وسط مشاحنات وخلافات، ناقش مجلس الوزراء الإسرائيلي في اجتماع مطول، مساء أمس الخميس، خطة رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو لاحتلال قطاع غزة بالكامل، وحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية فإن الاجتماع شهد انقسامًا حادًا بين نتنياهو ورئيس أركان الجيش، الذي حذَّر من مخاطر جسيمة على حياة المحتجزين في القطاع منذ أكثر من 670 يومًا.
تحذيرات من الاحتلال
خلال اجتماع وصفته الصحيفة العبرية بـ"المصيري"، حذَّر رئيس أركان الجيش الإسرائيلي إيال زامير من أن اقتحام مدينة غزة لن يمر دون تداعيات كارثية، مشيرًا إلى أن حياة المحتجزين ستكون معرضة للخطر البالغ، ولا يمكن ضمان سلامتهم عند الدخول إلى "المناطق الحساسة"، كما أشار إلى أن احتلال القطاع سيؤدي إلى استنزاف كبير للقوات.
في المقابل، عرض زامير، في مداخلة خلال الاجتماع، إنجازات عملية "عربات جدعون" الجارية، معتبرًا أنها أحرزت تقدمًا مهمًا ومهّدت لصفقة محتملة للإفراج عن المحتجزين، رغم عدم إبرام الاتفاق حتى الآن.
نتنياهو يتمسك بخطته
ورفض نتنياهو الملاحظات العسكرية، معتبرًا أن الخطة الحالية فشلت في تحقيق هدف تحرير المحتجزين، وقال خلال الاجتماع: "لا أريد أن أدين حماس، أريد هزيمتها".
ودافع نتنياهو عن اقتراحه باحتلال غزة، رغم المعارضة من بعض الوزراء ومخاوف عائلات المحتجزين.
وبحسب "يديعوت أحرونوت"، فإن أغلبية وزراء الحكومة تتجه إلى دعم نتنياهو في نهاية المطاف، بينما برز موقف مغاير من رئيس حزب "شاس"، أرييه درعي، الذي يشارك في الاجتماع رغم كونه ليس وزيرًا، ويضغط لتعديل خطة نتنياهو وتقليل حدتها.
وتشير التقديرات إلى أن مجلس الوزراء الإسرائيلي بصدد الموافقة على بدء عملية عسكرية جديدة في مدينة غزة، تحت عنوان "تعميق احتلال المدينة"، وستسبق العملية دعوة لإجلاء السكان إلى جنوب القطاع، يليها إنذار نهائي لحماس لتسليم نفسها.
وصرح نتنياهو بأن العملية ستكون تدريجية وليست نهائية، موضحًا أن إسرائيل ستوقف القتال إذا وافقت حماس على شروطها، من جهة أخرى، يطالب الوزيران إيتمار بن جفير وبتسلئيل سموتريتش بالإسراع في تنفيذ الخطة دون تأخير أو تراجع.
تسويق موقف نتنياهو
أفاد فريق التفاوض بأن وسطاء دوليين أرسلوا إشارات تفيد بوجود لين نسبي في موقف حماس، ما قد يفتح المجال لعودة وشيكة إلى طاولة المفاوضات، إلا أن العديد من الوزراء يرون في هذه الإشارات محاولة لكسب الوقت من قبل الحركة، ويؤكدون ضرورة مواصلة الضغط العسكري حتى النهاية، متهمين الوسطاء بالفشل المتكرر في إقناع حماس بأي تسوية.
خلال الاجتماع، عرض مصدر أمني إسرائيلي مقاطع فيديو تظهر مسلحين يطلقون النار على أطفال ونساء في أرجلهم وأذرعهم لمنعهم من مغادرة منازلهم، هذا المشهد أثار غضب زيف أغمون، المتحدث باسم رئيس الوزراء، الذي صرخ غاضبًا: "لا تعرضوا هذا في أي مكان.. إنه هجوم إعلامي".
اختتم جادي آيزنكوت، رئيس الأركان السابق وعضو مجلس الحرب، مداخلته خلال الاجتماع بدعوة حاسمة للوزراء قال فيها: "أنهوا صمت الحملان الذي سيُخلد في الذاكرة، المسؤولية عليكم، اتخذوا قرارًا يحقق أهداف الحرب، فالتاريخ لن يغفر لمن يتخلى عن مواطني إسرائيل مرة أخرى بعيون مفتوحة".
قبل الاجتماع، أجرى نتنياهو سلسلة مقابلات مع وسائل إعلام أجنبية ناطقة بالإنجليزية في محاولة لتوضيح موقفه، لا سيما في ظل الانتقادات الغربية، وفي حديث لصحفيين هنود، أكد أنه لا يعتزم ضم غزة، أما في مقابلة مع شبكة "فوكس نيوز" الأمريكية، فأوضح أن هدفه هو استعادة السيطرة على القطاع دون إدارته.
وقال نتنياهو إن إسرائيل تسعى إلى نقل إدارة القطاع إلى أطراف عربية قادرة على التحكم به مدنيًا بعيدًا عن حماس، مضيفًا: "نريد تسليمه لقوات عربية تسيطر عليه بشكل صحيح، نريد تحريرنا وتحرير مليوني غزيّ، الذين تحتجزهم حماس كرهائن".
رد حاد لحماس
ردت حركة حماس على تصريحات نتنياهو ونيّته توسيع العمليات العسكرية، ببيانٍ حاد قالت فيه: "ما يُخطط له نتنياهو هو استمرارٌ لسياسة الإبادة والتهجير، يريد التضحية بالرهائن لأجل مصالحه الشخصية، توسيع العدوان لن يكون سهلًا، بل سيكون ثمنه باهظًا على الاحتلال وجيشه النازي".
ورفضت الدول العربية خطة نتنياهو لإقامة نظام مدني بديل في غزة، ونقلت "رويترز" عن مسؤول أردني رفيع قوله: "العرب لن يدعموا إلا ما يوافق عليه الفلسطينيون ويقررونه، وينبغي أن تكون المؤسسات الفلسطينية الشرعية وحدها مسؤولة عن الأمن".
في الوقت ذاته، تستعد الولايات المتحدة لتوسيع دعمها الإنساني، إذ أعلن السفير الأمريكي لدى إسرائيل مايك هاكابي، أن عدد مراكز توزيع الغذاء التابعة لصندوق غزة الإنساني المثير (GHF) سيرتفع من 4 إلى 16 مركزًا، وهو مركز أمريكي إسرائيلي أثار الكثير من الشبهات.
مساعدات مصرية
وخلال مؤتمر صحفي للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي مع نظيره الفيتنامي لوونج كوونج، الثلاثاء الماضي، أكد أن مصر ستظل دومًا بوابة للمساعدات وليس لتهجير الشعب الفلسطيني من أراضيه، مُشددًا على أن معبر رفح لم يغلق من الجانب المصري وتم تدميره 4 مرات من الجانب الفلسطيني.
وأوضح الرئيس المصري، أنَّ مصر تعمل على إدخال أكبر حجم من المساعدات إلى قطاع غزة؛ لإيقاف الإبادة الممنهجة للشعب الفلسطيني في القطاع، مؤكدًا أن هناك محاولة لتشتيت الانتباه عن الفاعل الحقيقي لما يحدث في غزة.
وأشار إلى أن قطاع غزة يربطه بالعالم الخارجي 5 منافذ، منها منفذ معبر رفح مع مصر، والباقي يدار من خلال الجانب الإسرائيلي، مضيفًا أن هناك أكثر من 5 آلاف شاحنة مساعدات في الأراضي المصرية، مستعدة للدخول إلى قطاع غزة من مصر ودول أخرى، ولكن الجانب الإسرائيلي يسيطر ومتمركز على الجانب الفلسطيني من معبر رفح.
وأكد الرئيس المصري أنَّ مصر بذلت جهودًا كبيرة خلال العشرين سنة الماضية تقريبًا لعدم اشتعال الموقف في غزة، وكان لديها تقديرات بأن أي محاولة للاقتتال ستكون لها تأثيرات مدمرة على القطاع الفلسطيني.
وشدد على أن هذه هي الحرب الخامسة التي تقف فيها مصر بدور إيجابي فاعل في إدخال المساعدات للقطاع، واعتبر الرئيس المصري الادعاءات التي جرى تداولها خلال الأسابيع الماضية بمشاركة مصر في حصار قطاع غزة مجرد "إفلاس".