أجمع المحللون السياسيون على أن إعلان حزب العمال الكردستاني حلّ نفسه والتخلي عن السلاح يُعدّ تحولًا مفصليًا واستثنائيًا، يُمهّد لإنهاء فصل طويل من الصراع الدموي مع تركيا ويفتح الباب أمام مرحلة جديدة عنوانها السلام في المنطقة.
وبالفعل شهدت مدينة السليمانية، الواقعة في إقليم كردستان العراق، أمس الجمعة، احتفالية رسمية أعلن خلالها الحزب نهاية حملته المسلحة التي امتدت لنحو نصف قرن، في خطوة تاريخية تُنهي أكثر من أربعين عامًا من القتال.
خطوة تاريخية
وصف الباحث السياسي التركي طه عودة، في حديثه مع موقع "القاهرة الإخبارية"، ما جرى بالأمس من إلقاء حزب العمال الكردستاني السلاح وحرقه، بـ"الخطوة المهمة والتاريخية في مسار الصراع التركي الكردي".
وقال "عودة": "نحن أمام مرحلة كما تقول أنقرة خالية من الإرهاب، وسوف تكون لها تداعيات بشكل كبير ليس فقط على تركيا ولكن على دول المنطقة، خاصة أن هذا الموضوع له ارتباطات إقليمية ودولية، لا سيما في سوريا والعراق، وسوف تنتعش العلاقات التركية مع تلك الدول مستقبلًا".
من جانبه، صرّح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، اليوم السبت، في خطاب من أنقرة بأن "بلاده بدأت إغلاق حقبة مؤسفة مع بدء تخلي حزب العمال الكردستاني عن السلاح"، مضيفًا: "حاربنا الإرهاب وتقربنا من الإخوة الأكراد وأريناهم أننا نريد مصلحة البلاد ومصلحتهم".
بداية السلام
في السياق ذاته، صرّح الباحث في العلاقات الدولية، محمود علوش، لموقع "القاهرة الإخبارية" بأن "صراع تركيا مع حزب العمال الكردستاني كان الأساس حول توليد الإرهاب المتعدد لها، مؤكدًا أن إنهاء هذا الصراع هو العنصر الأكثر أهمية في تحقيق هدف "تركيا خالية من الإرهاب".
وأضاف "علوش": "في الوقت نفسه لا يمكن أن نتصور أن نجاح عملية السلام تلك ستُعالج تمامًا مشكلة الإرهاب بالنسبة لتركيا، فقط ستكون حاسمة في تحقيق هذا الهدف".
وأضاف: "بدء نزع سلاح حزب العمال الكردستاني يعزز الرهان على عملية السلام الجديدة وقدرتها على الوصول إلى مستويات بعيدة جدًا، وإن تحقق ذلك، سيكون نصرًا عظيمًا لتركيا وأكرادها وأكراد المنطقة، فأردوغان رجل سلام مع الأكراد، وهم يستحقون هذا السلام، وكان عبد الله أوجلان زعيم الحزب واقعيًا وجريئًا في تحليل الواقع الكردي في بيئة متحوّلة".
صفحة جديدة
أوضح "علوش" أن هذه العملية "تتجاوز في أهميتها وتداعياتها إنهاء الصراع، لتصل إلى إعادة رسم علاقة تركيا بالأكراد، سواء داخل البلاد أو في المنطقة أيضًا، كما ستعيد تشكيل الحالة الكردية الإقليمية على نطاق واسع"، متوقعًا أن "يفتح هذا السلام آفاقًا أمام كورد سوريا للانخراط في الدولة الجديدة".
أما "عودة" فيرى أنه من غير الدقيق القول إن الخطوة التي تم اتخاذها أمس ستكون حلًا دائمًا للقضية الكردية، مضيفًا: "نتحدث عن بداية لمرحلة جديدة عنوانها السلام بدون شك، حيث إن هذه القضية لم تحل على مدار 4 عقود بسهولة، كما أنها أيضًا لن تنتهي بسهولة، بل تواجه معوقات وعواقب كبيرة، إلا أنه يبدو بوضوح رغبة كلا الطرفين فيما يتعلق بإتمام هذه العملية لمصلحة الشعبين التركي والكردي".
فرصة لأكراد سوريا
فيما يرى "علوش" أن بيئة السلام بين تركيا والأكراد ستنعكس إيجابيًا على أكراد المنطقة، خاصة أن الصراع كان محفزًا للكثير من المشكلات التي واجهها أكراد سوريا والعراق على مدى عقود.
ويتابع: "في سوريا، لم يعد ما يعرف باسم "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، في وضع يُمكّنها من الاحتفاظ بحالتها ككيان عسكري وبالإدارة الذاتية. والعرض الوحيد المقدّم لها هو الاندماج في الدولة السورية مقابل التخلي عن أطروحات لا تتماشى مع واقع سوريا الجديد. وعملية السلام التركية الكردية لحظة تاريخية لأكراد سوريا ليكونوا جزءًا منها كأي مكون آخر".
في حديثه بأنقرة، أشار الرئيس التركي إلى أن "التغيرات التي حدثت في سوريا والعراق ساعدت بلاده في التعامل مع الإرهاب".
وقدَّر رئيس تركيا تكلفة الإرهاب على بلاده خلال سنوات بلغت تريليوني دولار، كما أسفر عن مقتل 10 آلاف من أفراد الأجهزة الأمنية و50 ألف مدني".
الأكثر حساسية
لفت "عودة" إلى أنه بالرغم من هذه الانفراجة بين تركيا وحزب العمال الكردستاني، فإن هناك تعقيدات في الشرق السوري يتم طرحها منذ أيام على كل الأحوال، مؤكدًا أن الملف الكردي يبقى الأكثر حساسية في الشرق الأوسط بعد الملف الفلسطيني، خاصة أنه يتداخل فيه حسابات أمنية سياسية وحتى دولية، حسب تقديره.
إجمالًا، وحسبما يرى "طه"، فإن الكرة في ملعب كلا الطرفين، التركي والكردي، لحماية هذا المسار الذي تعثر لسنوات طويلة، ويمكن القول إن "الأيام المقبلة هي التي ستثبت هل هذه الخطوة هي مقدمة سلام شامل أم مجرد هدنة مؤقتة في صراع طويل الأمد؟"