في خطوة وصفها بأنها ضرورية لاستعادة النظام والأمن، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عن إجراءات استثنائية للسيطرة على العاصمة واشنطن، ونشر قوات الحرس الوطني في المدينة، وذلك رغم تراجع معدلات الجريمة في المدينة خلال العام الجاري مقارنة بالعام السابق. لكن ترامب يصر على أن الوضع يتطلب تدخلاً فيدراليًا مباشرًا لتصبح العاصمة "عظيمة وآمنة من جديد".
وجاءت الخطوة، حسب شبكة "سي إن إن" الأمريكية، وسط جدل سياسي واسع بين مؤيدين يرونها استجابة لحالة طارئة، ومعارضين يعتبرونها تصعيدًا خطيرًا وغير مبرر.
خلفية القرار
أطلق الرئيس ترامب الأسبوع الماضي مبادرة لتعزيز إنفاذ القانون في واشنطن، حيث أوضح مسؤول في البيت الأبيض أن ما يصل إلى 450 ضابط إنفاذ قانون فيدرالي سيشاركون في العملية، بينهم نحو 130 عميلًا من مكتب التحقيقات الفيدرالي سيتولون دوريات مشتركة مع شرطة العاصمة.
وأشارت "سي إن إن" إلى أن هذه الخطوة غير معتادة، إذ نادرًا ما يعمل عملاء الـFBI جنبًا إلى جنب مع الشرطة المحلية. وإلى جانب ذلك، أمر ترامب بنشر مئات من قوات الحرس الوطني في شوارع العاصمة، موضحًا أن الهدف هو دعم عمليات الأمن والسلامة، رغم أن تفاصيل مثل مناطق الانتشار وسلسلة القيادة ومدة المهمة لا تزال قيد التحديد.
وأفاد مسؤولون أن القوات ستشمل وحدات شرطة عسكرية ودعم جوي وخدمات طبية، بينما أكد وزير الدفاع بيت هيجسيث استعداد وحدات إضافية للتدخل عند الحاجة.
حملة ترامب الإعلامية
على مدار عطلة نهاية الأسبوع، استخدم ترامب منصته على "تروث سوشيال" للإعلان عن ما سماه "يوم التحرير" في واشنطن، متوعدًا بالقضاء على "الجريمة والقذارة والوحشية" في العاصمة. وأشار إلى خطط لإزالة المشردين من الشوارع ونقلهم إلى أماكن إقامة خارج المدينة، إضافة إلى تشديد الإجراءات ضد المجرمين.
في مؤتمر صحفي بالبيت الأبيض، أعلن ترامب تفعيل المادة 740 من قانون الحكم الذاتي لمقاطعة كولومبيا، لوضع إدارة شرطة العاصمة تحت السيطرة الفيدرالية المباشرة، مؤكدًا أن الأمر "سيُعيد النظام بسرعة كبيرة، كما حدث على الحدود الجنوبية"، كما أعلن تعيين تيري كول، مدير إدارة مكافحة المخدرات، مفوضًا فيدراليًا مؤقتًا لشرطة العاصمة.
وأعلن ترامب تعيين تيري كول، مدير إدارة مكافحة المخدرات، مفوضًا فيدراليًا مؤقتًا لشرطة العاصمة واشنطن، وقال "إن كول هو أحد أفضل المسؤولين في البلاد" وطلب منه إدارة الوزارة "بقوة".
إطار قانوني وسياسي
ويمنح قانون الحكم الذاتي لعام 1973 الرئيس الأمريكي سلطة تولي إدارة شرطة العاصمة لمدة 48 ساعة في حال وجود "ظروف طارئة خاصة"، مع إمكانية التمديد إذا وافق الكونغرس. وأوضحت "سي إن إن" أن هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها فرض سيطرة فيدرالية على شرطة العاصمة بموجب هذا القانون.
ولمح ترامب في مؤتمر صحفي في البيت الأبيض اليوم الثلاثاء، إلى رغبته في مراجعة أو إلغاء القانون لمنح الحكومة الفيدرالية سلطة أوسع، كما دعا إلى تعديل أنظمة الكفالة النقدية في مدن كبرى مثل واشنطن ونيويورك وشيكاغو، معتبرًا أن إلغاء الكفالة كان سببًا في "الفوضى الأمنية".
ورحب رئيس لجنة الرقابة في مجلس النواب، جيمس كومر، بالخطوة، وأكد أنه سيعقد جلسة استماع في سبتمبر مع مسؤولي العاصمة لبحث إجراءات تعزيز الأمن.
في المقابل، انتقد تشارلز ألين، عضو مجلس العاصمة، قرار ترامب بشدة، واصفًا إياه بأنه "متطرف وخطير" وغير ضروري، مشيرًا إلى أن جرائم العنف في المدينة انخفضت بنسبة 52% خلال العامين الماضيين، وهي في أدنى مستوياتها منذ ثلاثة عقود.
قمة ترامب وبوتين
على الرغم من إصرار ترامب على أن العاصمة تعاني من أزمة جريمة، تظهر بيانات أولية لشرطة واشنطن أن معدلات الجريمة الإجمالية في عام 2025 أقل مقارنة بعام 2024، وهو اتجاه مشابه لانخفاض الجريمة في مدن أمريكية كبرى أخرى. ومع ذلك، بررت الإدارة الفيدرالية التحرك بالإشارة إلى حوادث بارزة، مثل مقتل اثنين من موظفي السفارة الإسرائيلية في مايو الماضي.
وتزامنت التحضيرات للسيطرة الفيدرالية على العاصمة الأمريكية مع انشغال إدارة ترامب بترتيبات القمة المرتقبة بين ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في ألاسكا نهاية الأسبوع، وسط تساؤلات حول إمكانية دعوة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي للحضور، ووفق "سي إن إن"، لا تزال القضايا اللوجستية والجيوسياسية غير محسومة قبل أيام من اللقاء.
قرار ترامب بفرض السيطرة الفيدرالية على شرطة العاصمة ونشر الحرس الوطني يمثل سابقة في تاريخ واشنطن الحديثة، ويعكس تصاعد الخلافات بين الحكومة الفيدرالية والقيادة المحلية حول كيفية إدارة الأمن في المدينة. وبينما يرى مؤيدوه أن الخطوة حاسمة لحماية المواطنين، يعتبرها معارضوه تهديدًا للحكم الذاتي وتصعيدًا سياسيًا وأمنيًا غير مبرر، خاصة في ظل انخفاض معدلات الجريمة الفعلية.