في وقت تتأرجح بريطانيا بين أزمة هوية وصراعات سياسية محتدمة، يطل نايجل فاراج مجددًا من قلب العاصفة، حاملًا على عاتقه مشروعًا جديدًا يصفه بأنه "الفرصة الأخيرة" لإنقاذ المملكة المتحدة مما يسميه "غزو المهاجرين".
الرجل الذي نجا من حادث سيارة كاد يودي بحياته، وخرج حيًا من حادث تحطم طائرة، وقهر السرطان، بات اليوم يقدّم نفسه كـ"مخلّص" سياسي لشعب يتملكه الغضب واليأس، ويريد فاراج، الذي لقبته الصحافة بـ"سيد البريكست"، الآن أن يكتب فصلًا جديدًا من تاريخ بريطانيا، لكن هذه المرة عبر حرب معلنة ضد الهجرة، وبالأخص ضد المهاجرين المسلمين، وفق تقارير القناة الرابعة البريطانية.
إنقاذ بريطانيا المكسورة
ويقدّم نايجل فاراج نفسه اليوم كـ"الفرصة الأخيرة" لبريطانيا، فبعد أن قاد معركة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، يعلن فاراج (61 عامًا) أن معركته الكبرى المقبلة هي إنقاذ ما يسميه "بريطانيا المكسورة" من موجات المهاجرين، ويتوعد بإجراءات صارمة تشمل وقف قوارب المهاجرين خلال أسبوعين فقط من وصوله إلى داونينج ستريت، وترحيل 600 ألف مهاجر غير شرعي خلال خمس سنوات، وعمل تخفيضات واسعة في الضرائب والإنفاق الحكومي.
ويؤكد أن الانتخابات المقبلة، التي موعدها المقرر 2029، قد تُقدَّم إلى عام 2027، في وقت يتجهز حزبه "إصلاح المملكة المتحدة" لتولي السلطة، بعد أن كان يُنظر إليه سابقا كحزب هامشي يميني متطرف.
مواجهة حزب العمال
خلال الأشهر الأخيرة، فرض فاراج نفسه معارضًا رئيسيًا لحكومة كير ستارمر، زعيم حزب العمال، وبحسب استطلاعات الرأي التي نشرتها شبكة "سي إن إن"، فإن قضية الهجرة تتقدم الآن على الاقتصاد في أولويات البريطانيين.
وقد استغل فاراج احتجاجات اندلعت عقب اعتداء جنسي ارتكبه مهاجر غير شرعي يقيم في فندق ممول من دافعي الضرائب، ليصف الوضع بأنه "غزو حقيقي"، مؤكدًا أنه نشأ في كنف أم منفردة بعد غياب والده المدمن على الكحول، وفي سن المراهقة اتُهم في مدرسته بأنه "فاشي"، وقال إن بريطانيا تعيش انهيارًا اقتصاديًا واجتماعيًا وثقافيًا.
في خطاباته، يقتبس فاراج شعارات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، متعهدًا بـ"جعل بريطانيا عظيمة من جديد"، ويصر على أن المملكة فقدت هويتها ونسيت جذورها المسيحية واليهودية، ويقول: "لقد توقفنا عن الاعتراف بثقافتنا العريقة، لن نسمح بتلويث عقول أطفالنا بتاريخ مشوه لهذه الجزر"، حسب قوله.
سيد البريكست
ولد فاراج عام 1964 في لندن، وردد "أغاني شباب هتلر" وهو ما أنكره لاحقًا، وفقًا لتحقيقات القناة الرابعة البريطانية، وفي العشرينات من عمره نجا من حادث دهس خطير، ومن مرض السرطان، وتزوج من ممرضة عالجته، وفي 2010 نجا من تحطم طائرة دعائية أثناء الانتخابات، وخرج من الحطام مصابًا لكنه أكثر إصرارًا.
قاد فاراج حزب استقلال المملكة المتحدة (UKIP)، وكان لاعبًا رئيسيًا في استفتاء 2016 الذي انتهى بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وركّز حملاته آنذاك على الهجرة، بما في ذلك ملصق "نقطة الانهيار" الذي أثار جدلاً واسعًا واعتبره منتقدون دعاية نازية.
لقب بـ"سيد البريكست"، ثم أسس حزب "بريكست" عام 2019، الذي تحول لاحقًا إلى "إصلاح المملكة المتحدة"، ورغم فشله المتكرر في دخول البرلمان البريطاني بسبع محاولات خاسرة، فقد فاز أخيرًا بمقعد العام الماضي.
الحزب الصاعد
يمتلك حزب فاراج الآن خمسة مقاعد فقط في مجلس العموم، من أصل 650، لكن استطلاعات الرأي تتوقع حصوله على نحو 300 مقعد إذا أجريت الانتخابات اليوم، ما يجعله الحزب الأكبر.
يُعزى هذا الصعود إلى شخصية فاراج الكاريزمية، المحبة للبيرة والحانات، في مقابل شخصية ستارمر "الروبوتية" كما وصفها شاب حضر مؤتمر الحزب لشبكة "سي إن إن".
ورغم نجاحه، يواجه فاراج اتهامات بنشر الإسلاموفوبيا، خاصة بعد قوله إن 46% من المسلمين البريطانيين يدعمون حماس، لكنه ينفي ذلك ويؤكد أنه يرفض الانجرار إلى "حرب دينية"، في المقابل، هاجمه الملياردير إيلون ماسك بسبب تباعده عن تومي روبنسون، أحد أبرز رموز اليمين المتطرف البريطاني.
كما واجه حزبه فضائح بعد تسريبات القناة الرابعة البريطانية التي كشفت تصريحات عنصرية من نشطائه.
ويهاجم فاراج حزب المحافظين ويتهمه بالتواطؤ في سياسة "الحدود المفتوحة"، بل ويقول إنه "لن يسامح أبدًا" بوريس جونسون على السماح لملايين المهاجرين بالدخول قانونيًا بعد البريكست.
داعم لإسرائيل
ورغم اتهامه سابقًا بتصريحات ذات طابع معادٍ للسامية، يعلن فاراج مواقف مؤيدة لإسرائيل، فقد دعّم هجومها على إيران في "حرب الأيام الاثني عشر"، وأكد رفضه الاعتراف بدولة فلسطينية في ظل وجود حماس، معتبرًا أن ذلك "مكافأة للإرهاب".