في لحظة يتجدد فيها رهان الدولة المصرية على الثقافة كأداة للتنوير وبناء الوعي، يأتي التشكيل الجديد للمجلس الأعلى للثقافة ليعكس رؤية أكثر شمولًا وتنوعًا، قائمة على إشراك رموز فكرية وفنية من مختلف الاتجاهات، في محاولة لصياغة مسار ثقافي أكثر التصاقًا بالواقع، وأكثر انفتاحًا على المستقبل.
تشكيل المجلس الجديد لم يكن مجرد إجراء إداري، بل خطوة استراتيجية تعكس إرادة الدولة في تمكين الثقافة من القيام بدورها الحيوي في مواجهة التحديات المجتمعية والفكرية، ويترقب الوسط الثقافي أولى ثمار هذا التشكيل في الاجتماع المرتقب للمجلس يوم الثلاثاء 29 يوليو 2025، بدار الأوبرا المصرية، الذي دعا له وزير الثقافة المصرية د.أحمد هنو، للتصويت على جوائز الدولة الرفيعة في الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية التي تُعد من أرفع الجوائز الثقافية في مصر.
يأتي هذا الاجتماع في أعقاب صدور قرار رئيس مجلس الوزراء، الدكتور مصطفى مدبولي، بإعادة تشكيل المجلس الأعلى للثقافة لمدة عامين، حيث ضم نخبة من الرموز الفكرية والثقافية والفنية، في خطوة تعكس حرص الدولة على دعم المشهد الثقافي وتعزيز دوره في خدمة قضايا الوطن.
وفيما يتطلع الجميع إلى نتائج الاجتماع، تبرز أصوات بعض أعضاء المجلس ممن عبروا عن رؤاهم وطموحاتهم بجرأة وواقعية، واضعين أيديهم على مكامن الخلل ومقترحين سُبل النهوض.
يوسف القعيد: لا نهضة ثقافية دون الوصول إلى القرى
في رؤية تنتصر للعدالة الثقافية والتوزيع الجغرافي المنصف للأنشطة، أكد الأديب والروائي المصري يوسف القعيد، عضو المجلس الأعلى للثقافة، لموقع "القاهرة الإخبارية"، أن أي مشروع جاد لتطوير الثقافة المصرية لا يمكن أن يُكتب له النجاح ما لم ينطلق من القاعدة الشعبية الأوسع، المتمثلة في الأقاليم والقرى والنجوع ومراكز الشباب في المحافظات، بعيدًا عن المركزية الثقافية التي حصرت الإبداع طويلًا في العاصمة وبعض المدن الكبرى.
وقال القعيد: "الثقافة الحقيقية هي التي تنبع من الناس وإليهم تعود، إذ لا بد أن تذهب الثقافة إلى حيث يوجد الجمهور، إلى القرى البعيدة والمناطق المهمّشة، لا أن تنتظر مجيء الناس إليها في العاصمة".
وشدد على ضرورة توفير بيئة آمنة ومُحرّرة للمبدعين، قائلاً: "الحرية ليست ترفًا، بل شرط أساسي لوجود الإبداع؛ فبدونها لا يولد أدب حقيقي، ولا تتفتح زهرة فن، ولا يتشكل وعي إنساني متجدد".
كما دعا إلى تمكين الشباب ثقافيًا وفنيًا، موضحًا: "المجلس الأعلى للثقافة يجب أن يكون منصة لكل مبدع، لا سيما الشباب، الذين يمثلون طاقة الأمة الحقيقية، ونحن بحاجة ماسة إلى احتضانهم والاستماع إليهم، وتمهيد الطرق أمامهم ليصبحوا روّاد الثقافة المستقبلية".
واختتم بقوله: "الثقافة ليست ترفًا، بل هي ضرورة وطنية لصياغة الوعي، ومواجهة التحديات الفكرية، وبناء الإنسان المصري الذي يحمي وطنه بقوة العقل والقلم والفن".
أحمد عبد المعطي حجازي: ننتظر خطة تنهض بالمشهد الثقافي
من جانبه، عبّر الشاعر الكبير أحمد عبد المعطي حجازي، عضو المجلس، عن تطلعه لأن يضطلع المجلس الجديد بمسؤولياته الكاملة، وقال لموقع "القاهرة الإخبارية": "أتمنى أن يقوم المجلس الأعلى الجديد بواجباته المحددة، وفي مقدمتها وضع خطط صحيحة وواقعية تقود إلى نهضة ثقافية نحن في أمس الحاجة إليها في هذه الأيام".
ودعا إلى قراءة واقعية للمشهد الثقافي دون تزيين أو تجميل: "ينبغي أن يبني المجلس رسالته انطلاقًا من رؤية متأنية للمشهد الثقافي الراهن، وأن يضع بناءً على هذه الرؤية خطة واضحة للمستقبل، تتأسس على الواقع وتستشرف آفاق التغيير".
كما أكد ضرورة تجاوز القصور السابق، واستعادة المجلس لدوره الحيوي، موضحًا: "أتطلع إلى أن يؤدي المجلس الجديد الواجبات والمهام التي لم يكن يؤديها بالشكل المطلوب في السابق، وأن يستعيد دوره كمؤسسة وطنية معنية بتوجيه الحركة الثقافية وصياغة السياسات الفكرية العامة".
راجح داود: المجلس يواجه الركود بخطط واستراتيجيات فاعلة
أما الموسيقار الكبير الدكتور راجح داود، عضو المجلس الأعلى للثقافة، فقد أكد أن المجلس بتكوينه الجديد يتبنى دورًا استشاريًا محوريًا، وقال لموقع "القاهرة الإخبارية": "المجلس الأعلى للثقافة هو مجلس استشاري، يُراجع ويقيم مشروعات في جميع مجالات الفنون، ويطرح رؤى جديدة تعزز من دور الثقافة في المجتمع".
وأوضح "داود" أن دعم المواهب الشابة يأتي في قلب أولويات المجلس، قائلًا: "الاهتمام بالشباب لا يعني فقط توفير المنصات، بل أيضًا فتح الأبواب أمام التجريب والتجديد، وإعطائهم المساحة ليعبّروا عن رؤاهم بحرية ومسؤولية".
وأضاف أن المجلس يتعامل مع المشهد العام، لا التفاصيل فقط، إذ قال: "نحن ننظر إلى ما هو أبعد من مجرد دعم مشروع أو نشاط؛ نرصد الركود الثقافي حين يظهر، ونسعى إلى مواجهته بخطط تطوير واستراتيجيات فاعلة تعيد للثقافة دورها القيادي في تشكيل وعي الأمة".
وأكد "داود" أن الثقافة لا يمكن أن تظل ساكنة، بل يجب أن تكون قوة متجددة تقود المجتمع نحو التنوير والتطور، داعيًا إلى تكاتف الجميع من أجل تحقيق هذا الهدف النبيل.