الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

مخرج "حسن": وثقت قصة فلسطيني عاش النفي والأسر والجوع 14 شهرا

  • مشاركة :
post-title
المخرج الفلسطيني محمد الشريف

القاهرة الإخبارية - إيمان بسطاوي

من قلب المجاعة والحصار والقصف خرجت حكاية "حسن" لتكون شهادة حيّة على معاناة الفلسطينيين في غزة، من خلال قصة شاب من شمال غزة عاش المأساة بكل تفاصيلها من حصار وجوع ومجازر ونفي وصولًا إلى تجربة البقاء وحيدًا بعيدًا عن عائلته لأشهر طويلة.

التقطت أذن المخرج الفلسطيني محمد الشريف هذه القصة التي رواها له أحد أصدقائه النازحين في إحدى المدارس، ليقرر تجسيدها في فيلم وثائقي حمل اسم الشاب نفسه، ويسرد واقعًا مؤلمًا يعيشه آلاف الأشخاص من غزة، وفي حواره مع موقع "القاهرة الإخبارية" يروي الشريف تفاصيل رحلته مع الفيلم منذ لحظة ميلاد الفكرة، مرورًا بالصعوبات التي واجهها في التصوير والمونتاج تحت القصف، وصولًا إلى المشاركة في المهرجانات العالمية وترشيحه للأوسكار.

بداية الحكاية

يكشف مخرج العمل رحلة فيلمه الوثائقي "حسن" بين الحصار والمجازر، ليكشف بداية القصة قائلًا: "فكرة الفيلم بدأت بالصدفة، عندما كنت أتحدث مع صديق عن نماذج من الشباب النازحين، وذكر لي قصة حسن، وهو شاب من شمال غزة، شدّتني قصته؛ لأنّها لم تكن تحكي عن شخص بعينه فقط، بل عن شريحة كاملة من المجتمع الفلسطيني الذي يعيش ظروفًا قاسية وصعبة، تواصلت معه مباشرة، وقررت أن أوثق حكايته".

تفاصيل القصة

حملت قصة حسن مرارة عكست حجم المعاناة التي يعيشها سكان القطاع، والتي يقول عنها مخرج العمل: "حسن فقد شقيقه الأصغر خلال المجاعة التي استمرت ثلاثة أو أربعة أشهر في شمال القطاع، وكانت ظروفها أقسى مما مرّ به سكان الجنوب في تلك الفترة، بعدها اضطر أن يذهب إلى الجنوب لجلب الطحين، وهناك وقعت مجزرة النابلسية، حيث حاصرته الدبابات وتم أسره مع مجموعة من الأشخاص، قضى خمسة أيام محتجزًا، بينما كانت عائلته تبحث عنه في المستشفيات معتقدة أنه استشهد، وبعد مرور 5 أيام أفرجوا عنه في النهاية، لكنه نُفي إلى الجنوب، حيث عاش وحيدًا بعيدًا عن أسرته قرابة أربعة عشر شهرًا، يحاول باستمرار العودة إلى الشمال لأهله دون جدوى".

صعوبات التصوير

لم يكن التصوير سهلاً مع وجود قصف مستمر على مسافة قريبة منهم وانقطاع الكهرباء والإنترنت، ليضيف المخرج قائلًا: "ظروف التصوير كانت بالغة الصعوبة، فحسن كان يعيش في مكان بعيد عني في إحدى المدارس، ولم تكن هناك كهرباء ولا شبكة اتصالات ولا إنترنت، كنت أضطر أن أذهب إلى حيث يقيم وأبحث عنه، أحيانًا أجده وأحيانًا لا. كنّا نتعرض مرارًا للقصف أو إطلاق النار ونحن معًا، والمواصلات كانت شبه معدومة، استمر تصوير الفيلم سبعة أشهر، منذ بداية القصة وحتى عودة النازحين إلى الشمال".

يتابع: "بعد الانتهاء من التصوير واجهت تحديًا آخر، وهو المونتاج، قررت أن أمنتج الفيلم بنفسي، رغم أن زملائي كانوا يرسلون أفلامهم إلى فرنسا ليتولى رشيد مشهراوي الإشراف عليها. رشيد في البداية رفض فكرة مونتاج الفيلم في غزة؛ نظرًا لظروف الحرب، لكنه عندما رأى إصراري وافق، وتفاجأ لاحقًا بأنني أنجزت المونتاج رغم كل الصعوبات من قصف وجوع وعدم وجود كهرباء، اعتمدت على الطاقة الشمسية بسبب انقطاع الكهرباء، كنت أعمل وسط أصوات القصف والجوع والخوف، لكن إصراري كان أقوى من كل العوائق".

أدوار مزدوجة

رغم كثرة العوائق، إلا أن التحدي الأكبر كان استكمال العمل، وعن ذلك يقول محمد الشريف: "لم يكن لدي خيار سوى أن أتولى بنفسي مهمة التصوير إلى جانب الإخراج. في العادة، كنت أفضّل أن أركز فقط على الإخراج، لكن بسبب ظروف الحرب لم يكن هناك مصورون متاحون، فزملائي كانوا عالقين في الشمال، وآخرون كانوا مترددين أو خائفين؛ لذلك تحملت مسؤولية التصوير والصوت بنفسي، وكان من الصعب أن أوازن بين الدورين، لكنني في النهاية تمكنت من تحقيق التوازن".

المشاركة في المهرجانات

وعن مشاركة الفيلم في مهرجان "الجونة" السينمائي وترشيحه للأوسكار يقول: "مشاركة فيلمي في مهرجان دولي مهم مثل الجونة كانت خطوة عظيمة بالنسبة لي، رغم أنني كنت أتمنى أن أكون حاضرًا مع زملائي، لكن الحرب حرمتنا من السفر، أما الترشيح للأوسكار فلم يكن متوقعًا لا بالنسبة لي ولا لزملائي، لكنه يمنحنا دافعًا أكبر لنستمر ونصنع أعمالًا للتاريخ وتعزز بداخلنا الثقة".

مقارنة مع التجربة الأولى

ويضيف: "مقارنة بتجربتي الأولى، كان هذا الفيلم نقلة كبيرة. فيلمي الأول "خارج التغطية" صورته بطريقة "وان شوت" ومدته أربع دقائق فقط، بينما فيلم حسن استغرق سبعة أشهر تصويرًا، وبلغت مدته ثلاثين دقيقة، التجربة علّمتني الكثير ومعايشة الظروف وكنّا نكتشف أشياء كثيرة".

يتابع الشريف: "كان للمخرج رشيد مشهراوي دور مهم في دعمي ودعم زملائي، كان حريصًا على أن يمدّنا بالخبرة والنصيحة، ويتابع خطواتنا رغم ظروفه الخاصة".

مشروع جديد

الظروف الصعبة لم تنه المخرج عن مواصلة صناعة أعمال للتاريخ، بحسب ما يؤكد، فيقول عن ذلك: "بدأت بالفعل العمل على فيلم جديد منذ بداية الحرب، ومن المتوقع أن تتراوح مدته بين ساعة ونصف وساعة وأربعين دقيقة، مهمتنا كصنّاع سينما أن نوثق للتاريخ، وطالما نحن على قيد الحياة، علينا أن نستمر، كما شاركت في مشروع (المسافة صفر)، حيث صورت ثلاثة أفلام إلى جانب فيلمي: (حكايات غير مكتملة)، (غزة إلى الأوسكار)، و(بلياتشو الحرب). كنت مصورًا فيها لمساندة زملائي، رغم أنني كنت أعلم أن التحديات واحدة، لكن إيماننا بالرسالة جعلنا نواصل العمل".