الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

وسط فوضى وفساد بلا مساءلة.. أمريكا على حافة الهاوية في عصر "ترامب"

  • مشاركة :
post-title
أمريكا تتجه نحو هاوية أخلاقية وسط فوضى وفساد بلا مساءلة

القاهرة الإخبارية - عبدالله علي عسكر

في مشهد سياسي أمريكي مأزوم، تتداخل فيه مصالح السلطة مع جشع الشركات الكبرى، يطل علينا تقرير صادم لمجلة "فورين أفيرز" الأمريكية تحت عنوان "الهاوية الأخلاقية: أمريكا تنام في الظلام"، الذي يرسم صورة قاتمة لأمة فقدت بوصلتها الأخلاقية، وسط الفوضى والفساد واللامساءلة، فيما تتراجع مؤسساتها الديمقراطية إلى مستويات خطيرة.

مستنقع الفساد

يشير التقرير إلى أن شوارع العاصمة الأمريكية أصبحت تحت سيطرة القوات المسلحة، في مشهد غير مألوف إلا في الدول التي تعيش أزمات وجودية، ومع ذلك، لا يبدو أن هذه الإجراءات الاستثنائية تعكس يقظة للدولة، بل تُجسد حالة سُبات عميق.

فعدد متزايد من المرضى والمسنين يفتقدون إلى الرعاية الصحية الكافية، فيما يتراجع الطب والعلم، بما في ذلك أبحاث المناخ التي طالما قادت الولايات المتحدة العالم فيها.

وتصف "فورين أفيرز" إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بأنها مستنقع يتعمق يومًا بعد يوم، فالجشع والفساد ينسابان كسيل جارف، بينما تُلقى أي مظاهر للحكم الرشيد في "نار جهنم"، على حد وصف التقرير.

وتضيف المجلة أن قضايا مثل فضائح جيفري إبستين، أو الحديث عن خيانة باراك أوباما، أو التلاعب بالأرقام الاقتصادية، ليست سوى أدوات لصرف الانتباه عن التفكيك الممنهج للمؤسسات الأمريكية. الإطار المؤسسي الذي كان هشًا قبل ترامب أصبح الآن مُختلًا بالكامل.

محاولات التشتيت

يقول التقرير إن وسائل الإعلام الأمريكية غارقة في متابعة قضايا مثل محاولة ترامب الظفر بجائزة نوبل للسلام، أو فضائح إبستين الجنسية، أو حكايات المشاهير المنبوذين، بينما تتوارى عن الأنظار صور المسؤولين الحكوميين الذين كان يُفترض أن يُجسّدوا الخدمة العامة.

الهدف من هذا التناول الإعلامي، وفق المجلة، ليس سوى التشتيت، فبدلًا من مساءلة الفساد والانهيار المؤسسي، ينشغل الرأي العام بمسرحيات جانبية، بينما أمريكا تغرق في سُبات عميق.

وبحسب التقرير، فإن هناك غيابًا مُريبًا لرجال الدين الذين يشاهدون أمريكا تُمزَّق باسم "القومية المسيحية البيضاء"، مشيرة إلى أن بعض القساوسة يمكن أن يقدموا عظات رصينة، لكن من النادر أن يحثوا أتباعهم على رفض الكراهية، الأمر ذاته ينطبق على قادة يهود ومسلمين لم يتبنوا -معظمهم- موقفًا جادًا لمواجهة مُعاداة السامية أو الإسلاموفوبيا المتزايدة.

غياب المساءلة

تؤكد "فورين أفيرز" أن ما تحتاجه الولايات المتحدة اليوم أكثر من أي وقت مضى هو المساءلة، وأن غيابها يعني انهيار الأساس الأخلاقي الذي يُفترض أن يقوم عليه الحكم الرشيد.

المجلة تدعو صراحة إلى تحميل ترامب وعصابته المسؤولية الكاملة، بل وتطالب بأن يعرى الفاسدون علنًا أمام الشعب، بدءًا من قضاة المحكمة العليا الذين يتوارون خلف الملفات السرية، مرورًا برؤساء وزارات العدل والصحة والتعليم والخارجية، وصولًا إلى كبار البيروقراطيين الذين تجاهلوا سيادة القانون.

كما تطالب بتحميل الإدارات السابقة، جمهورية وديمقراطية على السواء، مسؤولية صمتها وتواطؤها في قضايا مأساوية مثل إبادة المدنيين في غزة، إذ تُواصل أمريكا تسليح من يصفهم التقرير بـ"المسؤولين المباشرين عن الكارثة".

وتنتقل المجلة إلى الحديث عن الرؤساء السابقين، جو بايدن، باراك أوباما، وجورج دبليو بوش، الذين طالما تحدثوا عن "عظمة الأمة" و"قدسية الدستور"، لكنها ترى أنهم اليوم صامتون أمام انهيار المؤسسات ذاتها التي أقسموا يومًا على حمايتها.

فبايدن يبدو غارقًا في إدارة بيروقراطية عاجزة، وأوباما يظهر أحيانًا بخطابات تسلية، قبل أن يختفي سريعًا، أما بوش، فصمته يعكس عجزًا عن مواجهة تركة سياساته السابقة.

وتلفت المجلة إلى أن المؤسسات الأمريكية المدنية، التي يُفترض أن تكون حامية للقيم، بدت عاجزة عن أداء دورها، فالجامعات بدلًا من تدريس الأخلاق باتت أقرب إلى مؤسسات لتقويضها، والشركات الكبرى ومكاتب المحاماة مشغولة بالدفاع عن مصالح الأغنياء لا محاسبتهم.

أمريكا النائمة

في خاتمة تقريرها، تُشبه المجلة الولايات المتحدة بأمة تغفو بينما تراكم حولها الكوابيس، فالوعود الكبرى التي بنت عليها أمريكا أسطورتها الوطنية تتباعد أكثر فأكثر عن الواقع.

ويُظهر تقرير فورين أفيرز أن الأزمة الأمريكية اليوم ليست أزمة سياسية عابرة، بل أزمة أخلاقية وجودية، إنها لحظة تاريخية يُختبر فيها "ما إذا كان النظام الديمقراطي الأمريكي قادرًا على تصحيح مساره، أم أنه سينحدر أكثر نحو هاوية لا عودة منها؟".

في كل الأحوال فإن أمريكا نائمة وإذا لم تستيقظ قريبًا، فقد لا تجد نفسها فقط في ظلام داخلي، بل في انهيار شامل يُعيد تشكيل مكانتها العالمية، كما تؤكد المجلة.