- تهديدات الكيان الإسرائيلي لي لا تقارن بمن تسيل دماؤهم في سبيل الوطن
- أصواتنا تصرخ في برية وقررنا أن نبقى ريثما يستفيق العالم
- لا نريد مديحًا بأننا أصحاب حقوق ولكن بلا أرض
- نتعرض لاعتداء على تراثنا الثقافي المتمثل بأبنيتِنا التراثية ومساجدنا وكنائسنا وقلاعنا
- إسرائيل قاتلة للبشر وللحجر وهي تتعمد محو التراث الثقافي للشعب الفلسطيني
- يجب أن تُسَنّ خناجر المثقفين لكشف كذب المحتل
تهديدات متواصلة ومُمنهجة يشنها الكيان الإسرائيلي تستهدف رموز الفن والثقافة اللبنانيين لإسكات أصواتهم، حتى طالت هذه التهديدات وزير الثقافة اللبناني محمد وسام المرتضي، بعد تلقي مكتبه اتصالًا من شخص يُحذره من التواجد فيه وأمره بمغادرته فورًا لأنه مستهدف، وجاء رد وزير الثقافة على تلك التهديدات حاسمًا بأنها لن تزيدهم إلا إصرارًا.
حول موقفه وتفسيره للتهديدات التي تلقاها من الكيان الإسرائيلي، تحدث وزير الثقافة اللبناني محمد وسام المرتضي في حوار خاص لـ موقع "القاهرة الإخبارية"، تطرق فيه إلى التأكيد على أهمية الثقافة والفن في تسليط الضوء على القضايا المجتمعية والسبب وراء استهدافها من قبل المحتل، كما تحدث عن كيفية الحفاظ على تراث الدول وتوريثها للأجيال، وتعليقه على الأحداث المؤلمة التي يعيشها الشعب اللبناني والفلسطيني، وكيف يمكن للمبدعين والمثقفين كشف كذب الكيان الصهيوني أمام العالم وأمور أخرى كثيرة نقرأها في هذه السطور:
ما الرسالة التي أردت توصيلها بردك الحاسم على تهديدات الكيان الإسرائيلي؟
كان ردي طبيعيًا من مواطن لبناني متجذر بأرضه وهذا بطبيعة الحال أقل الإيمان إذا ما تمت مقارنته بمن تسيل دمائه في سبيل لبنان، وبالطبع رسالتنا واضحة بأننا نسير في قافلة الصمود غير آبهين للنباح.
في ظل الأحداث المؤلمة التي تحدث في لبنان.. ما رسالتك للعالم لوقف الحرب؟
لبنان يتعرض لأشرس حرب في تاريخ الإنسانية يضرب فيها العدو الإسرائيلي عرض الحائط بكل القوانين الدولية والإنسانية وقد وصل به عقله الإجرامي وخياله التدميري المريض إلى تفخيخ وسائل اتصال يستعملها الأطباء والممرضون والممرضات وطواقم الإسعاف في محاولة لقتل المدنيين.
وفي مواجهته ما زلنا نناشد العالم والأمم المتحدة ومجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية لكننا نكتشف للأسف بأن أصواتنا تصرخ في برية وأن حقوق الإنسان هي لأناس وليس لآخرين وأن العالم "الحر" ليس حرًا ولكنه أسير سردية مقيتة تتحكم به وبمؤسساته.
وأقول إن عالمًا جديدًا سيولد بعد كل هذا الظلم والموت، عالم لا ازدواجية فيه ولكنه يولد على مهل وعلينا أن نساعده ليخرج من رحم العالم البائد عبر صمودنا، فنحن قررنا أن نبقى ريثما يستفيق العالم ولا نريد مديحًا بأننا أصحاب حقوق ولكن بلا أرض. نريد حقوقنا وأرضنا معًا.
للثقافة والفن دور كبير في تسليط الضوء على القضايا المجتمعية خصوصا في أوقات الأزمة.. كيف ترى ذلك؟
الثقافة تعبّر عن تطلعات الشعوب، عن آمالها وآلامها وهي عنصر حيوي ووجودي في مجتمعنا النابض بحب الحياة وهي إلى جانب الفنون بكافة أشكاله تعبّر عما تختزنه لبنانيتنا وعروبتنا من تنوع مبني على الانفتاح وعَيش المعيّة.
في المحصّلة الثقافة اللبنانية هي ملامح إبداع اللبناني الذي يروي من خلالها قصصه اليومية ويلوّن بريشتها وإزميلها طموحاته، هي الألوان والأشكال التي يستعملها مبدعونا ليحتفلوا بِفرادتهم ويتذكروا ماضيهم وَيرفِّهوا عن أنفسهم وأنفس أترابهم وهم ملتزمون ببناء المستقبل. الثقافة والفن في لبنان خصوصًا في هذه الأزمنة الصعبة يعيدان تعريف الذات اللبنانية ذاتًا مقاوِمة للموت وباعثة للحياة ويسهمان في اعادة تعريفنا للعالم.
وما رؤيتك للوضع الفني والثقافي في دولة لبنان بشكل خاص؟
تحمل الثقافة في لبنان قيمة هائلة ترفد جهود ترسيخ الهوية الوطنية والاجتماعية ونحن نحاول أن نكون كوزارة صلة الوصل بين القيم والجهود المبذولة لتحقيقها. فمن خلال الثقافة نفهم أننا متشابهون ومتنوعون وهذا تحدٍ كبير في لبنان من شأنه أن يحدد جوامعنا المشتركة وكلما التزمنا بالتشابه ضمن التنوع كلما أحبطنا محاولات البناء على خلافاتنا الصغيرة. الثقافة في لبنان هي العمل اليومي على تحييد الخلافات الصغيرة وتقريب التفاهمات الكبرى التي تبني على المدى الطويل انتماءنا الحضاري المشترك ولذلك دورنا هو تجسيد روح لبنان وجوهره وكلما فعلنا ذلك عززنا الوحدة الوطنية.
أما النواقص فهي كثيرة ونرى أنه يمكن العمل على تحويلها إلى إضافات عبر رفع مستوى الوعي لدى جيل الشباب حول التراث الثقافي، وهذا تحدٍ كبير في ظل مدنية الرقمنة إضافة إلى إغراق المشهد اللبناني بالأنشطة والفعاليات تعزيزًا للتراث بشكل جذّاب وعصري يحاكي أذواق الجيل الجديد.
وما التحديات التي تواجه الحفاظ على التراث الثقافي وتوريثه للأجيال؟
الحفاظ على التراث الثقافي والتاريخي يواجه العديد من التحديات في لبنان والعمل على حمايته متعدد الجبهات والوسائل خصوصًا وأن بثّ الوعي حول أهمية تراثنا يبقى الأساس في كل مبادرة. ولهذا السبب من الضروري دائمًا تحديث القوانين التي ترعى حماية معالمنا التراثية ورفع مستوى الوعي العام بأهمية الحفاظ على التراث وتعبئة الموارد لدعم هذه الجهود.
واليوم نتعرض إلى اعتداء إسرائيلي على أرضنا وشعبنا وفي منطقة عزيزة هي الجنوب اللبناني أفلا يُعتَبَر ذلك اعتداءً أيضًا على تراثنا الثقافي المتمثل بأبنيتِنا التراثية وعلى مساجدنا وكنائسنا وقلاعنا وبالتالي على تاريخنا المشترك. الحرب علينا بالتحديد حرب ثقافية حيث يحاول العدو محو آثارنا في هذه الأرض ولذلك نادينا وما زلنا ننادي بالمقاومة الثقافية لحماية تنوعنا.
كيف ترى أهمية الثقافة والفن في فضح وحشية الكيان الصهيوني؟
إسرائيل قاتلة للبشر وللحجر أيضًا وهي تتعمد محو التراث الثقافي للشعب الفلسطيني منذ قيام كيانها المؤقت عام 1948 وهذه الممارسات تعد حرائق حرب يتم ملاحقتها دوليًا عليها، وآخر الدعاوى المقامة ضدها كانت من جنوب إفريقيا.
ونذكّر أن قصر الأونيسكو في بيروت أول معلم حضاري تعرض للقصف من هذا الكيان لأنه يمثل ثقافة التنوع والانفتاح المضادة للعنصرية الإسرائيلية ولذلك على حراكنا الثقافي أن يُظَهِّر بكافة تجلياته هذه العنصرية ليخلق وجدان ووعي متجددين يعطيان دفعًا جديدًا للجيل الجديد حتى يستكمل المواجهة.
هل لذلك هناك إصرارا على طمس الاحتلال لهوية الشعوب ومحاربة المبدعين وهدم المباني الثقافية؟
بالتأكيد اغتيال إرادة الحرية بكل بساطة، والقول إن حضارة ما هنا وأنه علينا أن نذوب في حضارة منحولة ومزورة وهدم المعالم جزء من مخططهم وبالتالي المطلوب التطبيع على النحو الذي عبّرت عنه مرارًا وتكرارًا في السابق أي تطبيع محاربة التطبيع. تطبيع عودتنا إلى طبيعتنا لا إلى طبيعة المحتل وهذا ما تقوم به حركات المقاومة في فلسطين ولبنان
وكيف ترى المشهد الفلسطيني وما يتعرض له هذا الشعب المثابر؟
الفلسطيني يقدم أسطورةً من المقاومة، وستُدرّس بسالته لمئات السنين في المعاهد العسكرية وكيف أن بقعة مسطحة لا تلال فيها ولا هضاب ومكشوفة تمامًا تستطيع أن تقاوم لمدة سنة تحت وابل قصف غير مسبوق في تاريخ حروب الإنسانية ولا حاجة للتذكير بأن العدو لم يحقق من حربه أيًّا من أهدافه المعلنة سوى قتل الأطفال والنساء والمدنيين فيما بقيت المقاومة تخرج حتى اللحظة من كل الأمكنة فوق الأرض وتحتها وتصطاد دباباته وأفراده. المشهد الفلسطيني ذاهب إلى دولة فلسطينية من البحر إلى النهر وفي نهاية هذا الصراع وهذا منطق التاريخ.
ومن وجهة نظرك كيف يمكن للشعب الفلسطيني الحفاظ على هويته الثقافية في ظل الإبادة الجماعية التي يتعرض لها؟
طالما أن هناك أطفال يخرجون من الركام ويرفعون أصابع النصر فهذا يعني أن أرث فلسطين الحضاري باقً، لكن حجم الدمار كبير والمعالم أطاح بها وهنا دور كبير لليونسكو والمنظمات الدولية لإعادة إعمار ما تهدّم. الهوية الثقافية للشعب الفلسطيني لا يمكن قصفها بالصواريخ وهذا هو الأهم.
كيف يمكن للمبدعين أن ينقلوا ما يحدث حاليًا في فلسطين ولبنان للعالم كله؟
المثقف بقلمه وريشته وإزميله له دور كبير في المعركة. من سميح القاسم إلى محمود درويش إلى الشعراء والأدباء في لبنان كل هؤلاء ستبقى مآثرهم أقوى من جيش الاحتلال. هناك أدب ولد من المعتقلات وصار يتناقله الناس في كل أصقاع الأرض.
هل يمكن قصف الكلمات والقصائد والأناشيد؟ هل يمكن قصف الموقف؟ هل يمكن قصف السردية الفلسطينية واللبنانية التي باتت مؤثرة في وجدان العالم والإعلام الدولي؟ الاستمرار بكل هذا هو جزء كبير من معركة الوعي والتحرير.
وما نصيحتك لكل فنان أو مؤثر لدعم القضايا المجتمعية؟
يجب أن تُسَنّ خناجر المثقفين، فكل من يستطيع رسم جدارية يعد مقاوما للاحتلال. هناك أطفال في غزة صاروا بشهرة المراسلين الأجانب ويتابعهم ملايين الناس عبر وسائل التواصل. كل هذا يجب أن يحظى بمتابعتنا لنساهم جميعًا في المواجهة.