التنوع بين اللبنانيين والسوريين يضيف نضجا وطاقة لأي عمل
في كل ظهور لها، تثبت كارول عبود أنها لا تمثل فقط بل تعيش الشخصيات وتمنحها روحًا تشبهها. فنانة لبنانية تمتاز بخياراتها المختلفة، لا تسير وفق السائد، بل تصنع لنفسها خطًا دراميًا خاصًا، حيث تفضل الأدوار المركبة على البطولات التقليدية، وتؤمن بأن العمق أهم من الواجهة.
وبأدائها الذي يجمع بين الحساسية والقوة تطل كارول عبود على جمهورها في مسلسل "خطيئة أخيرة" بشخصية "فتون"، امرأة في منتصف الخمسينات، تعيش على هامش الحكاية لكنها تمسك بخيوطها من الخلف، لا تستجدي عاطفة المشاهد بل تفرض احترامها بهدوئها وصدقها.
وفي حوار خاص مع موقع "القاهرة الإخبارية " تتحدث كارول عبود عن تجربتها في المسلسل، وكيف حضّرت لشخصية "فتون" التي تقدمها ضمن أحداث العمل وما فيها من تفاصيل وتناقضات، وماذا تركت فيها بعد الانتهاء من تصويرها، وكيف تري فكرة التنوع بين الممثلين اللبنانيين والسوريين في عمل فني، وأمور أخرى كثيرة نقرأها في هذه السطور:
مساحة للتمثيل
تتحدث كارول عبود عن انطباعها الأول حين عُرض عليها دور "فتون" في مسلسل "خطيئة أخيرة"، فتقول: "حين عُرضت عليّ الشخصية وبدأوا في شرح تفاصيلها، شعرت فورًا بأنها من الأدوار التي تمنح الممثل مساحة حقيقية للعب والتعبير. شخصية مليئة بالتفاصيل والتناقضات، تشبه السيرك بمفاجآته وحركاته الدقيقة، تمكّن الممثل من استعراض أدواته الفنية بمتعة خالصة. أسعدني جدًا هذا الدور، ليس فقط لأنه دور لم أقدّمه من قبل، بل لأنه مختلف عن كل ما سبق. كما أنها كانت تجربتي الأولى مع مخرج العمل "طارق رزق" وكنت متحمسة للغاية للعمل مع فريق جديد، في تجربة شعرتُ منذ بدايتها بأنها ستكون استثنائية".
قوس قزح
وعن وصفها لشخصية "فتون" بـ"قوس قزح"، قالت: "فتون شخصية ملونة ومتلونة. ألوانها لا تقتصر على خصلات شعرها أو طلاء أظافرها أو ملابسها الصاخبة، بل تمتد إلى حالاتها النفسية المتقلبة، وكذبها، وقدرتها الفطرية على التلون مع كل شخص تقابله، تمامًا كالحية التي تبدل جلدها دون أن تفقد طبيعتها، فهي شخصية مزعجة للوهلة الأولى، قد تثير فيك النفور، لكنها مع الوقت تُرغمك على الابتسام، لأنك تكتشف خلف مظهرها الصاخب إنسانًا هشًا يختبئ وراء الضجيج كي لا يُهزم".
وعن أوجه التشابه بين شخصيتها الحقيقية وشخصية "فتون "، تعلق :"لا أظن أن أيًا من الشخصيات التي قدمتها تشبهني حقًا، لكن بطبيعة الحال، أمنحها من روحي شيئًا. أمنحها صوتي، شكلي، إحساسي، وأحيانًا حتى صمتي".
وتضيف: "شخصية فتون مثلًا بعيدة تمامًا عني من حيث الشخصية والحياة، لكن ثمة نقطة خفية تتقاطع فيها روحها مع روحي، لأنها تمر من خلالي، وتقال بلغتي، وتولد من أدائي.فلو أدت الدور ممثلة أخرى، لكانت فتون مختلفة تمامًا. فهي على الورق مجرد ملامح أولية، لكنها تستمد روحها من الممثلة التي تتقمصها. وهكذا أفهم التمثيل ليس تقليدًا، بل ترجمة داخلية لما هو مكتوب، بلغة الممثل الخاصة".
الميزان الحقيقي
تتحدث كارول عبود عن مرحلة التحضير لشخصية "فتون"، فتقول: "لكل شخصية توترها الخاص، وأحمالها ومشكلاتها التي لا تظهر للجمهور، وعلى الممثل أن يدخل إلى هذا العالم الخفي، ليحل تلك العقد، ويجد الأدوات المناسبة ليُعبّر بها عن مشاعرها بصدق".
وتضيف: "تحضيري لفتون كان عميقًا ومكثفًا، واستغرق مني وقتًا وجهدًا كبيرين، لأنها شخصية مركبة وتعيش حالات متناقضة. لم يكن بالإمكان الاقتراب منها سطحيًا، بل كان لا بد من الغوص في دواخلها حتى أفهم لماذا تقول ما تقول، ولماذا تصمت حين تصمت. وهنا كان للمخرج دور أساسي، فهو الميزان الحقيقي في هذه الرحلة. يعرف ما الذي تتطلبه الشخصية في كل مشهد، ويضبط الإيقاع النفسي بدقة، لنبني معًا شخصية حقيقية تنبض على الشاشة".
وعند سؤالها عما إذا كانت ترى في نفسها جانبًا من شخصية فتون، التي تمر في حياة الآخرين وتترك أثرًا لا يُنسى، أجابت كارول عبود بتأمل: "أعتقد أن كل إنسان، بطريقة أو بأخرى، يترك أثرًا في حياة أحدهم.. ربما بكلمة، أو موقف، أو علاقة عابرة. الأثر لا يشترط أن يكون دائمًا ناتجًا عن علاقة طويلة أو قرب كبير، فقد يتركه حتى عابر سبيل نلتقيه مرة واحدة. وإن كنت قد تركت أثرًا في حياة أحد، فأرجو من قلبي أن يكون أثرًا طيبًا، يذكره بالخير والصدق".
وتضيف: "فتون بالنسبة لي كانت كفراشة ملونة، تطير بخفة وابتسامة بين شخصيات المسلسل… فراشة تحب الحياة، وتقاوم قسوتها بطريقتها الخاصة. تلك الخفة الجميلة بقيت معي حتى بعد أن انتهى التصوير، وكأن شيئًا من روحها تسلل إلي".
وتابعت: "لكنني، في المقابل، تركت لها كل ما حملته من حالات نفسية معقدة، ضحكها وبكاءها، صدقها وكذبها، ودهاءها المضحك في الالتفاف على الحياة. أنا بحاجة، في كل مرة، لأن أعطي الشخصية التي أؤديها كل ما أملك من أحاسيس، أن أسكنها جسدي وروحي بالكامل. ثم، حين أودعها، أُغلق الباب خلفها بهدوء لأتمكن من استقبال شخصية جديدة، بقلب مفتوح ونفس جديد".
واختتمت كارول عبود حديثها بالتعبير عن امتنانها للتجربة، قائلة: "هذا التنوع الكبير في عدد ونوعية الممثلين في المسلسل لا شك يُغني أي عمل فني، ويضيف إلى التجربة الكثير من النضج والمتعة. ففي الكواليس، إلى جانب الاحتراف، هناك أوقات جميلة تصنع، وتفاصيل صغيرة تخلق روحًا جماعية حقيقية".
وتضيف: "المزيج اللبناني-السوري ليس تجربة جديدة على الدراما، بل هو امتداد لسنوات من الأعمال المشتركة التي أثبتت نجاحها وحققت حضورًا واسعًا لدى الجمهور. وعندما يجتمع ممثلون من خلفيات مختلفة، لكن برؤية واحدة، يصبح لكل مشهد حياة أوسع، ولكل لحظة على الشاشة طاقة مضاعفة".