منذ ما يقرب من 5 أشهر، بالتزامن مع تنصيب ترامب وحتى الآن، لم تُعلن الولايات المتحدة عن أي حزم مساعدات عسكرية لأوكرانيا، ما دفع كييف إلى البحث عن بدائل جديدة، ولكن في خضم التقدم الروسي المستمر، أصبح الوقت ينفد بالنسبة للمسؤولين في كييف، وباتت الخيارات المتاحة صعبة وتحتاج لمجهود وإرادة سياسية ومال وفير.
ومنذ انطلاق الحرب الروسية الأوكرانية قبل أكثر من 3 سنوات، زودت الولايات المتحدة أوكرانيا بأسلحة ومعدات محورية، والتي تمثل 30% من جميع الأسلحة التي تستخدمها القوات الأوكرانية على الجبهة، بحسب كييف إندبندنت، حيث قدرت تلك المساعدات العسكرية بـ 74 مليار دولار.
نهج جديد
وشملت الأسلحة الأمريكية، أنظمة إطلاق صواريخ متعددة، مثل صواريخ HIMARS وGMLRS الموجهة، والتي منحت أوكرانيا ميزة على خط المواجهة في صيف عام 2022، كما منحت كييف نظام الدفاع الجوي باتريوت، الأكثر تقدمًا في العالم، بالإضافة إلى صواريخ ATACMS بعيدة المدى، والتي استخدمتها القوات الأوكرانية لضرب عمق روسيا.
ولكن مع وصول ترامب إلى السلطة، اتخذ عدة تحركات وأدلى ببعض التصريحات، التي كشفت عن نهج جديد للإدارة الأمريكية في الصراع الروسي الأوكراني، مختلف تمامًا عن العقيدة التي كان يتبعها سلفه جو بايدن والمتعلقة بدعم أوكرانيا أمام روسيا حتى النصر.
قواعد الدعم
كان من أبرز قرارات ترامب، التي كشفت عن تغيير في قواعد الدعم الأمريكي المطلق لأوكرانيا، هو قيامه في مارس الماضي بتعليق جميع الشحنات العسكرية إلى أوكرانيا وتبادل معلوماتها الاستخباراتية، بعد الجدال الحاد والشهير في المكتب البيضاوي بينه وبين زيلينسكي ونائب الرئيس الأمريكي جيه دي فانس.
أيضًا في أوائل يونيو الحالي، قام ترامب بإعادة توجيه 20 ألف صاروخ مضاد للطائرات بدون طيار إلى القوات الأمريكية المتواجدة في الشرق الأوسط، والتي كانت مخصصة في الأصل لأوكرانيا، ضمن حزمة الـ 3.8 مليار دولار من برنامج سلطة السحب الرئاسية في عهد بايدن.
الاستعداد للأسوأ
ومع تلك التصرفات الصادرة من إدارة ترامب، يرى المحللون العسكريون، أن أوكرانيا لم يعد أمامها خيار سوى الاستعداد للأسوأ إذا رفضت الولايات المتحدة تقديم المزيد من المساعدة في المستقبل لأوكرانيا، والتي إن توقفت ستؤثر بشكل كبير على القدرات الأوكرانية، ولكن بنهج تدريجي وليس فوري.
ومن المنتظر أن يكون التأثير عبارة عن تدهور مستمر في مجموعة القدرات القتالية في كل الوحدات بالجيش الأوكراني تدريجيًا، ولكن النتيجة النهائية ستعتمد على رد الفعل الأوروبي والجهود المبذولة من شركاء الناتو لإصلاح القضايا الأكثر خطورة بالنسبة لأوكرانيا، والشرخ الواضح مع الولايات المتحدة.
المساعدات الأمريكية
وعلى الرغم من المحاولات الأوروبية لبذل المزيد من الجهود لتلبية الاحتياجات الحربية الأوكرانية، والتي كان آخرها خطة "إعادة تسليح أوروبا" بـ 800 مليار يورو، حيث كانت ستسمح المبادرة لزيادة دعم كييف بشكل كبير، إلا أن دراسة أجراها معهد كيل الأوروبي كشف عن أن أوروبا مازالت بعيدة كل البعد عن الاستعداد لاستبدال المساعدات الأمريكية بشكل كامل خلال الوقت المتبقي من العام.
وقدر المعهد أنه من أجل الوصول إلى المستوى المستهدف من الدعم لأوكرانيا، تحتاج ألمانيا إلى زيادة إنفاقها السنوي من 6.7 مليار دولار إلى 10.2 مليار دولار، وفرنسا من 1.7 مليار دولار إلى 6.7 مليار دولار، وإيطاليا من 905 ملايين دولار إلى 5.1 مليار دولار، وإسبانيا من 565 مليون دولار إلى 3.4 مليار دولار سنويا، والمملكة المتحدة من 5.6 مليار دولار إلى 7.3 مليار دولار.
الإنتاج المحلي
وفي محاولة للسيطرة على الأمر، من المرجح أن تشهد الفترة المقبلة، قيام أوكرانيا بتنظيم عمليات شراء مباشرة للأسلحة الأمريكية، وعلى الأرجح، وفقًا للخبراء، أن يتم استخدام أموال الأصول الروسية المجمدة أو حتى أموال شركائها الأوروبيين، وهو النهج الذي يتماشى تمامًا مع رؤية ترامب.
كما يمكن من خلال زيادة الانتاج العسكري المحلي، وقيام الأوروبيين بالاستثمار في صناعات الدفاع الأوكرانية، أن يكون عاملًا مهمًا في تعويض النقص الأمريكي، وهو ما ظهر في تصريحات الرئيس الأوكراني زيلينسكي الذي يخطط لزيادة نسبة الأسلحة المحلية في الجيش بنسبة 50% بحلول نهاية العام.
نقطة مضيئة
أيضًا، بدأ المتخصصون في أوكرانيا بالعمل بشكل مستقل بعيدا عن الخبراء الأجانب في إصلاح الأسلحة الأمريكية، وهو نقطة وصفها الخبراء بالمضيئة من أجل عودة تلك المعدات والأسلحة للخدمة مرة أخرى بشكل أسرع دون إشراك مساعدة أطراف أخرى سواء الأوروبيين أو الأمريكيين.
أما الشيء الوحيد الذي لا تستطيع أوكرانيا استبداله، لا بمفردها ولا بمساعدة حلفائها الأوروبيين، فيتمثل في نظام الدفاع الجوي باتريوت، بخلاف التعاون مع الاستخبارات الأمريكية، لتحديد مواقع المعدات والقوات العسكرية الروسية، الذي يمكن استبداله بالاستخبارات الأوروبية، ولكن يحتاج إلى المال والوقت والإرادة السياسية.