الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

"الزعيم" في عيون الأجيال: ظاهرة فنية عكست روح المجتمع وأثرت وجدانه

  • مشاركة :
post-title
الفنان عادل إمام في فيلم "الإرهاب والكباب"

القاهرة الإخبارية - ولاء عبد الناصر

تلمع أسماء وتصعد إلى قمة النجومية، لكن قلما يظهر فنان يتحول إلى ظاهرة إنسانية وفنية، يمتد تأثيره إلى ما هو أبعد من الشاشة، هذا ما حدث مع عادل إمام، أو كما يلقبه الملايين "الزعيم"، الذي كانت أعماله مرآة للمجتمع، ومواكبة لتحولات عديدة من مصر والعالم العربي، فتحدث بلغتهم، وتفاعل مع آلامهم، مرة ساخرًا وأخرى جادًا، وفي كل منها منحهم الأمل.

ومن جيل السبعينيات الذي وجد فيه صوت المواطن البسيط، إلى جيل التسعينيات الذي رآه ملك الكوميديا السياسية، وصولًا إلى جيل الألفينات الذي تربى على أعماله وأحبه كرمز وزمن جميل، عرف "الزعيم" طريقه إلى هموم المصريين وآمالهم، ليحقق معادلة فنية واكبت اهتمامات الأجيال المختلفة.

وحين يُطرح اليوم سؤال بسيط: مَن هو عادل إمام بالنسبة لك؟.. لا تأتي إجابة واحدة، بل تنكشف جوانب شخصية متعددة الوجوه، يراها كل جيل من زاويته، لكنها تتفق دائمًا على احترام موهبة لا تتكرر.

ويستعرض التقرير، عبر الغوص في "عيون الأجيال"، كيف اختلفت صورة الزعيم في وجدانهم، وما الذي جعله حاضرًا بقوة في الوعي الجمعي لأكثر من خمسة عقود، وما إذا كان لهذه التجربة الفريدة أن تتكرر.

الفنان عادل إمام

ضحكة صادقة

وفي هذا الصدد، يرى الناقد المصري طارق الشناوي، خلال تصريحات لموقع "القاهرة الإخبارية"، أن عادل إمام قيمة فنية وإنسانية عظيمة، أسعد الملايين، مضيفًا: "مع عرض أعماله باستمرار تتجدد العلاقة التي صنعها مع الجمهور العربي، وليس فقط المصري، هو ضحكة صادقة انغرست في وجدان كل العرب، وستظل خالدة في قلوبهم".

أما عن عودته للوقوف أمام الكاميرا، قال: "الحقيقة أنه اختار أن يكتفي بما قدمه من إبداع، وكانت آخر أعماله مسلسل "فالنتينو". هذا القرار لا يرتبط بأية مشكلات صحية أو في الذاكرة، بل هو خيار شخصي من فنان قدّم الكثير، وقرر أن يختتم مشواره وهو في قمة العطاء".

وتابع: "أما عن الفراغ الذي يتركه، فأنا لا أراه فراغًا بالمعنى الحرفي، فدائمًا هناك وجوه جديدة، ونجوم يظهرون بروح وأداء مختلف ومميز عن من سبقهم.. كما لم يكن عادل إمام نسخة ممن جاءوا قبله، فإن الأجيال القادمة أيضًا ستحمل معها مواهب فريدة من نوعها. فمصر، كما نعرفها دائمًا، ولّادة للنجوم القادرين على تقديم مختلف ألوان الفنون".

وختم حديثه: "عادل إمام استطاع أن يخاطب مشاعر كل جيل بطريقته، فكل جيل يراه بشكل مختلف، أربعة أجيال كاملة ضحكت وتأثرت بعادل إمام، وحتى الأجيال الجديدة لا تزال تجد فيه البهجة والدهشة، وهذا إنجاز استثنائي لا يحققه سوى فنان من طراز نادر".

الفنان عادل إمام رفقة أبنائه

ممثل موهوب شكلته الخبرة

الناقدة سامية حبيب وصفت عادل إمام بأنه ممثل موهوب واستثنائي تشكل بالخبرة، وقالت لموقع "القاهرة الإخبارية": "لم يكن فقط موهوبًا بالفطرة، بل كان ذكيًا في تطوير أدواته التمثيلية، إذ بدأ من المسرح الجامعي، وتعلم على يد كبار الفنانين، ما أسس لبنية قوية لمسيرته الفنية".

وحول مشواره الفني، أضافت: "بعد أن عمل بمسرح التلفزيون، التحق بفرقة الفنانين المتحدين، قبل أن يؤسس تجربته المسرحية الخاصة ويصبح نجمًا له جمهور كبير، تحيط به كوكبة من الفنانين. ونشأ في بيئة مسرحية غنية، وتعلم على يد أساتذة كبار، فتحوا له الأبواب ومنحوه الفرصة، وكانت هذه المرحلة التكوينية بمثابة الأساس الذي بنى عليه مسيرته".

وأشارت سامية حبيب إلى أن اهتمامها بأعماله المسرحية توج ببحث قدمته في المهرجان القومي للمسرح المصري تحت عنوان "دورة الفنان عادل إمام"، مؤكدة أن المسرح كان حجر الأساس في بناء شخصية "الزعيم" الفنية.

وقالت: "عمل عادل إمام مع عمالقة الفن والمسرح، وهو ما منحه فرصة نادرة لتطوير أدائه، فحين انتقل إلى السينما، كان قد اكتسب خبرة كبيرة.. بدأ ظهوره السينمائي مع مخرج كبير مثل فطين عبد الوهاب، في أفلام مثل نص ساعة جواز، إلى جانب نجوم مثل فؤاد المهندس وحسن يوسف".

وأضافت: "دخوله إلى السينما جاء من أوسع الأبواب، ما ساعده على فهم الفروقات بين الأداء المسرحي وأداء الكاميرا، وهو ما انعكس لاحقًا على نضجه في أعمال الفيديو، مثل أحلام الفتى الطائر، بالتعاون مع المخرج محمد فاضل والمؤلف وحيد حامد، ثم في أعمال بارزة كـدموع في عيون وقحة".

وترى الناقدة أن أحد أبرز أسرار استمرار عادل إمام وتجدده الدائم هو حرصه على تطوير أدواته التمثيلية، إلى جانب ذكائه اللافت في اختيار الموضوعات التي يتناولها، ما جعله يتنقل بسلاسة بين مختلف أنواع الفنون.

وتوضح أن مسيرته السينمائية مرت بعدة مراحل تطور، بداية من تقديمه موضوعات بسيطة تميزت بالبساطة والصدق، لكنه كان دائمًا يقدم من خلالها شيئًا مختلفًا، وتقول: "ثم انتقل إلى مرحلة أفلام القضايا، مثل الإرهاب والكباب، التي لامست هموم المجتمع بشكل مباشر. تلا ذلك مرحلة نضوجه الفني، حيث قدّم قضايا الشباب كما في التجربة الدنماركية، مرورًا بأعمال إنسانية عميقة مثل الحريف، الذي جعل الجمهور يتعاطف مع الشخصية ويتماهى معها، وكذلك المنسي، وغيرها من الأدوار التي جسّد فيها نبض المجتمع".

واختتمت سامية حبيب حديثها بتأكيد أن عادل إمام استطاع من خلال موهبته، وثقافته، وذكائه، أن يجسد شخصيات من قلب الشارع المصري، ويقدم أعمالًا قريبة من الناس، تعبر عنهم وتناقش مشكلاتهم، وهو ما جعله فنانًا باقيًا في الوجدان على مدى أجيال متعاقبة.

الفنان عادل إمام

عادل إمام وسعيد الشيمي

بينما يكشف مدير التصوير المصري سعيد شيمي عن علاقته بالنجم عادل إمام، قائلًا لموقع "القاهرة الإخبارية": "علاقتي بعادل إمام بدأت منذ سنوات طويلة، عندما تعاوننا في أول عمل جمعنا، وهو فيلم "شعبان تحت الصفر"، كانت تلك بداية تعارفنا، ومنذ اللحظة الأولى وجدته إنسانًا بسيطًا، لطيفًا، يحمل روحًا مصرية أصيلة، ويتميز بخفة ظل، ومن خلال العمل، نشأت بيننا علاقة قائمة على المحبة والتقدير المتبادل، وسادها الكثير من التعاون والاحترام".

ويضيف: "صوّرت له عددًا كبيرًا من الأفلام تنوعت بين الأكشن، والكوميديا، والمغامرات، وكانت جميعها تجارب فنية ناجحة ومثمرة، وخلال كل تلك السنوات التي عملنا فيها سويًا، كانت علاقتنا دائمًا مستقرة ومتميزة، يسودها التفاهم، وكانت الروح الطيبة هي العامل المشترك في كل مشروع جمعنا".

وتابع: "السينما في مصر دائمًا ما احتضنت النجم الذي يشعر به الناس، الذي يرونه قريبًا منهم، وهذا ما تميز به عادل إمام فقد امتلك عنصرين مهمين: البساطة في الأداء، وخفة الظل التي أسرت قلوب الجماهير.. تمكن من تقديم الكوميديا بسلاسة، وجعل الضحك يصل إلى قلوب المصريين دون تكلف".

وأشار إلى بدايات الزعيم قائلًا: "بداية تألق عادل إمام كانت من خلال تجسيده لشخصية الفلاح القادم من الريف إلى المدينة في أحد أفلام المخرج أحمد فؤاد، وهي الشخصية التي أحبها الجمهور وشعر بأنها تمثله، ثم جاءت مسرحية مدرسة المشاغبين، التي شكّلت نقطة تحول كبيرة في مسيرته، وأسست له قاعدة جماهيرية واسعة، وأثبتت حضوره القوي على الساحة الفنية".

وختم حديثه: "عادل إمام استطاع بشخصيته الفريدة، وأسلوبه العفوي، أن يصنع لنفسه مكانة خاصة في قلوب الجمهور، ليس فقط من جيل واحد، بل من أجيال متعددة، وهذا ما جعله واحدًا من أبرز رموز الفن في مصر والعالم العربي".

الفنان عادل إمام

امتنان لا يوصف

الفنانة إلهام شاهين أعربت لموقع "القاهرة الإخبارية" عن امتنانها الكبير لعادل إمام، قائلة: "علاقتي به مليئة بالمودة والتقدير، وأشعر بامتنان لا يوصف له، لأنه منحني أول بطولة سينمائية في فيلم "الهلفوت"، وهو ما شكّل نقلة نوعية في مسيرتي، من شاشة التلفزيون إلى شاشة السينما".

وأضافت: "فيلم الهلفوت لم يكن مجرد عمل فني بالنسبة لي، بل كان بداية حقيقية لمسيرتي في السينما، وأول جائزة حصلت عليها في حياتي كانت عن دوري في هذا الفيلم، وشعرت بسعادة غامرة حينها، خاصة مع النجاح الكبير الذي حققه، واستمر عرضه لوقت طويل".

وتابعت: "الجمهور كان يذهب لمشاهدة عادل إمام، لكنني كنت المستفيدة الحقيقية، لأن الناس خرجت من القاعة تتحدث عن وجه جديد في السينما. من خلال الهلفوت، وضِعت على خريطة النجومية، وبدأت رحلتي في عالم الفن السابع".

حالة فنية لا تتكرر

وترى إلهام شاهين أن عادل إمام حالة فنية نادرة لن تتكرر، قائلة: "استطاع أن يصل إلى قلوب الجماهير في مصر والوطن العربي كله، لأنه يقدم فنًا صادقًا نابضًا بالحياة، ويطرحه بأسلوب سلس يجعل أعقد القضايا قريبة من الناس، وامتلك موهبة فطرية في الكوميديا، تجعل مجرد ظهوره على الشاشة سببًا في الابتسام، وهذه موهبة لا تكتسب، بل تولد مع الإنسان، ولم ينجح أحد في منافسته فيها".

وأضافت :"لكن الأهم من ذلك أن عادل إمام لم يكن أبدًا مجرد صانع للضحك، بل استخدم الكوميديا كوسيلة لطرح قضايا اجتماعية وسياسية شديدة الأهمية. كان أول من تصدى للإرهاب فكريًا من خلال السينما، وفيلمه "الإرهاب" سيظل شاهدًا على شجاعته الفنية وموقفه الواضح في مواجهة التطرف، إذ فضح من خلاله العقول المسمومة التي تهدد أمن المجتمع".

وتابعت: "ليس مجرد فنان، بل إنسان قريب من الناس، يشعر بهم، ويعرف كيف يضع إصبعه على جراح المجتمع ويقدمها بطريقة تجمع بين العمق والبساطة. مواقفه، واختياراته، وشخصيته، كلها تعكس فنانًا متكاملًا".

وختمت حديثها: "شخصيًا، لا أظن أن هناك من يمكنه أن يأتي بعده أو يملأ مكانه. فقد ظل نجم الشاشات والمسارح لأكثر من 60 عامًا، محتفظًا بجماهيريته وحضوره الطاغي.. وهذا إنجاز استثنائي لا يكرر، فهو حالة فنية نادرة لن تتكرر".

الفنان عادل إمام

بساطة الزعيم خلف الكاميرا

تتحدث الفنانة المصرية أنوشكا لموقع "القاهرة الإخبارية " عن كواليس العمل مع عادل إمام، فتفتح نافذة على جانب إنساني قلما يرى على الشاشة، وقالت: "رغم ما يبدو عليه من وقار وجدية، إلا أن الزعيم خلف الكاميرا إنسان بسيط للغاية، وروحه مرحة تدخل القلب سريعًا، وفي لحظة واحدة، يمكن أن يتحول إلى مصدر فكاهة وبهجة، ويصنع حالة من الدفء بين الجميع".

وأضافت:"في كواليس مسلسل "فرقة ناجي عطا الله"، كان دائمًا أول من يصل إلى موقع التصوير، رغم أنه الأكبر سنًا وخبرة بيننا، ويتميز بالالتزام الشديد، ويقضي وقته في غرفته بهدوء يحضّر مشاهده ويتأهب للتصوير دون شكوى أو تذمر".

وأشارت "أنوشكا" إلى أن العلاقة مع عادل إمام تجاوزت حدود العمل الفني، قائلة: "كنا جميعًا نشعر بحبه واحتوائه، لم يبخل علينا بنصيحة أو توجيه، فكان ملجأ لنا في استشاراتنا، سواء الفنية أو الشخصية، سواء أنا أو باقي الشباب المشاركين في العمل، فلقد أضاف إلى كل واحد منا على المستويين المهني والإنساني".

وختمت حديثها: "من وجهة نظري، عادل إمام استطاع أن يدخل قلوب كل الأجيال، لأنه يملك قدرة فريدة على قراءة الشخصيات وفهم الناس على اختلافهم، فيتحدث إليهم بلغتهم، وينزل إليهم بمحبة، ولذلك أحبوه جميعا، كبارًا وصغارًا".