحًا خاص وهو "مسرح الفن" الذي قدّم من خلاله العديد من العروض المسرحية الناجحة، وكان له دور فاعل في إثراء الحركة المسرحية.
رحيل
في مثل هذا اليوم العام الماضي، رحل عن عالمنا مخرج مدرسة المشاغبين، مُتأثرًا بإصابته بفيروس كورونا، ولكن بقيت أعماله خالدة بين الأجيال.