تتجه أنظار العالم إلى ولاية ألاسكا يوم الجمعة المقبل، حيث القمة المرتقبة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين لعقد لبحث تطورات الحرب في أوكرانيا.
وقبل القمة المرتقبة يبرز التساؤل المهم.. لماذا ألاسكا؟ تلك الولاية النائية، التي اشترتها الولايات المتحدة من روسيا قبل أكثر من 150 عامًا، هل الغرض تسليط الضوء على الروابط التاريخية والجغرافية بين الجانبين، ما يمثّل خطوة جيدة لتحقيق التقارب بين موسكو وواشنطن؟.. هذا ما يكشفه تاريخ تلك الولاية المرتبط بالبلدين الكبيرين.
جذور روسية عميقة
تقع ألاسكا على الحافة الشمالية الغربية من قارة أمريكا الشمالية، ولا يفصلها عن روسيا سوى بضعة كيلومترات عبر مضيق بيرنج. ويعود الاكتشاف الأوروبي للمنطقة إلى عام 1728، حين أبحر المستكشف الدنماركي فيتوس بيرنج في بعثة لصالح الإمبراطورية الروسية، مكتشفًا الممر المائي الذي يحمل اسمه اليوم.
هذا الاكتشاف فتح الباب أمام قرن من الصيد المكثف لـ"فقم البحر"، إذ أنشئت أول مستوطنة روسية على جزيرة كودياك الجنوبية. وفي عام 1799، أسس القيصر بول الأول "الشركة الروسية الأمريكية" لاستغلال تجارة الفراء، التي سرعان ما تسببت في صدامات مع السكان الأصليين.
إرث باقٍ
في عام 1867، باعت روسيا ألاسكا إلى الولايات المتحدة مقابل 7.2 مليون دولار، وهي صفقة وُصفت آنذاك في واشنطن بـ"حماقة سيوارد" نسبةً إلى وزير الخارجية الأمريكي وليام سيوارد، بسبب المساحة الشاسعة للولاية التي تتجاوز ضعف مساحة تكساس، وعزلتها الجغرافية.
ورغم انتقال السيادة، بقيت بصمات روسية واضحة، أبرزها انتشار الكنائس الأرثوذكسية التي تأسست في حقبة الشركة الروسية الأمريكية. وتضم ألاسكا اليوم أكثر من 35 كنيسة ذات قباب بصلية الشكل، فيما يُعد أبرشية الأرثوذكس بالولاية الأقدم في أمريكا الشمالية، وتحتفظ بمعهد لاهوتي على جزيرة كودياك.
ثقافة متنوعة
امتزجت اللغة الروسية بلغات السكان الأصليين في بعض المجتمعات الساحلية لعقود، قبل أن تندثر تقريبًا، إلا أن بعض القرى الأرثوذكسية – مثل مجتمع "المؤمنين القدامى" الذي تأسس في الستينيات – ما زالت تُدرس الروسية لنحو 100 طالب.
الروابط الجغرافية بين الجانبين تجلت في تصريح شهير عام 2008 لحاكمة ألاسكا آنذاك سارة بالين، التي قالت: "روسيا جارتنا، ويمكنك أن تراها من جزيرة في ألاسكا". وفي الواقع، يفصل بين جزيرتي "ليتل دايوميد" الأمريكية و"بيج دايوميد" الروسية في مضيق بيرنج مسافة لا تتجاوز 4 كيلومترات.
توترات عسكرية تاريخية
لطالما شكّلت ألاسكا نقطة احتكاك بين القوات الجوية الأمريكية والروسية، إذ يعلن الجيش الأمريكي بانتظام عن اعتراض طائرات روسية تقترب من مجاله الجوي. وفي أكتوبر 2022، لجأ مواطنان روسيان إلى جزيرة سانت لورانس النائية في ألاسكا هربًا من التعبئة العسكرية التي أمر بها بوتين لحرب أوكرانيا.
وعلى الرغم من هذا التاريخ المعقد، أكد بوتين في عام 2014 أن روسيا لا تنوي استعادة ألاسكا، مبررًا ذلك بأنها "باردة جدًا". ومع ذلك، فإن اجتماع الجمعة المقبل يعيد إلى الأذهان أن هذه الولاية ليست مجرد أرض جليدية نائية، بل حلقة جغرافية وتاريخية حساسة في العلاقات الأمريكية الروسية.