في خطوة مثيرة للجدل، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن خطط واسعة لمواجهة أزمة التشرد في الولايات المتحدة، متوعدًا بإخلاء المخيمات بالقوة، ومؤكدًا أن وجود المشردين في محيط البيت الأبيض يُهين كرامة البلاد.
مشردون أمام البيت الأبيض
خلال تصريحات أدلى بها، أمس الأول الجمعة، من حديقة البيت الأبيض قبيل مغادرته إلى ملاعب الجولف التابعة له في إسكتلندا، أعرب دونالد ترامب عن استيائه من وجود خيام المشردين على مقربة من البيت الأبيض، وقال: "عندما يأتي القادة لرؤيتي ويبرمون صفقات بمليارات، بل وتريليونات الدولارات، لا يمكن أن يُقابلوا بخيام مشردين خارج البيت الأبيض، هذا لا يبدو مُرضيًا". وأكد أن "هؤلاء سيتم إزالتهم فورًا"، وفق "سي إن إن" الأمريكية.
وكرر ترامب تهديده بـ"الاستيلاء" على إدارة واشنطن العاصمة وانتزاع السيطرة من العمدة الديمقراطية موريل باوزر"، قائلًا: "علينا أن نجعل العمدة تدير المدينة بشكل صحيح.. لدي الحق في تولي زمام الأمور"، في إشارة إلى السلطة الفيدرالية على العاصمة بموجب الدستور.
إخلاء قسري
جاءت تصريحات ترامب بعد يوم من توقيعه أمرًا تنفيذيًا تحت عنوان "إنهاء الجريمة والفوضى في شوارع أمريكا"، يهدف إلى تشجيع السلطات المحلية على إخلاء الشوارع من المشردين، حتى بالقوة إن استدعى الأمر، وينص الأمر على منح الأولوية في تمويل المساعدات الفيدرالية للسلطات التي تتخذ إجراءات صارمة تجاه ظاهرة التشرد.
ويُشجع القرار الجديد على تحويل التمويل من برامج "السكن أولًا" إلى برامج تفرض العلاج الإجباري أولًا، كشرط للحصول على الدعم، كما يدعو إلى إنهاء دعم برامج "الحد من الضرر"، مثل توفير الحقن النظيفة لمدمني المخدرات، بزعم أنها تشجع على الإدمان، وهو ما تناقضه دراسات ميدانية عديدة.
وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت إن الإدارة "تسعى من خلال هذا القرار إلى إعادة توجيه الموارد نحو برامج علاج المخدرات، وضمان شعور المواطنين بالأمان".
أرقام قياسية للتشرد
أزمة التشرد في الولايات المتحدة تشهد تصاعدًا حادًا، حيث سجلت البلاد في عام 2024 أكثر من 770 ألف مشرد، بزيادة قدرها 18% عن العام السابق، وفقًا للبيانات الرسمية، وتُعد ولاية كاليفورنيا بؤرة رئيسية للأزمة، إذ تؤوي ما يقارب 187 ألف مشرد، أي ما يُعادل ربع العدد الإجمالي للمشردين في البلاد.
ويبدو أن أمر ترامب التنفيذي يستهدف بالدرجة الأولى المدن الكبرى ذات القيادة الديمقراطية مثل لوس أنجلوس وسان فرانسيسكو، حيث تنتشر المخيمات تحت الجسور وفي الحدائق، وتتحول مع الوقت إلى نقاط احتكاك سياسي بين الجمهوريين والديمقراطيين.
ردود فعل غاضبة
أثار القرار الجديد ردود فعل غاضبة من المنظمات الحقوقية وجماعات الدفاع عن المشردين، وقال جيسي رابينوفيتز، الناشط في منظمة المساعدة القانونية للمشردين، إن القرار يجبر الناس على الاختيار بين نهج رحيم قائم على الأدلة، وبين اعتبار المرض النفسي أو التشرد جريمة".
من جانبها، حذرت آن أوليفيا من "التحالف الوطني لإنهاء التشرد" من أن إدخال المشردين قسرًا إلى مراكز علاج نفسي "ليس حلاً كريمًا أو آمنًا أو يستند إلى الأدلة"، مؤكدة أن هذا النهج سيُفاقم معاناة الفئات الأكثر هشاشة في المجتمع.
ولم يكن الجدل القانوني حول معاقبة المشردين جديدًا، فقد سبق أن أصدرت المحكمة العليا الأمريكية حكمًا تاريخيًا عام 2023، أقر بجواز فرض غرامات على المشردين الذين ينامون في الشوارع، رافضة الحجة بأن ذلك يُعد انتهاكًا للدستور، وجاء القرار في قضية رفعتها سلطات مدينة غرانت باس بولاية أوريغون، وأيده القضاة المحافظون الستة، فيما عارضه القضاة الليبراليون الثلاثة.
وقد شكّل هذا الحكم غطاءً قانونيًا لخطوة ترامب الحالية، ومن المتوقع أن يُعزز من قدرة السلطات على تنفيذ قرارات الإخلاء دون اعتراضات دستورية قوية.
رد حاكم كاليفورنيا
ردَّ مكتب حاكم ولاية كاليفورنيا، جافين نيوسوم، على قرار ترامب، معتبرًا إياه قائمًا على "صور نمطية مسيئة"، ومؤكدًا أنه "مصمم أساسًا لإثارة الجدل السياسي"، كما اتهم المكتب ترامب بـ"تقليد سياسات الولاية، حتى لو كان بأسلوب رديء".
كان "نيوسوم" تبنّى في وقت سابق من هذا العام إجراءات صارمة لإخلاء مخيمات المشردين، متعهدًا بتخصيص تمويل إضافي لمراكز العلاج النفسي وبرامج إعادة التأهيل. لكن الفارق بين النهجين، وفق مراقبين، يكمن في المنطلق الإنساني مقابل النهج العقابي.