نقاد يحذرون من فوضى البلوجر مع افتقار الموهبة.. وأشرف زكي يتدخل بقرار حاسم
في زمن تحكمه "الترندات" وتتقدم فيه الشهرة الرقمية على الموهبة الأكاديمية، باتت الشاشات الفنية تعجّ بوجوه جديدة انطلقت من تطبيق "تيك توك"، لتحتل أفيشات المسلسلات والأفلام، لا استنادًا إلى مؤهلات فنية أو دراسات متخصصة، بل بفضل ملايين المتابعين وزخم الانتشار السريع على السوشيال ميديا.
هذه الظاهرة التي تمددت أخيرًا داخل الوسط الفني المصري، أثارت موجة من الجدل، وطرحت أسئلة حول معايير الاختيار في الأعمال الدرامية، وشرعية استبدال الموهبة بالدعاية الرقمية. وبين مؤيد يعتبرها أحد أشكال الانفتاح الإعلامي الطبيعي، ومعارض يرى فيها تهديدًا لقيمة الفن ورسالة التمثيل، جاء قرار نقيب المهن التمثيلية الدكتور أشرف زكي، ليحسم المشهد، إذ أصدر تعليمات تقضي بمنع مشاركة صنّاع المحتوى من "التيك توكرز" في أي عمل فني دون عضوية نقابية أو تصريح رسمي، مع فرض غرامة تصل مليون جنيه على المُنتج المخالف.
الموهبة لا تُقيد
الناقد الفني طارق الشناوي رفض القرار واعتبره غير قابل للصمود على المدى الطويل، إذ قال لموقع "القاهرة الإخبارية": "لا أؤيد قرار نقيب الممثلين بمنع التيك توكرز من المشاركة في الأعمال الفنية.. فهذا القرار لن يصمد طويلًا، لأنه ببساطة لا يتماشى مع منطق الفن ولا مع تطور الوسائط، ومن حق أي مخرج أن يختار من يراه مناسبًا لدوره، سواء كان خريجًا لمعهد فنون أو صاحب محتوى على السوشيال ميديا، فالفيصل الحقيقي الموهبة، لا الخلفية التعليمية".
وأضاف: "نحن نعيش في عصر تتداخل فيه الوسائط، وأصبح كثير من المحترفين أيضًا يلجأون إلى التيك توك والمنصات الرقمية لتقديم محتواهم والتفاعل مع الجمهور، فهل سنمنعهم أيضًا؟!".
وتابع: "القضية ليست في المنع أو السماح، بل في وضع معايير واضحة تضمن الجودة والالتزام المهني.. بدلًا من فرض غرامات بالملايين، يمكن للنقابة أن تفرض نظام تصاريح أو اشتراكات مؤقتة، وتترك الجمهور يحكم على الأداء، فالإبداع لا يُحاصر، ومن يملك الموهبة سيفرض نفسه، سواء جاء من معهد أو من تيك توك".
الفن ليس لعبة ترندات
في المقابل، اتخذت الناقدة الفنية سامية حبيب موقفًا مؤيدًا تمامًا لقرار النقابة، إذ رأت أن المسألة تتعلق بـ"أخلاقيات المهنة".
وقالت لموقع "القاهرة الإخبارية": "هذا القرار في جوهره ليس موجهًا ضد أحد، ولا يتخذ من باب الحماية للمهنة فقط، بل هو موقف أخلاقي وفني وعلمي في المقام الأول، فهؤلاء الذين اشتهروا عبر تطبيقات التواصل الاجتماعي، مثل تيك توك، ليسوا ممثلين محترفين، ولم يتلقوا تدريبًا أكاديميًا أو فنيًا يؤهلهم لأداء أدوار درامية ذات قيمة، كما أنهم لا يمتلكون سجلًا أو تجربة تُظهر كفاءتهم في هذا المجال".
وأضافت: "التمثيل عمل إبداعي متكامل، يقوم على نص مكتوب، ورؤية إخراجية، وإضاءة، وأداء مدروس من ممثلين محترفين، وكل عنصر فيه يُبنى بدقة ووعي فني. فكيف يُعقل أن يتحول شخص اعتاد تقديم مقاطع قصيرة لجذب المشاهدات إلى ممثل في عمل درامي طويل، سواء كان فيلمًا أو مسلسلًا؟.. هذا يُهين الفن ويستخف بذوق الجمهور".
وتابعت: "الفن ليس شهرة لحظية، بل موهبة وتخصص ودراسة وجدية في الأداء.. احترامنا لقيمة الفن يفرض علينا أن ننتقي من يعتليه، واحترامنا للجمهور يتطلب أن نُقدم له محتوى يليق بعقله وذائقته، لا مجرد أسماء لامعة على مواقع التواصل، أما من يرغب في صناعة المقاطع القصيرة أو "الريلز" على وسائل التواصل فليستمر كما يشاء، فذلك فضاء مفتوح، لكن التمثيل الدرامي قصة أخرى تمامًا".
الشهرة وحدها لا تكفي
ومن جانبها، وصفت الناقدة الفنية ماجدة موريس، قرار نقيب الممثلين بـ"الضروري"، مشددة على أهمية فرض الضوابط المهنية.
وقالت موريس لـ"القاهرة الإخبارية": "قرار الدكتور أشرف زكي يعبر عن احترام حقيقي لقيمة الفن. من حق النقابة أن تضع قوانينها ومعاييرها فيمن ينتمي إلى هذه المهنة، فالتمثيل ليس عملًا عشوائيًا أو مجرد وسيلة للظهور، بل هو فن عميق يحتاج إلى موهبة حقيقية، ودراسة جادة، واجتهاد مستمر".
وأضافت: "ليس من المنطقي أن نفتح أبواب التمثيل لمجرد أن شخصًا يمتلك عددًا كبيرًا من المتابعين على مواقع التواصل الاجتماعي. هذه فوضى لا تليق بقيمة الفن، ولا يمكن أن نبرر بها دخول أي شخص إلى هذا المجال".
واختتمت: "حتى إن كان لدى بعض هؤلاء الموهبة، فإن الموهبة وحدها لا تكفي، بل لا بد من الخضوع لتدريب وورش متخصصة، وإجراء اختبارات تؤهلهم فعليًا لممارسة المهنة. فالفن رسالة ومسؤولية، وليس مجرد ظهور أمام الكاميرا".
الترندات تهدد المهنة
وأكد الفنان المصري أحمد سلامة، عضو نقابة المهن التمثيلية، دعمه الكامل لقرار النقيب، إذ أشار إلى خطورة تغلغل غير المؤهلين في المهنة، وقال لـ"القاهرة الإخبارية": "القرار الذي اتخذه الدكتور أشرف زكي صائب تمامًا، وأنا أؤيده دون تردد. ما نشهده اليوم من دخول عدد كبير من غير المؤهلين إلى الوسط الفني، فقط بسبب شهرتهم على منصات التواصل، يُعد تهديدًا حقيقيًا لمستقبل المهنة. هؤلاء لا يمتلكون أدوات الممثل ولا خلفية درامية، ومع ذلك يمنحون أدوارًا على حساب المواهب الحقيقية التي درست واجتهدت سنوات طويلة".
وأضاف: "الفن ليس بعدد المشاهدات أو المتابعين، ولا يمكن أن نقيس قيمة الفنان من خلال ترند على السوشيال ميديا. التمثيل مهنة جادة، تتطلب دراسة ومهارة وتدريب، ولا يجب أن تُختزل في فيديو عدد لايكاته كثيرة".
قرار صائب والأعضاء أولى بالفرص
وبدوره؛ أكد الفنان سامي مغاوري، العضو السابق لمجلس نقابة المهن التمثيلية، لموقع "القاهرة الإخبارية"، أن قرار النقابة بمنع التيك توكرز من العمل في مجال التمثيل دون تصريح رسمي صائب ومبرر.
وأضاف "مغاوري"، أن الدور الأساسي للنقابة يتمثل في تنظيم المهنة والدفاع عن حقوق أعضائها بكل حزم.
وقال: "نقابة المهن التمثيلية تضم أعضاءً من مختلف التخصصات الفنية، مثل التمثيل والإخراج والديكور والنقد والإذاعة وأعمال السيرك والباليه، ومهمتها الأساسية حماية المهنة، والحفاظ على هوية النقابة، والدفاع عن الموهوبين والخريجين من الأكاديميات الفنية".
وشدد على أنه من غير المقبول أن يظل الأعضاء الحاصلون على دراسات وخبرات طويلة في انتظار الفرص، بينما يشغل البعض الآخر من غير الموهوبين، خصوصًا من التيك توكرز، تلك المناصب دون تنظيم أو تصاريح رسمية.
وأوضح أن النقابة لا تقف حجر عثرة أمام الموهبة الحقيقية، بل تدعم كل موهوب يتقدم لاختبارات النقابة ويحصل على التصريح اللازم للعمل، مشيرًا إلى أن أي مهنة لا يمكن ممارستها دون تنظيم رسمي وترخيص.
وأكد أن الدور الأساسي للنقابة الدفاع عن هوية المهنة والعاملين بها، مشيرًا إلى أن النقابة لا تحتاج إلى ضغوط مجتمعية لاتخاذ مثل هذه الإجراءات، لكن حال وجود استجابة للضغط فهذا أمر إيجابي يدل على وعي المجتمع بضرورة تنظيم المهنة، خاصة مع وجود بعض المنتجين الذين يقدمون نماذج غير مناسبة من التيك توكرز.
واختتم حديثه بالإشارة إلى أن العديد من الفنانين لجأوا إلى صناعة المحتوى بسبب قلة فرص التمثيل، ما أدى إلى غياب التنظيم في هذا المجال، مطالبًا بأن يتم الاهتمام بالفن في المقام الأول، مع تأكيد أهمية الموهبة إلى جانب الدراسة والتدريب الجاد.