في الوقت الذي يصرّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على أن أبناء شعبه يشهدون "أفضل حقبة للولايات المتحدة اقتصاديًا على الإطلاق"، يعترف مسؤولو البيت الأبيض، في الجلسات الخاصة بعيدًا عن الميكروفونات، بأن الناس العاديين لا يشعرون بذلك.
وأظهر الاقتصاد الأمريكي العديد من العلامات الإيجابية، إذ نما في الربع الثاني بوتيرة أسرع مما كان متوقعًا في البداية، وزادت الإنتاجية، ولم يرتفع التضخم رغم التعريفات الجمركية الجديدة، وانخفضت أسعار البنزين إلى مستويات غير مسبوقة منذ عقود، كما تجنّب الجمهوريون ما كان سيُعتبر زيادة ضريبية كبيرة من خلال مشروع قانون ترامب في وقت سابق من هذا العام.
ومع هذا، تُظهر استطلاعات الرأي أن الأمريكيين لا يزالون قلقين بشأن ارتفاع الأسعار، وهناك مؤشرات على أن مرونة الاقتصاد بدأت تضعف، مما يُصعّب على الإدارة سد الفجوة بين صورة الاقتصاد على الورق وشعور الناس.
كما صرّح مكتب الميزانية بالكونجرس، الجمعة، بأن قانون ترامب الذي عُرف بـ"الكبير والجميل"، لن يكون له تأثير يُذكر على النمو الاقتصادي قبل انتخابات 2028، إذ ستُضعف مكاسبه بسبب التعريفات الجمركية التي فرضها الرئيس وحملته الصارمة على الهجرة.
فخ سياسي
يشير تحليل لصحيفة "بوليتيكو" إلى أن الترويج للإحصاءات الاقتصادية الإيجابية في ظل تراجع المعنويات هو فخ سياسي وقع فيه العديد من الإدارات في البيت الأبيض، بما في ذلك إدارة الرئيس السابق جو بايدن، والذي خلال فترة ولايته، أصرّ ومساعدوه على أن الإحصاءات الاقتصادية تُبرّر سياساتهم، حتى مع فشل تلك البيانات في حشد الناخبين المُحبطين.
لذلك، من الممكن أن يواجه الجمهوريون مشكلة مماثلة وهم يتجهون إلى ما يُتوقع أن يكون معركة صعبة للسيطرة على مجلس النواب.
وفي السر، يدرك مساعدو البيت الأبيض حقيقة المخاوف الاقتصادية الأمريكية، لكنهم يعتقدون أن سياساتهم ستُحسّن الوضع بحلول الخريف المقبل.
ينقل التحليل عن مسؤول كبير في البيت الأبيض قوله: "لا تختفي دورات التضخم في غضون ستة أشهر أو عام، علينا أن نغير مسار الأمور، وأعتقد أننا نحرز تقدمًا في هذا الصدد".
أظهر استطلاع رأي حديث أجرته شبكة CBS News أن 36% فقط من الأمريكيين يقولون إن الاقتصاد "جيد"، بينما قال بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، الاثنين، إن الناس يعتقدون أن هناك فرصة بنسبة 45% للعثور على وظيفة جديدة إذا كانوا عاطلين عن العمل، وهي أضعف قراءة منذ بدء الاستطلاع في عام 2013.
كما جاء تقرير الوظائف لشهر أغسطس أضعف من المتوقع، ويظل التضخم أعلى من هدف بنك الاحتياطي الفيدرالي، كما وصلت طلبات البطالة إلى أعلى مستوى لها منذ أواخر عام 2021.
تفاؤل نسبي
رغم تصريحات إدارة ترامب المتفائلة، يواصل مسؤولو البيت الأبيض إلقاء اللوم على بايدن في تدهور الاقتصاد، مشيرين إلى أحدث مثال على ذلك، مراجعة الوظائف الصادرة عن مكتب إحصاءات العمل، والتي كشفت أن التوظيف في الولايات المتحدة من أبريل 2024 إلى مارس 2025 كان مُبالغًا فيه بمقدار 911 ألف وظيفة، وهو أكبر مراجعة هبوطية مُسجّلة.
ويأمل حلفاء الرئيس الحالي أن تُعطي هذه الأرقام، الصادرة يوم الثلاثاء، البيت الأبيض غطاءً إضافيًا في سعيه لمعالجة آراء الناخبين.
ومن المقرر أن يخفض مجلس الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة في اجتماعه الأسبوع المقبل، وهي خطوة ازدادت احتمالية حدوثها بعد انخفاض أسعار الجملة في أغسطس، حتى مع بدء ارتفاع أسعار المستهلكين تدريجيًا تحت ضغط الرسوم الجمركية.
وكان التضخم يتراجع في بداية هذا العام، لكنه في ارتفاع مطرد منذ مايو، وتشير أحدث الأرقام إلى أن التضخم قريب من مستواه في يناير، ويرى التحليل أن "خفض أسعار الفائدة، الذي دعا إليه ترامب منذ أشهر، يُقلل من تكلفة الاقتراض والإنفاق على المستهلكين والشركات، مما يُحفّز الاقتصاد نظريًا".
ويتوقع مساعدو البيت الأبيض تخفيضات متعددة في أسعار الفائدة قبل انتخابات العام المقبل، ويعتقدون أن هذه التخفيضات، إلى جانب الزيادات المستمرة في الأجور الحقيقية وتأثيرات التخفيضات الضريبية التي أقرها القانون الكبير، سوف تمنح الناس شعورًا بأن أوضاعهم الاقتصادية تتحسّن.
ونقلت "بوليتيكو" عن المسؤول الكبير في البيت الأبيض: "إننا نشعر بالتفاؤل نسبيًا؛ لأننا أجرينا تخفيضات ضريبية مبكرة جدًا، وطبقناها بأثر رجعي، وسندخل في دورة تخفيضات أسعار الفائدة".
مع ذلك، واجه البيت الأبيض صعوبة في إيصال رسالة تشريعه الرئيسي للسياسة الداخلية، حيث أظهر استطلاع رأي أجراه مركز "بيو" الشهر الماضي أن 46% من الأمريكيين يرفضون القانون، بينما أيده 32%.
وفي محاولة لعكس هذه الأرقام، بالإضافة إلى المخاوف الاقتصادية، أعاد البيت الأبيض تسمية ما يُسمى بمشروع قانون "الجميل الكبير" ليصبح "تخفيض ضرائب الأسر العاملة".