الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

صيف قاسٍ.. هل تفقد "أورسولا" السيطرة على المفوضية الأوروبية؟

  • مشاركة :
post-title
رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين

القاهرة الإخبارية - أحمد صوان

رغم أنه عادةً ما يتميز بانخفاض وتيرة الأحداث السياسية في بروكسل، جاء شهر يوليو هذا العام أشبه بالعاصفة بالنسبة لرئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، ليحوي قرارات مهمة ولحظات محورية، يمكن أن تعيد تشكيل مسار ولايتها الثانية الممتدة لخمس سنوات.

في الواقع، لم يتوقع أحد أن تكون فترة ولايتها الثانية سهلة، وخاصة بعد عودة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي تتعارض معتقداته بشكل مباشر مع دفاع الكتلة الأوروبية عن القواعد المتوقعة والأسواق المفتوحة والتعاون الدولي.

ثم، جاءت أحداث الأسابيع الخمسة الماضية، وهي مزيج قوي من المشاحنات المحلية والاضطرابات العالمية والتدقيق الشخصي، لتعمل على تقويض صورة أورسولا المسيطرة الصارمة، وتتركها عرضة لنوع من الانتقادات اللاذعة التي كانت تتجنبها في السابق.

أزمة البرلمان

لم تتمتع فون دير لاين قط بعلاقات متناغمة مع البرلمان الأوروبي. وقد اشتكى أعضاؤه باستمرار من تفضيل الرئيسة المعروف للتعامل مع الدول الأعضاء، أصحاب السلطة السياسية الحقيقيين، ومن ميلها الملحوظ لمعاملة البرلمان كمشرّع من الدرجة الثانية؛ كما تشير "يورونيوز".

ومنذ أشهر، كانت التوترات والسخط تتصاعد عندما قام النائب اليميني المتشدد من رومانيا جورجي بيبيريا، بصياغة اقتراح لوم ضد المفوضية الأوروبية، وتمكن من تأمين التوقيعات الـ 72 اللازمة لطرحه للتصويت.

وتلفت "يورونيوز" إلى أنه لم يُتح لمقترح بيبيريا، الذي جمع بين فضيحة "فايزرجيت" ومؤامرات التدخل في الانتخابات، أي فرصة واقعية للنجاح. وقد رُفض هذا الاقتراح المُبالغ فيه في النهاية بأغلبية 360 صوتًا ضده و175 صوتًا مؤيدًا.

لكن، وضع هذا الاقتراح فون دير لاين في موقف تحدٍّ نادر. واضطرت رئيسة المفوضية إلى الرد، واحدةً تلو الأخرى، على الاتهامات التي وجّهها لها بيبيريا، رافضةً إياها جميعًا باعتبارها "ادعاءاتٍ كاذبة" و"مؤامرات خبيثة".

وقد استغل الاشتراكيون والليبراليون والخضر، الذين دعموا جميعهم إعادة انتخابها العام الماضي، هذه اللحظة للتعبير عن إحباطهم المكبوت واستعراض قائمة طويلة من الاتهامات المتبادلة، مما أثار تساؤلات جدية حول جدوى الائتلاف الوسطي.

أثارت هذه القصة جدلًا واسعًا في البرلمان الأوروبي إلى حدٍّ أضعف فون دير لاين. والأهم من ذلك، أنها أثبتت سهولة تقديم أعضاء البرلمان لطلب حجب الثقة في أي وقت.

الميزانية

بعد التقليل من سيطرتها بسبب اقتراح اللوم، حولت فون دير لاين تركيزها إلى ما كان من المتوقع أن يكون أكبر إعلان لها هذا العام، وهو الاقتراح الذي طال انتظاره من المفوضية بشأن ميزانية الاتحاد المقبلة للسنوات السبع(2028–2034).

وتشير "يورونيوز" إلى أن هذه كانت فرصة مثالية لفون دير لاين لإظهار ثقلها السياسي، "لكن في واقع الأمر، شاب الاقتراح صراعات داخلية حول الحجم الإجمالي للميزانية، وإعادة هيكلة البرامج، والتخصيص المالي لكل أولوية".

وعندما تسربت فكرة فون دير لاين المبتكرة لدمج صندوقي الزراعة والتضامن، أثارت انتقادات فورية من جماعات الضغط الزراعية النافذة. وقد دفع ميلها إلى السرية المفوضين الآخرين إلى البحث عن المبلغ الذي سيُخصص لمحافظهم المالية مستقبلًا. بحلول الوقت الذي كشفت فيه عن ميزانية بقيمة 2 تريليون يورو، وهي الأكبر على الإطلاق، كان الاهتمام منقسمًا بين مخططها الرائد والدراما وراء الكواليس، والتي امتدت طوال الليل حتى الاجتماع النهائي.

القمة

عند الحديث عن حالة العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والصين تحسّبًا لقمة ثنائية عالية المخاطر في بكين، وصف مسؤولو المفوضية الأمر بأنه "غير مستدام". حيث أثار استخدام الصين السخي للدعم الحكومي لتعزيز الإنتاج المحلي – رغم افتقارها للطلب الداخلي الكافي لاستيعابه – غضب بروكسل، التي تخشى أن يُدمّر هذا التنافس الشرس الصناعة الأوروبية.

كما زاد قرار بكين بتقييد صادرات المواد الخام الأساسية، وإعاقة وصول الشركات الأجنبية إلى الأسواق، ومواصلة "شراكتها غير المحدودة" مع موسكو، من حدة التوترات المتراكمة.

ورغم الحاجة المُلحّة إلى تغيير ملموس، غادرت أورسولا فون دير لاين القمة دون تحقيق أي نتائج تُذكر. حيث كان هناك التزام جديد بمعالجة اختناقات إمدادات المعادن النادرة، وبيان مشترك حول العمل المناخي. إلا أنه لم يُحرز أي تقدم، وتُركت نقاط الخلاف الرئيسية دون معالجة واضحة.

وتشير القمة المخيبة للآمال إلى أن العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والصين ستظل مواجهة في المستقبل المنظور، مما يضع فون دير لاين بين طريقين محفوفين بالمخاطر: الرد والمخاطرة بمواجهة غضب بكين، أو تقديم تنازلات قد لا يتم الرد عليها بالمثل.

وكتب نوح باركين، وهو زميل بارز في "صندوق مارشال" الألماني: "بفضل ضوابطها على المعادن النادرة، أعطت الصين لأوروبا لمحة عن الدمار الذي يمكن أن تسببه إذا اشتدت المعركة التجارية".

يضيف: "ولكن إذا فشلت أوروبا في الرد بقوة، واستخدام كل أدوات التجارة الدفاعية التي تمتلكها في وجه الصين، فإن الضرر الطويل الأمد الذي قد يلحق بقاعدتها الصناعية من المرجح أن يكون عميقًا".

الصفقة

واجه إعجاب أورسولا فون دير لاين بالتحالف عبر الأطلسي اختباره الأكثر صعوبة في الثاني من أبريل 2025، عندما كشف دونالد ترامب عن تعريفاته الجمركية "المتبادلة" المثيرة للجدل، لإعادة تصميم النظام الاقتصادي الذي بُني في نهاية الحرب العالمية الثانية بمفرده.

أشعل ذلك مفاوضات محمومة لإعفاء الاتحاد الأوروبي، المُركّز على التصدير، من رسوم ترامب الشاملة. وأثار إنذاره بتطبيق ضريبة شاملة بنسبة 30%، في رسالة موجهة إلى فون دير لاين، حالة من الذعر الشديد في بروكسل.

ومع اقتراب الموعد النهائي في الأول من أغسطس، سافرت رئيسة المفوضية إلى اسكتلندا والتقت بترامب في محاولة أخيرة لإبرام اتفاق من نوع ما.

نتج عن تلك المحادثات اتفاقٌ على تطبيق رسوم جمركية بنسبة 15% على معظم منتجات الاتحاد الأوروبي، ورسوم جمركية صفرية على معظم المنتجات الأمريكية.

إضافةً إلى ذلك، قدّم الاتحاد الأوروبي تعهداتٍ مبدئية بإنفاق مبلغٍ ضخمٍ قدره 750 مليار دولار على الطاقة الأمريكية، واستثمار 600 مليار دولار في السوق الأمريكية بحلول نهاية ولاية ترامب.

وتشير "يورونيوز" إلى أن المنتقدين تحدثوا عن الاستسلام والإذلال والخضوع، للتنديد بالطبيعة غير المتوازنة للغاية للاتفاق، الذي يُقنّن أعلى التعريفات الجمركية التي شهدتها التجارة عبر الأطلسي منذ أكثر من 70 عامًا.