يبدو أن اختيار إيران اللجوء إلى التصعيد، بعد الضربة الجوية الأمريكية على المنشآت النووية الثلاث، قد يجرّ الولايات المتحدة إلى عمق المعركة، أو قد تركز على حرب استنزاف مع إسرائيل.
ووفقًا لصحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، سيتوقف مسار الصراع، وما إذا كان سيُحسم في ساحة المعركة أم على طاولة المفاوضات، على متغيرين رئيسيين على الأقل: أولًا، مدى الضرر الذي ألحقته الولايات المتحدة وإسرائيل بالقدرات النووية الإيرانية، وثانيًا، هل ستختار إيران الرد، وإذا نفذت إيران وعدها باستهداف القواعد العسكرية الأمريكية وغيرها من الأصول في الشرق الأوسط، فقد يؤدي ذلك إلى إشعال فتيل حرب أوسع نطاقًا، وهو ما تعهد ترامب خلال حملته الانتخابية بتجنبه.
أشار مسؤولون أمريكيون للصحيفة، إلى أن ضربة السبت، من وجهة نظرهم، كانت تدخّلًا منفردًا، وأنهم يسعون الآن إلى خفض التصعيد. وتوعدت إيران بالرد على المصالح الأمريكية، ودعا القادة الإسرائيليون مواطنيهم إلى الاستعداد لحملة طويلة، ومن المرجّح أن يكون من المستحيل على ترامب أن يتجاهل الصواريخ الإيرانية التي تصيب المنشآت الأمريكية في العراق أو قطر أو البحرين أو في أي مكان آخر.
إسرائيل تلمّح لإنهاء القتال
وأصبح لإسرائيل أجندتها الخاصة، التي تتجاوز وقف تخصيب اليورانيوم الإيراني إلى القضاء على برنامجها الصاروخي الباليستي، وربما تصل إلى تغيير النظام، وهو أمرٌ تقول الولايات المتحدة إنها لا تسعى إليه. وصرّح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أمس الأحد، بأن إسرائيل "قريبة جدًا" من تحقيق أهدافها الحربية، في أول تلميح إلى أنها قد تكون منفتحة على إنهاء القتال.
قال فيليبس أوبراين، أستاذ الدراسات الاستراتيجية بجامعة سانت أندروز في أسكتلندا، لـ"وول ستريت جورنال": "سيحدث خفض التصعيد عندما يرغب الطرفان في ذلك، وقد يحدث قريبًا إذا اعتقدت إسرائيل أنها حققت ما تريده، واعتقد الإيرانيون أن استمرار القتال يُعرّض حكمهم للخطر".
ويُعد أسرع سبيل للخروج من الحرب هو استسلام إيران، وهو عمليًا اتفاق دبلوماسي لإنهاء تخصيب اليورانيوم، وربما فرض قيود أخرى على طموحاتها النووية. ويرى محللون أن هذا هو الأقل احتمالًا. وقال وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، أمس الأحد، إن الدبلوماسية أثبتت عدم جدواها، وأضاف أن إدارة ترامب لا تفهم سوى "لغة التهديد والقوة، وهذا أمر مؤسف للغاية".
تقليل من الضربة الأمريكية
ربما كسب المسؤولون الإيرانيون بعض الوقت يوم الأحد بتصريحهم أنهم قلّلوا من تأثير الضربات الأمريكية على برنامجهم النووي. وذكرت وسائل الإعلام الرسمية أن الأضرار في منشأة فوردو الرئيسية للتخصيب، اقتصرت على نفق المدخل، وأن معدات مهمة نُقلت من الموقع قبل القصف. قد يُخفف هذا الضغط الشعبي للرد الفوري، ويُتيح للنظام مساحةً لوضع خطة لردع أي ضربات أمريكية وإسرائيلية مستقبلية.
وقال علي فايز، رئيس مشروع إيران في مجموعة الأزمات الدولية للصحيفة الأمريكية، إن خيارات إيران العسكرية تتراوح بين "ضعيفة وكارثية". وأضاف: "بإمكانها محاولة التصعيد ضد إسرائيل أو الولايات المتحدة أو المصالح الأمريكية في المنطقة، لكنها بالفعل أقل تسليحًا من إسرائيل والولايات المتحدة".
ومن شأن أي قرار تتخذه إيران بتوسيع نطاق الحرب من خلال استهداف القوات أو الأصول الأمريكية أن يضمن رد فعل أمريكي عنيف من شأنه أن يُطيل أمد القتال ويزيد من خطر انهيار النظام.
استنزاف لمدة شهر
قالت ساريت زهافي، مؤسسة ورئيسة مركز ألما للأبحاث والتعليم، وهو مركز أبحاث إسرائيلي، إن إيران قد تتمكن من إطلاق صواريخ على إسرائيل لشهر آخر. وأضافت أن أسوأ سيناريو هو "أن إيران لن تستسلم وتواصل الحرب لاستنزافنا بإطلاق بضعة صواريخ يوميًا لمنعنا من العودة إلى روتيننا".
في النهاية، سيجعل التفوق الجوي الإسرائيلي من المستحيل على إيران التفوق عليهم، كما يقول داني أورباخ، المؤرخ العسكري في الجامعة العبرية بالقدس. "تستطيع إسرائيل قصفهم متى شاءت، ولا أحد يهبّ لمساعدتهم فعليًا".
رغم رد إيران، قد لا ترغب إسرائيل في إنهاء القتال حتى تتحقق أهدافها الحربية. وتشمل هذه الأهداف ليس فقط القضاء على قدرة إيران على تخصيب اليورانيوم، بل أيضًا تدمير ترسانتها من الصواريخ الباليستية. وتشير تقديرات إسرائيل إلى أن إيران بدأت الحرب بـ2500 صاروخ باليستي، وكان من المقرر أن يصل عددها إلى 8000 صاروخ خلال عامين.
نقل اليورانيوم المخصب
صرّح مسؤولون أمريكيون، بمن فيهم ترامب، بأن الضربات الأمريكية "دمّرت" المنشآت النووية الإيرانية. لكن إجراء تقييم حقيقي سيستغرق وقتًا أطول، ومن المحتمل أيضًا أن تكون إيران قد نقلت بعض اليورانيوم المخصب إلى مواقع أخرى، مما يُصعّب معرفة المدى الكامل لقدراتها.
إلى ذلك دعا بعض أعضاء البرلمان الإيراني إلى الانسحاب الفوري من معاهدة حظر الانتشار النووي، وترى الأصوات المتشددة في الحكومة أن بناء الأسلحة النووية هو السبيل الأمثل لاستعادة النفوذ الإقليمي وردع التهديدات من إسرائيل، والآن الولايات المتحدة.