الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

عظام يكسوها الجلد.. المجاعة تفتك بأطفال غزة

  • مشاركة :
post-title
المجاعة تفتك بأطفال غزة

القاهرة الإخبارية - سامح جريس

تشهد غزة أسوأ أزمة جوع في تاريخها، إذ سجل مسؤولو الصحة العامة 43 حالة وفاة بسبب الجوع خلال ثلاثة أيام فقط، مقارنة بـ68 حالة إجمالية سابقة، وفقًا لصحيفة "ذا جارديان" البريطانية، التي كشفت عن تفاصيل مروعة لأطفال هياكل عظمية يملأون أجنحة المستشفيات بعد أشهر من تقييد إسرائيل دخول شحنات الغذاء إلى ما دون حصص المجاعة.

مأساة أطفال غزة

يرقد الطفل محمد، البالغ سبعة أشهر، في مستشفى جمعية أصدقاء المريض الخيرية بغزة، يزن بالكاد 4 كيلوجرامات ويرتدي رداءً عليه وجه مبتسم وعبارة "الولد المبتسم"، لكن وجهه الهزيل وأطرافه التي لا تزيد عن عظام مغطاة بجلد مترهل تجعل الابتسامة سخرية قاسية، حسب وصف الصحيفة.

وُلد محمد بصحة جيدة، لكن والدته كانت تعاني من سوء التغذية لدرجة عدم قدرتها على إنتاج حليب الثدي، ولم تتمكن العائلة من الحصول سوى على علبتين من حليب الأطفال منذ ولادته.

تقول جدته فايزة عبد الرحمن، التي تعاني من الدوار المستمر بسبب نقص الطعام: "أكبر مخاوفي الآن هو فقدان حفيدي بسبب سوء التغذية.. إخوته يعانون أيضًا من الجوع الشديد، وفي بعض الأيام ينامون دون لقمة واحدة"، مضيفة أن الطعام الوحيد الذي تناولته في اليوم السابق كان قطعة خبز واحدة بـ15 شيكلًا.

الجناح مكتظ بأطفال آخرين يعانون من الهزال الشديد، بعضهم يتشارك الأسرة الـ12 المتاحة، حيث لا يوجد سوى فريقين طبيين لطب الأطفال في مدينة غزة، ويصل يوميًا 200 طفل يطلبون العلاج، وفق ما ذكرته الصحيفة البريطانية.

الجوع يفتك بأجساد الأطفال في غزة
مجاعة ممتدة

أشارت الصحيفة البريطانية إلى أن الدكتور مصعب فروانة يقضي أيامه محاولًا إنقاذ هؤلاء الأطفال، لكنه غالبًا ما يفشل، ثم يعود إلى منزله ليتشارك وجبات صغيرة مع أطفاله الجائعين.

العائلة بأكملها تفقد الوزن بسرعة لأن راتبه لا يشتري شيئًا تقريبًا، ولا يريد المخاطرة بالسباق المميت للحصول على الإمدادات التي توزعها مؤسسة غزة الإنسانية بعدما قُتل الطبيب رمزي حجاج، وهو يحاول الحصول على طعام في أحد المواقع.

وأكد "فروانة" أن "الأطفال في غزة يعانون من المجاعة منذ عامين تقريبًا.. حتى لو شعروا بالشبع أحيانًا، فالأمر لا يتعلق بالشبع فقط، بل بالحصول على العناصر الغذائية التي يحتاجها الجسم، وهي غائبة تمامًا"، مضيفًا: "سنوات سوء التغذية هذه تجعلهم أكثر عرضة للأمراض الأخرى، وضعف مناعتهم يتفاقم بسبب النقص الحاد في الإمدادات الطبية الأساسية التي تحجبها إسرائيل أيضًا".

توفي ثلاثة مرضى يعانون من سوء تغذية حاد في العناية المركزة هذا الأسبوع، من بينهم فتاة كان بإمكانها النجاة لو تمكن الأطباء من إعطائها البوتاسيوم عبر الوريد، وهو دواء أساسي عادة، لكنه أصبح مستحيل الحصول عليه في غزة.

قال "فروانة": "هذه الحالات تطاردني، لا تفارق ذهني أبدًا.. كان بإمكان هذا الطفل العودة لعائلته وعيش حياة طبيعية، لكن لأن شيئًا بسيطًا لم يكن متاحًا لم ينج".

طفلة بجسد هزيل تتلقى العلاج
حصار كامل

فرضت إسرائيل حصارًا كاملًا على غزة منذ 2 مارس، وعندما رفعه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في 19 مايو، ادعى أن الحكومة تتصرف لمنع "أزمة مجاعة"، لأن بعض أقوى حلفاء البلاد أخبروه أنهم لن يتسامحوا مع صور المجاعة، حسب تقرير "ذا جارديان".

ولفتت الصحيفة البريطانية إلى أن الحكومة الإسرائيلية غيرت مسارها لإطالة أزمة المجاعة، بالسماح بدخول كميات ضئيلة فقط من المساعدات حتى يتقدم نزول غزة نحو المجاعة ببطء أكبر.

كما أعلنت الحكومة الإسرائيلية خططًا لتوجيه جميع المساعدات عبر منظمة مدعومة من الولايات المتحدة تدير أربع نقاط توزيع عسكرية.

قُتل المئات من الأشخاص وهم يحاولون الحصول على طعام يُوزع في مواقع يصفها الفلسطينيون بـ"فخاخ الموت"، والتي وزعت إمدادات تلبي جزءًا ضئيلًا فقط من احتياجات غزة.

بحلول 22 يوليو، كانت مؤسسة غزة الإنسانية تعمل لـ58 يومًا، لكن الطعام الذي أدخلته كان سيكفي سكان غزة لأقل من أسبوعين حتى لو وُزع بالتساوي.

أسعار جنونية

ارتفعت أسعار الدقيق في غزة لأكثر من 30 ضعف سعر السوق في بداية العام، إذ وصل سعر كيس 25 كيلوجرامًا إلى 1500 شيكل، وتقول فايزة عبد الرحمن: "واجهنا الجوع من قبل، لكن أبدًا مثل هذا.. هذه أصعب مرحلة واجهناها على الإطلاق".

حذرت أكثر من 100 منظمة إغاثية تعمل في غزة، بما في ذلك أطباء بلا حدود ومنظمة إنقاذ الطفولة وأوكسفام، في بيان مشترك، من أن "المنظمات الإنسانية تشهد زملاءها وشركاءها يذبلون أمام أعينهم".

قال اتحاد الصحفيين في وكالة "فرانس برس" إنه للمرة الأولى في تاريخ الوكالة، تخاطر بفقدان زميل بسبب المجاعة.

قال مدير منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم جيبريسوس: "نسبة كبيرة من سكان غزة تتضور جوعًا، لا أعرف ماذا تسمون هذا غير المجاعة الجماعية، وهي من صنع الإنسان".

تستعد أم يوسف الخالدي، وهي أم لستة أطفال أصغرهم عامان وأكبرهم 13 عامًا وزوجها مقعد على كرسي متحرك، لزيارة مركز توزيع مؤسسة غزة الإنسانية للمرة الأولى بعد تجنبها لشهور، وتقول: "كنا نسكت جوعنا بالماء.. خوفي على عائلتي أكبر من خوفي على نفسي".

وبقيت عائلة الخالدي بلا طعام لمدة أربعة أيام الأسبوع الماضي، وعندما كسروا الصيام، اضطر ثمانية منهم لتقاسم كيس أرز وحبتي بطاطس أعطاهما لهم غريب عابر.

أطفالها الذين كانوا طلابًا متفوقين يحصلون على منح دراسية قبل الحرب، يقضون أيامهم جالسين على حافة الشارع تحت مسجد مدمر في حي الوحدة بمدينة غزة، حيث تحاول الفتيات بيع الأساور بدلًا من التسول، لكن الطلب ضئيل على المجوهرات الرخيصة في غزة اليوم، ورغم تعاطف المارة أحيانًا مع مجموعة الأطفال النحيلين ذوي الوجوه القذرة والملابس الممزقة، فإن الأسعار المرتفعة تعني أن ما يحصلون عليه يشتري القليل من الطعام.

تقول الخالدي: "أطفالي أصبحوا هياكل عظمية.. جلد وعظم.. حتى أقل مجهود يصيبهم بالدوار.. يجلسون مرة أخرى يطلبون الطعام، وليس لدي شيء أعطيه لهم.. لا أستطيع الكذب وأقول سأحضر لهم شيئًا عندما أعرف أنني لن أتمكن من ذلك".