لم يكتفِ الإسرائيليون بتحويل حياة الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة إلى جحيم، عبر هجمات المستوطنين المستمرة والاستيلاء على أراضيهم، بل وجعلوا حتى إمكانية تنقلهم بين المدن الفلسطينية المحتلة تكاد تكون شبه معدومة، وبمثابة محنة شاقة وطريق بلا عودة لمن يفكر في ذلك.
وفي الوقت الذي انصب فيه معظم اهتمام العالم على الحرب المدمرة التي أكلت الأخضر واليابس في قطاع غزة، كانت المستوطنات تتوسع في الضفة الغربية المحتلة، برعاية الحكومة الحالية التي يهيمن عليها سياسيون متطرفون، في محاولة مستميتة للسعي لتغيير الحقائق على الأرض.
جحيم مستمر
وشهدت الهجمات التي يشنها المستوطنون على الفلسطينيين زيادة ملحوظة منذ 7 أكتوبر 2023، ووفقًا لتقديرات الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، يقدر عدد الفلسطينيين الذين استشهدوا في الضفة الغربية المحتلة خلال تلك الفترة نحو 995 فلسطينيًا، بينهم نساء وأطفال، مقابل 35 قتيلًا إسرائيليًا.
ويعيش الآن أكثر من 700 ألف مستوطن إسرائيلي في الضفة الغربية والقدس الشرقية، سواء في المستوطنات التي أقرتها الحكومة الإسرائيلية أو من خلال البؤر الاستيطانية غير المرخصة، التي يتم إقامتها تحت أعين الجيش الإسرائيلي، مما حول حياة العائلات الفلسطينية إلى جحيم مستمر.
محنة شاقة
وبحسب هيئة الإذاعة الأسترالية، بالنسبة للفلسطينيين الذين يعيشون في الضفة الغربية المحتلة، فإن السفر بين رام الله وبيت لحم يمكن أن يكون بمثابة محنة شاقة على الرغم من أن المدينتين تبعدان 22 كيلومترًا فقط، وبدلاً من السفر مباشرة نحو الشمال أو الجنوب، يتعين عليهم اتخاذ طريق دائري باتجاه البحر الميت.
ذلك الأمر يجعل الفلسطينيين يصطدمون بنقاط تفتيش إسرائيلية متعددة خلال رحلة تستغرق ساعات طويلة، في حين كان من المفترض أن تستغرق فقط عدة دقائق بالسيارة، ويرجع ذلك إلى أن الأراضي الواقعة مباشرة بين المدينتين، على مشارف القدس الشرقية، خالية إلى حد كبير من البنية التحتية، حيث كانت مخصصة منذ فترة طويلة للتنمية الإسرائيلية.
إقامة مستوطنات
وتعرف تلك المنطقة باسم المنطقةE1، وحاولت إسرائيل مرارًا الشروع في إقامة مستوطنات فيها كان أولها في عام 1994، إلا أن الضغوط الدولية الشديدة حالت دون ذلك. ويعود الأمر إلى أن أي استيطان في المنطقة من شأنه أن يربط القدس فعليًا من الغرب بمستوطنة إسرائيلية كبيرة إلى الشرق تدعى معاليه أدوميم.
ولو تمكن الاحتلال الإسرائيلي من القيام بذلك، وفقًا للشبكة الأسترالية، سيكون هناك مبرر كبير لدى الحكومة لتوسيع الجدار العازل المثير للجدل في الضفة الغربية ليشمل المستوطنتين بالكامل، وهو ما قد يؤدي إلى تقسيم الضفة الغربية إلى نصفين وعزل القدس الشرقية، مما يدمر نهائيًا أي محاولات لإقامة الدولة الفلسطينية.
الجدار العازل
ويرجع ذلك إلى أن الاستيطان الإسرائيلي في المنطقةE1 من شأنه أن يربط القدس فعليًا، إلى الغرب، بمستوطنة إسرائيلية كبيرة إلى الشرق تدعى معاليه أدوميم، مما يعطي إسرائيل مبررًا لتوسيع الجدار العازل المثير للجدل في الضفة الغربية ليشمل المستوطنتين بالكامل.
خلال الأسبوع الماضي، وافقت الحكومة الإسرائيلية على خطة وزير المالية المتطرف بتسلئيل سموتريتش للبناء في المنطقة E1، التي تبلغ مساحتها 12 كيلومترًا مربعًا، وبالنسبة للوزير الإسرائيلي، فإن هذه الخطوة تعني أن فكرة الدولة الفلسطينية سيتم محوها من على طاولة المفاوضات "ليس بالشعارات، بل بالأفعال".
أنفاق الظلم
وتتضمن الخطة الإسرائيلية بناء نحو 3400 وحدة سكنية في المنطقة E1، وقد صدرت بالفعل أوامر إخلاء للمجتمعات البدوية التي تعيش داخل المنطقة، وتم منح المجموعة الأولى من المهجرين مهلة حتى الخميس الماضي 21 أغسطس لمغادرة منازلهم، وهم الآن ينتظرون قدوم الجرافات لهدمها.
وإذا سارت عملية البناء بوتيرة سريعة، كما يقولون، يمكن أن يبدأ العمل على البنية التحتية خلال الأشهر القليلة المقبلة، وقد يبدأ بناء المنازل الجديدة بحلول منتصف عام 2026، بخلاف ترويجهم لمقترح طريق لربط شمال الضفة الغربية وجنوبها عبر أنفاق تحت المنطقةE1.
حل الدولتين
وتهدف الأنفاق ظاهريًا إلى تحسين أوقات السفر وتقليل الحاجة إلى مرور الفلسطينيين عبر نقاط التفتيش الإسرائيلية، إلا أن حركة السلام الآن، وهي منظمة إسرائيلية مناهضة للاحتلال تتابع التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية، أكدت أن الاستيطان في منطقة E1 ليس له أي هدف سوى تخريب الحل السياسي.
ولقي الإعلان إدانة دولية، حيث أصدر وزراء خارجية 21 دولة بيانًا مشتركًا وصفوا فيه القرار بأنه غير مقبول ويشكل انتهاكًا للقانون الدولي، ولا يعود بالنفع على الشعب الإسرائيلي، بل يُهدد بتقويض الأمن ويؤجج العنف وعدم الاستقرار. ووصفته السلطة الفلسطينية بأنه يدمر احتمالات حل الدولتين.