في وقتٍ صمت فيها أصوات المجوعين في قطاع غزة آذان العالم وتعالت أصوات الأمهات بحثًا عن رغيف خبز لأطفالهن، وغابت ضحكات الصغار تحت وطأة الجوع والقصف، جاء إعلان الاحتلال الإسرائيلي عن "هدنة تكتيكية" محدودة لا تطفئ نارًا للحرب لكنها قد تفتح ممرًا لحياة كانت محاصرة بالموت من كل جانب.
مزاعم إسرائيلية وتكذيب دولي
وفي مايو الماضي، رفعت إسرائيل حصارها المشدد على إدخال المساعدات بعد حوالي ثلاثة أشهر، فيما أكّد جيش الاحتلال أن "لا مجاعة في قطاع غزة وأن هذا ادعاء كاذب تروّج له حماس"، ومع ذلك، وثّقت منظمات الإغاثة الدولية والمستشفيات، إلى جانب تقارير دولية على الأرض، تفشّي الجوع على نطاق واسع في القطاع.
وصف جاغان تشاباجين، الرئيس التنفيذي للاتحاد الدولي لجمعيات الصليب والهلال الأحمر، الأزمة بأنها "كارثة إنسانية" على منصة "إكس"، مضيفًا أن "حتى مقدمي الرعاية لا يحصلون على ما يكفي من الطعام ليكونوا بأداء صحي كافٍ لرعاية الآخرين".
تفاصيل الهدنة
وأعلن الاحتلال الإسرائيلي، اليوم الأحد، وقفًا محدودًا للعمليات العسكرية في بعض مناطق قطاع غزة، فيما وصف بـ"هدنة تكتيكية"، بهدف تسهيل دخول المساعدات الإنسانية، وذلك بعد تصاعد الغضب الدولي على خلفية ارتفاع الوفيات وسوء التغذية والمجاعة في القطاع.
ووفق إعلان صادر عن جيش الاحتلال الإسرائيلي، ستُنفذ "ممرّات إنسانية" وفترات توقف يومية في مناطق محددة هي المواصي، ودير البلح، ومدينة غزة، بدءًا من الساعة العاشرة صباحًا وحتى الثامنة مساءً، وذلك "حتى إشعار آخر".
كما أشار جيش الاحتلال إلى إنشاء طرق آمنة إضافية ما بين الساعة السادسة صباحًا والحادية عشرة مساءً لتمكين مرور شاحنات الأمم المتحدة والمساعدات، موضحًا أنه "مستعد لتوسيع نطاق هذا النشاط حسب الحاجة".
وصول المساعدات
على أثر الإعلان، بدأت قوافل مساعدات بالتحرّك من مصر نحو قطاع غزة، وأكد الهلال الأحمر المصري أن القافلة شملت أكثر من 100 شاحنة تحمل نحو 1,200 طن من الغذاء.
من جانبه، أعلن الدكتور خليل الدقران، متحدث باسم وزارة الصحة في غزة، أن 25 شخصًا قُتلوا على الأقل بنيران جيش الاحتلال الإسرائيلي صباح الأحد، بينهم 11 كانوا يتلقّون المساعدة في وسط غزة، وأضاف أن الغارات الجوية لا تزال مستمرّة.
ورحّب برنامج الغذاء العالمي بالمبادرة، مشيرًا إلى أن لديه كميات كافية من الغذاء في المنطقة أو في طريقها إلى غزة لتغطية احتياجات السكان الثلاثة تقريبًا لثلاثة أشهر، مع الحاجة إلى أكثر من 62 ألف طن طعام شهريًا.
تشتيت مريب
أما سياران دونيلي، نائب رئيس البرامج الدولية في لجنة الإنقاذ الدولية، فقد انتقد عمليات الإسقاط الجوي للمساعدات واصفًا إياها بأنها "تشتيت مريب عن الواقع على الأرض"، مشددًا على أنها لا تؤمن الكميات أو الجودة المطلوبة من الإمدادات والخدمات اللازمة في غزة.
وأعلنت وزارة الصحة في غزة وفاة ستة أشخاص إضافيين جراء سوء التغذية خلال 24 ساعة، ما رفع إجمالي ضحايا الجوع إلى 133 شخصًا على الأقل، بينهم 87 طفلًا.
وحذّرت منظمات الإغاثة من خطر المجاعة الجماعية لسكان القطاع البالغ عددهم نحو مليوني نسمة، مشيرة إلى أن آلية تسليم المساعدات الإسرائيلية تعاني من بيروقراطية مفرطة وتأخير ورفض تعسفي.
توترات التوزيع
تكدّست آلاف الشاحنات المحمّلة بالمساعدات الإنسانية خارج معابر غزة في انتظار الدخول إلى القطاع، فيما أكّدت إسرائيل أن مسؤولية التوزيع داخل القطاع تقع على عاتق وكالات الأمم المتحدة، التي بدورها تلوم إسرائيل على وضع عقبات لوجستية معقدة تعيقل التوزيع الفعلي.
وأشار جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى أنه "من المتوقع أن تعمل الأمم المتحدة والمنظمات الدولية على تحسين فعالية توزيع المساعدات وضمان عدم وصولها إلى حماس".
ورغم الادعاءات الإسرائيلية بأن القيود تهدف لمنع سرقة المساعدات، فإن التحليل الداخلي للحكومة الأميركية لم يجد دليلًا على ذلك، كما أكّدت كل من الأمم المتحدة وبرنامج الغذاء العالمي أنهما لم يرَ أي دليل على تحويل المساعدات من قبل حماس.