الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

بين الاختيار والضرورة وربما الصدفة.. مضيق تايوان قد يشعل حربًا تغير العالم

  • مشاركة :
post-title
مضيق تايوان قد يشعل حربا كبرى تغير العالم

القاهرة الإخبارية - عبدالله علي عسكر

في تايوان تتقاطع الحسابات السياسية مع الإستراتيجيات العسكرية في منطقة مشبعة بالتوترات، إذ يصبح الحادث العابر قادرًا على إشعال صراع تاريخي، هكذا تُحذر مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية في تقرير مطول من أن الخطر الحقيقي في مضيق تايوان لا يكمن فقط في "حرب مختارة" قد تخطط لها بكين بعناية، أو "حرب ضرورة" تفرضها اعتبارات السيادة، بل في "حرب الصدفة".

المواجهة التي قد تنفجر من حادث بسيط أو سوء تقدير تتحول إلى كارثة عالمية يصعب السيطرة عليها، إذ تضع المجلة الصادرة عن مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، سيناريوهات محتملة، وتجارب تاريخية، وعوامل متشابكة تجعل من تايوان واحدة من أخطر نقاط الاشتعال في القرن الحادي والعشرين.

سيناريوهات محتملة

تصف "فورين أفيرز" المشهد عبر ثلاثة مسارات محتملة، الأول حرب الاختيار التي تقوم الصين فيها بقرار واعٍ للاستيلاء على تايوان بعد حساب دقيق للمخاطر الاقتصادية والسياسية والعسكرية، وهذه الخطوة، رغم عدوانيتها، قد يراها قادة بكين ممكنة إذا اعتقدوا أن الكلفة أقل من الفائدة.

والثاني حرب الضرورة التي تتحرك فيها الصين عسكريًا إذا تجاوزت تايوان "خطًا أحمر"، مثل إعلان الاستقلال رسميًا، وفي هذه الحالة سيكون التدخل العسكري مسألة بقاء للسلطة الصينية، بغض النظر عن التكاليف.

ويكون السيناريو الأخير حرب الصدفة الأخطر والأكثر ترجيحًا، إذ تنشأ مواجهة من حادث بسيط، مثل اشتباك جوي أو بحري، تتطور بسرعة بفعل سوء التقدير وعدم الرغبة في التراجع.

حروب اللاشيء

توضح المجلة أن التاريخ مليء بحروب لم تُخطط لها الدول، بل اندلعت من شرارة صغيرة، فالحرب العالمية الأولى اندلعت إثر اغتيال الأرشيدوق فرانز فرديناند عام 1914، لتتطور إلى حرب شاملة بفعل تحركات الحلفاء وسلسلة من ردود الفعل.

كذلك بدأت الثورة الأمريكية من رصاصة عرضية أطلقها جندي بريطاني في كونكورد، لتتحول إلى حرب استقلال، أيضًا واحدة من أهم الحروب في اليونان القديمة انطلقت من مشاجرة محلية في مدينة إبيدامنوس، قبل أن تنجر إليها القوى الكبرى أثينا وإسبرطة.

وكذلك حرب الأفيون الثانية عام 1856 بدأت باعتقال طاقم سفينة بريطانية، لتتطور إلى هجمات عسكرية واسعة على الصين.

عناصر العاصفة الثلاثة

تستخلص المجلة أن ثلاثة عناصر تكررت في تلك الأحداث، بدأت بالاحتكاك العسكري المتكرر، والضغوط السياسية الداخلية، والتزامات الحلفاء التي تجعل التراجع مُكلفًا.

وترى "فورين أفيرز" أن هذه العناصر الثلاثة تجتمع بوضوح في مضيق تايوان، وفي يناير الماضي عبرت الطائرات الصينية الخط الأوسط للمضيق 248 مرة، مقارنة بـ72 مرة فقط، يناير 2024.

وأبريل 2024، اقتربت مقاتلة صينية لمسافة 40 ميلًا فقط من الجزيرة، أي خمس دقائق طيران إلى قلب العاصمة تايبيه، كما نفذت البحرية الصينية مناورات الرعد المضيق، ودخلت المياه المتاخمة لتايوان لأول مرة.

في نفس العام اعتقلت قوات خفر السواحل الصينية طاقم سفينة تايوانية قرب جزر كينمن، وكل حادث من هذه الأحداث قد يكون الشرارة التي تطلق شرارة مواجهة أكبر.

التراجع صعب

تشير المجلة إلى أن الاعتبارات الداخلية في الصين وتايوان تجعل أي تراجع سياسي شبه مستحيل، فبالنسبة إلى بكين، أي تنازل أمام ما تعتبره "نزعة انفصالية" سيُنظر إليه كهزيمة تهدد شرعية الحزب الشيوعي أمام شعبه.

وفي تايوان، رغم الضعف العسكري النسبي، فإن القادة يواجهون ضغطًا شعبيًا متزايدًا نحو الاستقلال، إذ يرغب نحو ربع السكان في انفصال رسمي عاجل أو مستقبلي.

في الولايات المتحدة، قد يدفع الضغط الحزبي الرئيس الأمريكي إلى التدخل سريعًا، خشية أن يُفهم التردد كضعف يُشجع بكين ويضعف مصداقية التحالفات الأمريكية في آسيا.

حوادث خطيرة

تضيف "فورن أفيرز" أن واشنطن قد تكون عامل تأجيج، إذ تُفسر أي حادث على أنه بداية لغزو صيني، فتتحرك عسكريًا فورًا، وعندها يُنظر إلى أي تعبئة أمريكية في بكين كخطوة هجومية، ما يدفعها إلى ضربات استباقية.

هذا السيناريو ليس بعيدًا، فالمناخ السياسي الأمريكي الداخلي قد يُجبر أي إدارة على إظهار الحزم، حتى لو كان الموقف حادثًا عرضيًا.

وتسرد المجلة سلسلة حوادث خطيرة تؤكد هشاشة الوضع، مشيرة إلى حادث عام 2001 حين اصطدمت مقاتلة صينية J-8 بطائرة استطلاع أمريكية EP-3 في بحر الصين الجنوبي، وكانت النتيجة مقتل الطيار الصيني واحتجاز الطاقم الأمريكي لعشرة أيام.

أيضًا حادث أكتوبر 2023 حين اقتربت مقاتلة صينية J-11 لمسافة ثلاثة أمتار فقط من قاذفة أمريكية B-52، ليلًا، وحادث يونيو 2024 عندما صعد بحارة صينيون على متن سفينة فلبينية وأصابوا أحد جنودها بجروح خطيرة، وكذلك الاشتباك الحدودي في وادي جالوان بين الصين والهند عام 2020، الذي خلّف عشرات القتلى.

وتقول المجلة: "لحسن الحظ، لم تتحول هذه الحوادث إلى حرب، لكن مضيق تايوان قد لا يمنح العالم الحظ نفسه".

إدارة المخاطر

تُوصي "فورين أفيرز" بعدة خطوات للحد من خطر الحرب، إذ على الصين وتايوان ضرورة إنشاء قنوات اتصال خلفية لمناقشة الأزمات قبل تفاقمها، وأن على الولايات المتحدة وتايوان تعزيز الحوار حول آليات الاستجابة في حالة الأزمات.

وأوضحت المجلة أنه على واشنطن التمسك بسياسة الغموض الإستراتيجي بدلًا من الوضوح، الذي قد يفرض عليها ردًا فوريًا، وعلى بكين ضبط النفس مع قواتها وتجنب أي تصرفات متهورة من الطيارين أو البحارة قد تشعل الأزمة.

وتلفت المجلة إلى أن الاتصالات السرية لعبت دورًا حاسمًا في منع الحرب، خلال أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962، وتقترح أن تكون هناك آليات مشابهة بين بكين وتايبيه، حتى لو عبر وسطاء أو معاهد بحثية.

صدفة قد تغير العالم

أكدت "فورين أفيرز" أن منع الحرب في مضيق تايوان لا يعني فقط تجنب كارثة إقليمية، بل الحفاظ على استقرار النظام الدولي بأسره، فحرب تبدأ بخطأ طيار أو حادث بحري قد تتطور إلى مواجهة بين أعظم قوتين في العالم.

وتختم المجلة تقريرها بتحذير صارم: "إن الارتجال في مواجهة الأزمات قد يكون أخطر من الحرب المخططة، فالعالم لا يحتمل حربًا عالمية أخرى تُشعلها صدفة صغيرة فوق مياه مضيق تايوان".